القمة الانسانية التي استضافتها اثيوبيا على امتداد يومين في الثامن من نيسان ابريل الحالي، نجحت في تغليب "الاغاثة" على "السياسة"، فاجتمع رؤساء دول القرن الافريقي ليناقشوا سبلاً عملية تعالج "نتائج" النزاعات المستفحلة، وهم غير متفقين، اصلاً، على رؤية موحدة تشكل مدخلاً واقعياً للتعاطي مع هذه النزاعات، او "الاسباب". وشارك في هذه القمة رؤساء السودان الفريق عمر البشير وجيبوتي حسن جوليد وكينيا دانيال اراب موي ورئيس وزراء اثيوبيا ملس زيناوي. فللمرة الاولى، منذ انهيار نظام العقيد منغستو هيلا مريم الاشتراكي في اثيوبيا وسقوط نظام الرئيس سياد بري في الصومال، والاطاحة بحكومة الصادق المهدي في السودان، يعقد لقاء على مستوى القمة بين دول القرن الافريقي وذلك اثر متغيرات شهدتها المنطقة العربية قضت على الدور الاستراتيجي المهم لمنطقة القرن الذي كان بمثابة شرفة استراتيجية مطلة على المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه رقعة شطرنج تتسابق فوقها مصالح القوى الكبرى. وانتهاء القطبية الثنائية، وبداية تشكل النظام الدولي الجديد، وضع جملة حقائق امام قادة دول القرن ابرزها ان العواصم الغربية لم تعد لها مصلحة في استمرار النزاعات الدامية في القرن، وان على قادة المنطقة وضع حد لدينامية التدمير الذاتي المستفحلة في مناطق التوتر. والحقيقة الاخرى الجديدة اشار اليها الرئيس ميتران - وتبناها الرئيس بوش - وهي ضرورة ربط المساعدات الغربية لدول القرن بمقدار تطبيق هذه الدول لخيار الديموقراطية التعددية. ان قراءة تحليلية لنتائج قمة اديس ابابا "الانسانية" تسمح باستنتاجات عدة ابرزها تحاشي القمة توجيه دعوة الى الصومال كي لا يعطل التقاتل بين الاطراف الصومالية المتصارعة حول من يمثل الصومال، الفرص المتاحة امام قمة اديس ابابا لتحقيق حدود متواضعة من التفاهم بصدد الكوارث التي تواجهها دول القرن، حيث يسكن قرابة مئة مليون مواطن يعاني سبعون في المئة منهم من نقص غذائي. وخمس وعشرون في المئة يوجدون تحت رحمة المجاعة، بينما عشرة في المئة يعتبرون لاجئين في عقر دارهم، او في الدول المجاورة. ويلاحظ ان القمة وجهت الدعوة الى كل المعارضات المسلحة التي تقاتل انظمتها في القرن الافريقي، بهدف التفاهم على ممرات آمنة تتيح لهيئات الاغاثة الوصول الى الامنين في مواقع القتال. وكان حضور وفد الجيش الشعبي لتحرير السودان، بزعامة العقيد جون قرنق اعمال قمة اديس ابابا فرصة مناسبة لاطلاق مسعى الوساطة الذي تعد له حكومة ملس زيناوي، رئيس الوزراء الاثيوبي، بين العقيد قرنق والخرطوم. "الحضور الرئاسي" الملحوظ في قمة اديس ابابا "الانسانية" دفع على التفاؤل بامكانية تحويل هذه القمة الانسانية الى ما يشبه "المؤتمر الدائم" الذي يتيح لقادة المنطقة مرونة التواصل لايجاد حلول جذرية للنزاعات عوضا عن الاكتفاء بمعالجة النتائج. وقد انيطت باللجان الفنية التي تشكلت في القمة مهام الاتصال بالدول الغربية المانحة للمساعدات لتنظيم سبل الافادة من الدعم الذي تقدمه هذه الدول، وفي الوقت نفسه تنظيم العلاقة بين كل دولة في القرن وبين منظمات الاغاثة تحاشياً للفوضى التي انتجت انعدام الثقة بين الجانبين وتبادل حملات التشكيك، ما عاد بالضرر الكبير على الآمنين الذين اعتمدوا طويلاً على ما يصلهم من مساعدات هيئات الاغاثة. و"اللجان الفنية" لم تكن ابرز نتائج قمة اثيوبيا الانسانية، اذ مهد الحضور الرئاسي المكثف لتراضي كل القادة المشاركين على بنود ميثاق شرف سياسي يلزم كل دول القرن بالامتناع عن دعم ومساندة حركات المعارضة المسلحة داخل البلدان الاخرى. وكانت اثيوبيا، بزعامة زيناوي، سباقة الى ارساء تقليد عدم التدخل في شؤون دول القرن الاخرى، حين قامت بطرد جماعة العقيد جون قرنق من الاراضي الاثيوبية بعد سقوط نظام منغستو هيلا مريم. ويغلق ميثاق عدم التدخل هذا الباب نهائياً في وجه بعض العواصم الغربية التي كانت تساند عددا من فصائل المعارضة المسلحة في دول القرن من خلال ارسال مساعدتها عبر دولة من دول المنطقة. الطبيعة الملحة والعاجلة للقضايا الانسانية التي عالجتها قمة اثيوبيا الانسانية حتمت انعقادها على عجل فبدت وكأنها قمة طارئة لأمر طارئ، او استجابة لاشارة ما وجهت الى واحدة من دول القرن الافريقي. ولا يمكن تجاهل اهمية "مباركة" العواصم الغربية، المانحة للمساعدات، كعامل مهم في توجيه الدعوة الى القمة. ويدل ذلك على رغبة لدى عواصم القرار الغربي تعطي قادة دول القرن فرصة البحث عن صيغة للتعايش والتفاهم ومن ثم حل نزاعات منطقتهم، بهدف وضع حد للكوارث البشرية الناشبة فيها. ويؤكد هذه الرغبة حضور مندوبين عن هيئات الاغاثة الدولية اعمال القمة، ويلقي مسؤولية كبرى على اكتاف قادة دول المنطقة تحتم عليهم اطفاء حرائق منطقتهم المشتعلة منذ ربع قرن. وقد شاركت الولاياتالمتحدة بوفد ترأسه اندرو ناتسيوس، مساعد مدير برنامج الاغاثة والتنمية. وكان ناتسيوس قدم شهادة امام اللجنة الفرعية لافريقيا التابعة لمجلس النواب الاميركي، الشهر الماضي، قال فيها: "ان هناك 23 مليون شخص يعانون من الجوع وانتشار الامراض والعنف في منطقة القرن الافريقي" وأضاف ان الاممالمتحدة اقترحت برنامج اغاثة لدول القرن لهذا العام بتكلفة 2،1 مليار دولار، ستساهم الولاياتالمتحدة بما يزيد عن 222 مليون دولار منها. ووفقا لمصادر فرنسية فان 300 الف صومالي سيموتون جوعاً في مطلع الصيف اذا لم تتم اغاثتهم. وقد تقدمت الادارة الاميركية بأقتراحات الى دول المنطقة تدعوها الى انشاء نظام فيدرالي بين دول المنطقة للخروج من منطقة العواصف التي تتخبط فيها، وذلك بعد اقامة سلطة على قاعدة اللامركزية في جميع دول المنطقة. وقد تولى ارفان هيكس، مساعد هيرمان كوهين للشؤون الافريقية، نقل اقتراحات الادارة الاميركية الى ملس زيناوي. اما النصائح التي نقلها زيناوي الى قادة دول القرن الافريقي حول مباركة الادارة الاميركية للنظام الفيدرالي اللامركزي على مستوى دول القرن منفردة، تمهيداً لاقامة فدرالية اقليمية، فقد تحمل تطمينات الى الدول التي شرعت بتطبيق النظم الفيدرالية اللامركزية على مستوى داخلي ومنها السودان.