الألعاب الاولمبية الشتوية التي تقام في ألبيرتفيل بين الثامن من شباط فبراير 1992 والثالث والعشرين منه، ستكون علامة فارقة في تاريخ الدورات الاولمبية لانها ستشهد الاحتفال الاخير قبل استقلال "التوأمين". فقد درجت العادة على ان تقام الالعاب الشتوية خلال السنة التي تقام فيها الالعاب الصيفية، ولكن هذا التقليد الذي استمر طيلة عقود سيتوقف بعد دورة ألبيرتفيل مفسحاً المجال امام نظام جديد يكرس استقلال "التوأمين الاولمبيين" بعدما حُددت سنة 1994 موعداً لدورة الالعاب الشتوية في ليلهامر - النروج - كما حددت سنة 1996 موعداً للدورة الصيفية في أتلانتا - الولاياتالمتحدة… وفي عودة الى تاريخ الالعاب الاولمبية التي نشأت في اليونان في حدود سنة 806 قبل الميلاد نرى ان تلك الالعاب تختلف اختلافاً جذرياً عمّا هي عليه اليوم، فقد كانت احتفالاً دينياً تتخلله التقدمات والذبائح، وترافقه تظاهرات ثقافية وأنشطة رياضية، ولم يكن المشاركون يتوخون الفوز بأي ثمن بل كانوا يحرصون على المشاركة في الالعاب وعلى التنافس بنزاهة وصدق متجنبين الغش، مركّزين على احترام القيم الروحية. وكانت الالعاب الاولمبية وقفاً على المواطنين الاحرار وكان يحظر على البرابرة وعلى العبيد أن يشاركوا فيها، ومع الزمن بدأت الالعاب الاولمبية عند قدماء اليونان تنحرف عن مسارها وتفقد أصالتها وقد عجّل الفساد والهوس بالفوز والتنافس بين المدن الاغريقية في انحطاطها الى أن قرر تيودوسيوس الكبير امبراطور الشرق المسيحي ان يضع حداً للالعاب الاولمبية في سنة 394 بعد المسيح. وهكذا توقفت الالعاب الاولمبية بعد انقضاء 1200 سنة على قيامها، ولكن شعلة الروح الاولمبية لم تنطفئ… دور البارون الفرنسي ويعود الفضل في إحياء الالعاب الاولمبية بعد غيبوبة استمرت الفاً وخمسمائة وسنتين الى البارون الفرنسي بيار دي كوبرتان إثر قيامه بمحاولتين: الاولى في 25 تشرين الثاني نوفمبر 1892 في مدرج السوربون القديمة حيث أعلن عن رغبته في بعث الالعاب الاولمبية أمام مجموعة من الرياضيين والمسؤولين الرياضيين. والثانية في 23 حزيران يونيو 1894 أي بعد انقضاء 1500 سنة على توقف الالعاب الاولمبية في مدرج السوربون الجديدة أمام الفي مدعو وفي حضور 79 بعثة اجنبية. وقدأقر في هذا اللقاء احياء الالعاب الاولمبية مرة كل أربع سنوات بحيث تشمل الالعاب الفردية والالعاب الجماعية على أن تقام الدورة الاولى في أثينا بعد سنتين أي في سنة 1869… وتوالت الدورات الاولمبية، ولكنها من جديد بدأت تنحرف عن مسارها الاغريقي، وعن كونها مهرجاناً يلتقي فيه رياضيو العالم ويتنافسون بروح رياضية منزّهة عن الغش والعنصرية والتزمت الوطني والروح التجارية، كما أراد لها البارون بيار دي كوبرتان أن تكون. وفي سنة 1961 أُنشئت في اولمبيا في اليونان أكاديمية تسعى الى التصدي للآفات التي بدأت تهدد الرياضة الاولمبية وتحولها من الغاية التي قامت من أجلها، فقد آن الاوان للقيام برد فعل ضد مفهوم المشاركة في الالعاب الاولمبية للفوز ولتسجيل ارقام قياسية جديدة فحسب، وضد التجار الذين دخلوا هيكل الالعاب الاولمبية وعاثوا فيه فساداً. وقد أضيفت الى هموم تحويل الرياضة سلعة تجارية ويافطة للتزمت الوطني، هموم تسخيرها كأداة في خدمة الانظمة السياسية والصراع الايديولوجي… ونذكر على سبيل المثال ما كتبته جريدة "البرافدا" الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوفياتي سابقاً بعد الانتصارات الباهرة التي حققها الاتحاد السوفياتي في دورة ميونيخ الاولمبية 1972 "ان الانتصارات العظيمة التي حققها الاتحاد السوفياتي والدول الشقيقة دليل ساطع الى ان الاشتراكية هي النظام الامثل لتكامل الانسان الجسدي والروحي". قيمة الرياضة وفي سنة 1974 صرّح الرئيس الاميركي جيرالد فورد: "هل ندرك حقاً كم هو مهم أن نحقق انتصارات على الامم الاخرى؟ إن الولاياتالمتحدة كونها قائدة وزعيمة ينبغي أن تحافظ على صفتها هذه آخذة بالاعتبار ما تمثله الرياضة في عصرنا. فالانتصار الرياضي يمكنه أن يخدم أمة بمقدار ما يخدمها الانتصار العسكري". لقد أدى التنافس المحموم للفوز باكبر عدد من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية الى اعتماد اساليب تعتبر انتهاكاً فاضحاً للروح الاولمبية فتفشى الغش واستشرى تعاطي العقاقير والمنشطات الممنوعة، وكشفت فضيحة العداء بن جونسون وفضيحة الرباعين البلغار في دورة سيول 1988 عن الوجه الآخر للرياضة الاولمبية وجه الغش والنفاق، وتهدد اعترافات أدلى بها مدربو المانيا الديموقراطية سابقاً باعادة النظر في كثير من الارقام الاولمبية التي سجلت خلال العقد الماضي. صحيح أننا نشهد في كل دورة اولمبية جديدة تهاوي ارقام قياسية كان يعتقد بأنها صامدة ومن الصعب جداً مقاربتها أو تجاوزها، وهذا بحد ذاته رائع ومصدر إثارة تستقطب ملايين المشاهدين في أرجاء العالم، ولكن ذلك يتم احياناً كثيرة على حساب الروح الرياضية… ويخشى ان تتحول الالعاب الاولمبية كما حلم بها بيار دي كوبرتان، جثة معطرة تبحث عن قبر… أرقام وتوقعات في دورة ألبيرتفيل حجزت اللجنة الاولمبية المنظمة لاستضافة المشاركين في الدورة من أسرة اولمبية ورياضيين واتحادات ورجال إعلام ومتطوعين 10500 غرفة في الفنادق و4 آلاف شقة و10 آلاف سرير لدى المؤسسات السياحية. ستؤمن اللجنة الاولمبية مليوني وجبة طعام خلال الدورة يعدها المطبخ المركزي في شامبيري الذي يقوم على مساحة 10400 متر مربع وتتولى 45 شاحنة مكيفة توزيع هذه الوجبات على أماكن الاقامة. تملك فرنسا أربعة آلاف مقصورة في المصاعد السلكية للتزلج منها 65 في المئة في منطقة الرون - الالب و34 في المئة في منطقة السافوا الاولمبية، ويمكنها أن توفر للمتزلجين مليوناً ومئتي الف سرير سياحي. يتولى حفظ الامن في الحرم الاولمبي الذي يمتد على مسافة 1600 كيلومتر مربع ثمانية آلاف من رجال الشرطة والدرك والجيش وتبلغ نفقات هؤلاء 140 مليون فرنك فرنسي تقوم الدولة بتغطيتها وتسهم اللجنة الاولمبية المنظمة بتغطية 6 ملايين فرنك من أصل المبلغ. يتوقع أن يشاهد الالعاب الاولمبية الشتوية في ألبيرتفيل ميدانياً حوالي 800 الف شخص تتراوح أسعار بطاقاتهم بين 60 فرنكاً و1500 فرنك ويتوقع ان يصل عدد متتبعي هذه الالعاب عبر الأقمار الصناعية وشاشات التلفزيون الى ملياري شخص. علماً ان عدد الذين شاهدوا بواسطة التلفزيون دورة برلين الصيفية 1936 وهي الدورة الاولى التي حظيت بتغطية تلفزيونية لم يتجاوز المئتي الف. تواريخ ومحطات 5 كانون الاول ديسمبر 1981: أطلق جان كلود كيلي وميشال بارنييه ترشيح منطقة السافوا الفرنسية لدورة الالعاب الاولمبية الشتوية 1992. 17 تشرين الاول اكتوبر 1986: اختارت اللجنة الاولمبية الدولية ألبيرتفيل لدورتها السادسة عشرة وكانت تنافسها المدن التالية: انكوراج - الولاياتالمتحدة. بركشغادن - المانيا الاتحادية. كورتبنا دامبازو - ايطاليا، وليلهامر - النروج. 27 تشرين الثاني نوفمبر 1987: بلغت القيمة الاجمالية لموازنة الالعاب الاولمبية التقديرية في البيرتفيل 3176 مليون فرنك فرنسي. 30 آذار مارس 1988: انتخبت الجمعية العمومية غير العادية للجنة الاولمبية المنظمة جان كلود كيلي وميشال باريبيه رئيسين لها. 7 شباط فبراير 1991: إصدار الملصق الرسمي للالعاب الاولمبية الشتوية في البيرتفيل. 24 تشرين الاول اكتوبر 1991: تقديم نماذج عن الميداليات الاولمبية التي نفذتها مؤسسة "لاليك".