أعلنت وكالة مراحل تكوين الفضاء الاميركية "ناسا" منذ اسبوعين ان جهودها لمعرفة ما جرى مع مراحل نشأة الكون قد تكللت بالنجاح عن طريق قمرها الاصطناعي "كوب" الذي اطلقته في اواخر العام 1989. "الوسط" التي تابعت هذه الجهود العلمية, تلتقي من خلال التحقيق الآتي الاطواء على هذا الاكتشاف الجديد الذي يؤيد ويدعم ما جاء في القرآن الكريم: "كن فيكون...". بعد ثمانية وعشرين عاماً من البحث والاستكشاف والمحاولات لمعرفة نشأة الكون تكللت جهود وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" بانجاح عندما تمكن القمر الاصطناعي "كوب" او "مستكشف الخلفية الكونية" الذي اطلقته الوكالة في 18 تشرين الثاني نوفمبر عام 1989, من التقاط ذبذبات من الطاقة الاشعاعية الصادرة عن بحر من التموجات الدقيقة لغيوم المادة الركامية البدائية التي نشأ عنها الكون اثر "الانفجار الكبير" والتي انتشرت في اطراف الفضاء السحيقة على بعد 94 مليار تريليون كيلومتر عن الارض, اي ما يعادل 15 مليار سنة ضوئية. ويعتقد ان هذه الغيوم الاشعاعية ظهرت بعد 300 الف سنة من "الانفجار الكبير" او ما يسمى بالانكليزية "بيغ بانغ". وكشف عنها اختلاف ضئيل جداً في درجة الحرارة. ولقد تم الاعلان عن هذا الاكتشاف العلمي المذهل في المؤتمر السنوي للجمعية الاميركية لعلماء الفيزياء في واشنطن بتاريخ 23 نيسان ابريل عام 1992, بلسان عالم الفيزياء الكونية الاميركي "جورج سموت" الذي يعمل في مختبر لورانس بيركلي في كاليفورنيا ويقود فريق الباحثين المسؤولين عن مهمة القمر الاصطناعي "كوب". ولقد اكد العالم "سموت" ان هذا الاكتشاف يوفر اول الدلائل التي تدعم نظرية تكوين الكون بما فيه من مجرات وكواكب ونجوم نتيجة "الانفجار الكبير". كما ان هذه الأدلة تعزز النظريات القائلة بأن ظهور المادة الركامية الموجودة عند حافة العون ترجع الى الامتداد الهائل والسريع للكون بعد عملية "الانفجار الكبير" والتي تجمعت وتكثفت في كتل منفصلة عن بعضها البعض تحت تأثير الجاذبية مؤيدة الى ولادة المجرات والكواكب والنجوم. وأن معظم الكتلة الكونية, أي حوالي 90 في المئة منها, عبارة عن مادة معتمة باردة لا يمكن رؤيتها. والجدير بالذكر ان الطاقة الاشعاعية الصادرة عن "الانفجار الكبير" كان سبق التقاطها بالمصادفة عام 1964 من قبل العالمين الفلكيين "آرنوبنزياس" و "روبرت ويلسون" في مختبرات شركة "بل" في نيوجيرسي في الولاياتالمتحدة. فقد كان كلاهما يحاول قياس موجات الاشعاع الضعيفة الصادرة عن الاطراف الخارجية لمجرة "درب اللبانة". الا انهما اكتشفا همهمات صوتية ضعيفة ولمعاناً اشعاعياً قادماً من انحاء مختلفة من الفضاء بواسطة التلسكوب الراديوي. ولقد كان اشراقه وسطعانه متساوياً في كل الاتجاهات كأنه صادر عن غاز تحت درجة حرارة منخفضة جداً تصل الى اقل من 270 درجة مئوية. عندها ساورهما الشك بأن هذه الاشعاعات المختلفة لا بد وان تكون صادرة عن الاشعاعات الخلفية الكونية للانفجار الكبير. ونتيجة لاكتشافهما هذا منح كلاهما جائزة نوبل للعلوم. الا ان التساؤل بقي قائماً حول كيفية تحول الانفجار الذي انتشرت تموجاته بشكل متساو في جميع ارجاء الكون الى اجسام متميزة في المكان والزمان, وكيف تكونت منها المجرات والكواكب وكل مادة الكون المنظورة. الا ان القمر الاصطناعي "كوب" باكتشافه لتموجات الغيوم المشعة التي تكونت بعد 300 الف سنة من "الانفجار الكبير" ربما اعطى الاجابة على هذا التساؤل ووفر الدليل على نظرية "الانفجار الكبير". وقام القمر "كوب" بأكثر من 240 مليون عملية قياس ورصد ارسلت الى العلماء في القاعدة الارضية وتمكنت اجهزته من تسجيل الاختلافات في درجة الحرارة بدقة متناهية تصل الى 30 على المليون من الدرجة الواحدة. اكتشفت هذه النظرية عام 1922 من قبل العالم الروسي "الكسندر فريدمان" الذي قال ان كل ما في الكون من مجرات وجواكب ونجوم تتمدد بسرعة هائلة مبتعدة عن بعضها البعض وكأنها شظايا متناثرة لقنبلة عظيمة انفجرت في الفضاء. وتقوم هذه النظرية على ان الكون قد جاء من العدم, ثم بدأ يتبخر وكأنه كرة نارية هائلة بناء على قدرة الهية نشأ عنها كل شيء في الوجود سواء كان مادة او طاقة كما نشأ عنها المكان والزمان. وانه في اللحظة الاولى من وقوع "الانفجار الكبير" كانت كل مادة الكون مجمعة في كتلة صغيرة اقل حجماً بملايين المرات من نواة الذرة وأكثر حرارة بملايين المرات من كوكب الشمس. نظرية "التضخم" تعتبر نظرية "التضخم" احدث نظرية علمية ابتدعها عالمان احدهما من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ويدعى "آلان غوث" والثاني عالم فيزيائي روسي يدعى "اندريه ليند". وتقول النظرية ان الكون قد بدأ في التمدد والاتساع مع التلة النارية ذات الطاقة الخالصة التي هي عبارة عن الانفجار الكبير, ثم بدأ في التضخم بشكل كبير وأخذ يتضاعف في الحجم بسرعة هائلة للغاية خلال بلايين من اجزاء الثانية. ثم ظهرت داخل الكون البقع الساخنة والغيوم والسحب التي سببت التموجات التي تم قياسها من قبل القمر الاصطناعي "كوب". ويلعب العلم دوراً هاماً في حياة الانسان, ويساهم في تقدمه وتطوره ورفعة شأنه. ولقد اكدت الكتب السماوية والتعاليم الدينية الأهمية الكبيرة للعلم في حياة الانسان وشددت على ضرورة التزود به واستخدامه في كشف عظمة الخالق عز وجل التي تتجلى في كل ما يحيط بنا من النعم والخيرات. وهذا الاكتشاف العلمي الجديد يؤكد قدرة الخالق عز وجل اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون... وفي تفسير آخر لقدرة الله سبحانه وتعالى على خالق الكون بما فيه من كواكب ومجرات ونجوم يقول تعالى:"... ويمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه ان الله بالناس لرءوف رحيم" 65- الحج. ومن آياته ايضاً: "أو لم ير الذين كفروا ان السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" 30- الأنبياء. ويقول الدكتور عبدالمجيد القطمي رئيس الجمعية الطبية الاسلامية في بريطانيا ان خلق الكون وبدايته تتأكد من حقائق العلم المكتشفة ولا تعتمد على النظريات, وهي تؤكد على الحقائق العلمية للقرآن الكريم, لا سيما في مجال العلوم الفلكية وعلوم الاجنة وعلوم الصحة وعلوم الطبية وخلق الحيوانات والنباتات. كما ان نظرية "الانفجار الكبير" ومحاولة اثباتها متصلة بتوضيح حيائق آيات القرآن الكريم في خلق الكون وتكوينه بأقل من لحظة مصداقاً لقوله تعالى: "كن فيكون...", كما ان الاشارة الى الدخان والسحب والغيوم, والطلام الدامس للكون الذي لا يمكن رؤيته الا بنور نابع من قدرة الله تعالى في خلقه للكواكب والنجوم. اما الشيخ زهران ابراهيم, إمام المركز الثقافي الاسلامي في لندن فيقول بأن الاسلام لم يحدد طريقة خلق الكون وانما الذي نؤمن به جميعاً ان لهذا الكون خالقاً هو الله سبحانه وتعالى ومن رحمته ان القرآن الكريم تحدث عن خلق الكون بصفة اجمالية ترك فيها التجديد والبحث لعقولنا, إذناً منه بأننا نحن الذين يجب عليهم البحث والنظر علمياً للوصول الى طريقة خلق الكون. وتحدث الدكتور صالح عبدالرحمن العذل, رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية, عن هذا الاكتشاف وقال انه يثبت صحة نظرية "الانفجار الكبير" فهي تبرهن على وجود قوة تتجاوز قدرات وتصورات البشر, انشأت الكون من العدم خلال فترة زمنية خارقة لا تتجاوز مليارات الاجزاء من الثانية. كما صرح احد علماء الفيزياء البريطانيين المشهورين ويدعى "جون بولكنغهورن" رئيس كلية الملكة في كامبريدج, ان الاكتشاف الاخير مهم جداً ومثير ويملأ فراغاً كبيراً في اللغز العالمي لباية الكون الا انه لا يتعارض مع التعاليم الدينية, وهو لا يضيف شيئاً جديداً سوى تأكيد حقيقية ان "الانفجار الكبير" قد حدث بارادة الخالق عز وجل. فالعلم والدين لا يختلفان. فبينما تعطينا الكتب السماوية الجواب على قدرة الخالق في خلقه, تقوم الاكتشافات العلمية بتأكيد هذه التعاليم الدينية. وفي اشارة الى اهمية متابعة العلم والمعرفة والبحث والتمحيص يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم, فاذا ظن انه قد علم فقد جهل". ما قبل "الانفجار الكبير" ان قصة اكتشافات حقيقية "الانفجار الكبير" لن تنتهي بما وفره لنا القمر الاصطناعي "كوب" من معلومات جديدة. فالنجاح الذي حققه علماء الفلك سيدفعنهم للنظر في حقائق ما قبل "الانفجار الكبير", وما اذا كان تمدد الكون واتساعه سيستمر الى ما لا نهاية او انه سيتقلص ويتلاشى بعد حدة. ومن المؤكد ان السنين المقبلة ستحمل في طياتها المزيد من الاكتشافات الاكثر دقة, خاصة عندما يتم تزويد القمر "كوب" بأجهزة اكثر تطوراً من التي يحملها حالياً. ويقول البروفسور "روان روبنسون" من جامعة لندن ان الاجهزة المتطورة ستمكن العلماء من معرفة الاشارات الأولية لتكوين الكواكب واحدة بعد الاخرى. ومن ناحية ثانية يقول البروفسور "مارتن ريس" من جامعة كامبريدج ان الاكتشاف الجديد قد فتح زاوية جديدة في علم الفلك, وان تزويد القمر الاصطناعي بأجهزة دقيقة ومتقدمة سيوفر المزيد من المعلومات الهامة في هذا المجال وسيساعد على ترجمة المعلومات السابقة بدقة وتفصيل اكبر. وبالفعل بدأت وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" بالاعداد لقمر اصطناعي جديد يخلف "كوب" وسيتم ارساله الى مسافة مليون وخمسمئة ألف كيلومتر عن سطح الارض, الى الجانب الاقصى من الشمس, حيث تتساوى جاذبية الارض والشمس, وبحيث يبقى الثلاثة في خط واحد. وبفضل هذا الترتيب يستطيع القمر الاصطناعي ان يتجنب التشويش الصادر عن كوكب الشمس او كوكب الارض.