لا شك ان كل المتابعات لحقل الازياء يعرفن تماما البريطاني دايفيد شيلينغ الذي دخل عالم الموضة من خلال تصميمه للقبعات العصرية اضافة الى ربطات العنق الرجالية، فصار اسمه على كل لسان. "الوسط" التقته في محله وعادت من عنده بالتحقيق التالي: قام "دايفيد شيلينغ" بتصميم اول قبعة في حياته عندما كان لا يزال في الثانية عشرة من عمره، حيث اعتمرتها والدته بمناسبة حضورها سباق الخيل المشهور في "آسكوت" والذي تحضره العائلة المالكة البريطانية بالاضافة الى سيدات المجتمع المخملي اللواتي يتباهين بقبعاتهن المصممة خصيصا في اشكالها والوانها واحجامها المختلفة. ويذكر دايفيد ذلك اليوم جيداً، اذ انه لدى عودته من المدرسة فوجئ بصورته مع والدته تظهر في الصحف اليومية. ويقول "في الحقيقة، بدأ اهتمامي بالتصميم والفنون منذ ان كنت في الثامنة، حيث سمح لي والدي بتغيير ديكور غرفة نومي. ولكن بالطبع، لما قمت بتصميم تلك القبعة الضخمة والمصنوعة من قماش التول الرقيق، والتي بدت وكأنها من الفيلم المشهور "سيدتي الجميلة" لم أتصور أبدا انها ستلقى كل ذلك الاهتمام". واليوم، لا تزال والدة دايفيد السيدة "غرترود شيلينغ" محط الانظار في كل مناسبة تظهر فيها القبعات الانيقة. اذ تتركز عدسات المصورين عليها لغرابة وجراءة تصاميم قبعاتها التي يبتكرها لها ابنها المشهور. فقد اصبح "دايفيد شيلينغ" بحق الاسم الاول في عالم تصميم القبعات. منتشر في كل مكان بالاضافة الى محله الكائن في "مارليبورن هاي ستريت" في العاصمة البريطانية، تعرض ابتكارات "دايفيد شيلينغ" في مختلف المتاحف حول العالم، مثل متحف "ميتروبوليتان" في نيويورك، و"فيكتوريا اند ألبرت" في لندن، و"لار ديكوراتيف" في باريس، وغيرها في لوس انجيليس واليابان وحول بريطانيا. وكان متحف "ألستر" في ايرلندا، اول من عرض تصاميمه في العام 1981، تحت تعليق "كاد ان يكون شيلينغ بمفرده أحيا فن تصميم القبعات العصرية". العزيمة والتصميم وعلى الرغم من كل ذلك، يتذكر دايفيد بأسف مدى رفض واستنكار والديه في البداية لقراره كسب معيشته من تصاميمه باعتبارها مهنة تجارية وليست هواية. فيقول ل "الوسط": "أزعجتهما الفكرة للغاية ... وكغيرهما من الآباء والامهات الذين يرفضون التحاق اطفالهم بمدارس الفن كالرقص والتمثيل، لم يتفهما جدية الامر بالنسبة لي وشغفي بالتصميم، وبالفعل ملأني ذلك بالحزن الشديد". ولكن دايفيد كان ولا يزال قوي العزيمة، ربما احيانا عنيداً، لذلك أصر على متابعة هوايته حيث برهن لاحقاً انه كان على صواب. ويقول "كنت متأكدا من حبي لفني، فبدأت بتصميم القبعات والحلى وبيعها للمحلات التجارية الكبيرة". غير ان طريق النجاح صعب وطويل، فحتى هذه المحلات الكبيرة ترددت في شراء مجموعة كبيرة من القبعات. والسبب انه في اواخر السبعينات، لم تكن القبعات جزءا من الازياء النسائية. لذا وجدت مكانا آخر في صالات عرض الفنون، بدلا من المحلات التجارية، في المدن الاوروبية المختلفة. قبعات غريبة ويقول دايفيد بصراحة: "لم تسنح لي الظروف الدخول الى مدرسة للفنون لأتعلم التصميم ... لعل ذلك هو السبب في تصاميمي الخيالية والغريبة للقبعات!". وبالفعل، ظهر حبه للمرح في تصاميمه التي لقيت ترحيبا كبيراً من النساء انفسهن اللواتي ادركن ان قبعاته تزيد من جمال ازيائهن ومظهرهن الكامل. ويؤكد دايفيد انه يعلم جيداً ان القبعة ليست جزءا اساسيا من ازياء المرأة، لكنه يشعر بأنها تضيف شيئا من السحر والاثارة، فيقول: "لا يهمني ان يكون للقبعة سبب واضح لاعتمارها، فهي ليست للتدفئة مثلا، بل هي حلية، كالحلق او العقد، تكمل المظهر وتعطي الاحساس بالسعادة لمن تلبسها ولمن حولها من الاصدقاء". مهمة جديدة وعلى الرغم من حبه للمرح وروح النكتة، فإن هناك جانبا جديا لدايفيد، اذ ان منظمة الاممالمتحدة قررت اخيرا توظيفه مستشاراً رئيسياً في مجال التصميم. ومنصبه هذا يعني الرحلات المستمرة حول العالم للتطلع الى ما يمكن عمله لمساعدة بلاد العالم الثالث في تصميم منتوجاتها وسلعها واحراز نجاح اوسع في الاسواق الدولية. ويتركز عمله في جنوب اميركا وافريقيا وآسيا، حيث يقوم بايجاد الحلول المناسبة والطرق الجديدة في تصميم منتجاتهم لتصبح صالحة للبيع ومرغوبة في الاسواق العالمية. ويوضح دايفيد ذلك بقوله: "اضافة الى دراسة وتصميم السلع، فأنا أقوم بزيارة القرى الصغيرة لمشاهدة كيفية استعمال موجات الموضة المختلفة التي تؤثر على أذواق المشترين في نهاية الطريق. وهكذا فأنا على اتصال دائم مع مختلف الحكومات والهيئات المختصة، ورجال الاعمال وحتى الفنانين انفسهم. والجميع، على مختلف المستويات، يدرك اهمية اشتراك هذه البلدان والقرى المنتجة في المنافسات القائمة بين اسواق العالم لبيع سلعها ومنتجاتها واعطائها الثقة اللازمة للانتاج". وهنا، وكأن الامر مرتب، يرن جرس الهاتف، ليتلقى "دايفيد" مكالمة من احدى السفارات في لندن، تستشيره في أمر مهمة جديدة له قد تأخذه الى احدى هذه البلدان مرة اخرى. ويعطي شيلينغ اهمية عالية لهذه المساعدات، فيقول: "أشعر بأنه من واجبي وواجب زبائني إعادة النفع لهذه البلاد، ورد المعروف بإعادة ما اخذ منها من مساعدات"، وكان انتج مجموعاته للموسم السابق في احدى القرى في جنوب اميركا، حيث قامت القرويات هناك بنسج وخياطة الاقمشة. تصاميم الموسم المقبل اما بالنسبة لمبتكراته للموسم المقبل فيقول انه كان اخذ بجمال والوان القارة الافريقية، لذلك قام بتصميم مجموعة قبعات مستوحاة بما رآه في الطبيعة هناك. وعندما سألته عن زبوناته الشهيرات، أجابني بكل صراحة ووضوح بأنه لا يحبذ ذكر اسماء معينة، اذ ان لديه العديد من الزبونات حول العالم اللواتي يحضرن الى محله خصيصا لشراء او تصميم قبعة ما تليق بمناسبة خاصة او زي معين. ويضيف: "أحب ان اعطي كل زبونة وقتا خاصا بها، لتشعر بأن هذه اللمسة الخاصة ليست لأنها فلانة ذات شهرة ما، او انها تنتمي لعائلة ما. بل انني احب ان اعطي اهمية لتلك الزبونة التي تحضر لأول مرة لأنها مدعوة الى مناسبة خاصة لم تحضرها من قبل مثلا، وذلك لاستشارتي او في غيابي، استشارة الموظفين في المحل، لاعطائها فكرة عما يجب تفاديه، ونصحها بما يليق بتلك المناسبة الخاصة". ويقول دايفيد انه من المهم ان تليق القبعة ببقية الزي المختار، ويضيف الى ذلك قوله: "المهم ليس تناسب الالوان فحسب، بل الاخذ بالاعتبار الزي بكامله من حيث تصميمه وشكله وحتى مزاجه، كما يهمني ان تظهر القبعة بشكل مريح، ولذلك فأنا اصمم القبعات الخفيفة والسهلة اللبس. بالاضافة الى التأكد من لياقة القبعة بالمرأة نفسها من حيث شكل الوجه وحتى طول الشعر". ويقارن "دايفيد" اعتمار القبعات بانتعال الاحذية، فيقول: "أنت لا تشترين اي حذاء لأنه يناسب لون الزي فحسب، بل بالطبع يجب ان يكون قياسه مطابقا تماما. وذلك ينطبق على القبعة ايضا. فالعديد من النساء يشعرن بخيبة الامل عندما يجربن قبعة تلو الاخرى في المحلات الكبيرة دون الحصول على ما يناسبهن، او يليق بهن، ولكن ذلك امر طبيعي، فقياسات القبعات، مثل قياسات الاحذية، تختلف كثيراً، فتتراوح بين 5،20 بوصة و 26 بوصة". وتتردد الزبونات على محل "دايفيد شيلينغ" حاملات معهن أزياء معينة لاعطاء فكرة عن القماش والشكل المطلوب ليناسب تصميم القبعة. ويضيف دايفيد: "أحيانا، يجلبن مجوهراتهن لشراء او تصميم القبعات اللائقة بهن. كما اننا ننصحهن حتى بما يليق بهن من حيث الماكياج. وبذلك نؤدي خدمة كاملة لزبوناتنا آخذين بالاعتبار اي متطلبات من جهتهن". مدة التصميم وسألته عن الوقت الذي يستغرقه تصميم قبعة خاصة بالزبونة فيقول: "طبعا لدينا العديد من القبعات الجاهزة والمعروضة في المحل والمحلات التجارية الكبيرة في لندن، وقد تحبذ الزبونة اختيار ما يعجبها من المجموعة، وان لم يناسبها القياس او اللون او حتى القماش، فباستطاعتنا تغيير ذلك بسهولة. ولكن بالنسبة لتصميم قبعة ما حسب مواصفات الزبونة فنحبذ عندئذ مقابلتها لمدة ساعة تقريبا، نتحدث فيها عن متطلباتها الخاصة ونأخذ قياسها الخ. وفي حال الوجود الدائم للزبونة في لندن، يأخذ تجهيز القبعة حوالى اسبوعين. ولكن بالنسبة لزبوناتنا اللواتي يعشن خارج لندن فهن يفضلن الاتصال بنا من الخارج لترتيب موعد خاص فور وصولهن". ويقوم دايفيد "شيلينغ" بمقابلة زبوناته حتى في "سفرياته"، فهو يحمل معه دفتر رسم وكاميرا اينما كان ليسهل على زبوناته طلباتهن واخذ وتسجيل قياساتهن، ليعود الى لندن ويبدأ بتصميم وتجهيز القبعات المطلوبة بأقصر وقت ممكن. الجديد وما الجديد في عالم القبعات؟ يقول دايفيد: "لا اظن ان اعتمار القبعات سيرجع الى ما كان عليه في الثلاثينات مثلا، حين كانت القبعة جزءا أساسيا من الزي، ولكنها ستبقى ككمالية تلبس في المناسبات الخاصة. وأنا دوماً ابحث عن الاقمشة الجديدة في الاسواق والافكار المختلفة باستيعاب كل ما يجري من حولي وخصوصا التغييرات في الطبيعة، فأقوم بتصميم مجموعتين مختلفتين لكل عام". وبالاضافة الى تصاميمه المبتكرة للقبعات النسائية، فهو يقوم بتصميم ربطات العنق الرجالية، فيرسم اشكالا مختلفة على الحرير بألوان زاهية. ومن مشاريعه المختلفة للمستقبل تصميم القبعات المبتكرة لفيلمين سينمائيين جديدين. كما انه ينوي التفرغ لكتابة كتابه الثاني ليلحق بنجاح الاول الذي نشر منذ خمسة اعوام ماضية. وبالاضافة الى كل ذلك، فهو يحب رسم اللوحات الزيتية، ويقول: "أجد الاندفاع والسعادة التامين طالما انا مشغول بتصاميمي المختلفة. وهذا هو كل ما اريده!".