اختصرت الدورات الأولمبية الأخيرة في العصر الحديث أسس العصرنة التجارية والإعلامية والعلمية بعيداً من الأفكار الرومانسية للمبادئ القديمة للهواة التي شغلت "الباعث والمؤسس" البارون بيار دو كوبرتان ومجايليه طويلاً. ويعتبر يوم 23 حزيران يونيو 1894 من أسعد أيام دو كوبرتان، إذ عقد المؤتمر الدولي في باريس بحضور مندوبي 13 دولة، وافقوا على فكرة البارون الفرنسي المتحمّس، إحياء الألعاب الأولمبية القديمة، وتكريماً لليونان "مهد هذه الألعاب" منح المؤتمرون شرف أن تنظم أثينا سنة 1896 "الألعاب الحديثة الأولى"، ومنذ عهدذاك كان للصحافة الدور المؤثر والفاعل والمساهم في الولادة الجديدة. كان رئيس اللجنة الدولية ديميتريوس فيكيلاس يشعر أن حقبة تاريخية جديدة يعاد بناؤها، وستعود بالفائدة على بناء اليونان الحديث، قد تمحو ما تناقلته وسائل الإعلام في 10-12-1893 عن بلوغ هذا البلد حافة الإفلاس... لكن المشكلة المالية التي كانت في المرصاد والألعاب غاية أساسية لاستعادة أمجاد التاريخ الغابر والحضارة العظيمة... ورأى فيكيلاس - المقيم في فرنسا - أن الألعاب "ستبني شبكة علاقات جديدة بيننا وبين بقية أوروبا، وتصبح أثينا مكاناً للصداقة وبرهاناً على أننا لا نزال حضاريين...". وكتبت صحيفة "هيستيا": "الفرصة مهمة للمقارنة بين الماضي والحاضر، فيكيلاس وكوبرتان رجلان شغوفان بالشعب اليوناني وبالأرض اليونانية وحضارتها، من باريس نطقاً بالحق ...". ومما أوردته صحيفة آستي: "إنه شرف عظيم لليونان، والتقدير لن يكون فقط للأبطال بل لكل من عمل لإعادة إحياء الألعاب... وبات الرهان والتحدي لمراعاة الظروف الاقتصادية وعدم هدرالأموال في احتفالات تحاكي عظمة المناسبة". وتعدى الحديث الفائدة الرياضية إلى فرصة الإفادة من الألعاب لتأهيل الأماكن القديمة وتسليط الأضواء على النشاطات الفنية والثقافية الموازية، وإعادة تنظيم التصميم العمراني لأثينا، والفوائد الإضافية من النواحي السياسية والإنمائية والبيئية والاقتصادية كافة. في فرنسا، وضع كوبرتان رئيس البلاد كازيمير بيريه في صورة الاستعدادات، ونشرت صحيفة الفيغارو خبر اجتماعهما وعزم كوبرتان زيارة اليونان "للبحث ميدانياً في خطوات التنظيم". في المقابل، ذكرت آستي "أن شيئاً لم يتحقق على الأرض بعدُ"، وتخوّفت من الانطباع السيئ بعد حصيلة الزيارة المنتظرة، وطلبت من المسؤولين ولجنة المثقفين والديبلوماسيين وأصحاب القرار تفعيل اللجنة المنظمة لأنه "ليس من شيمنا تصدير البؤس". وسلطت أكروبوليس الضوء على اجتماع عقد في 25-10-1894 بين رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد لدراسة موازنة الألعاب، "وأن النتائج كانت غير مشجعة". وكتبت إيفيميريس "لن تقام الألعاب في أثينا، اللجنة المنظمة وجدتها مكلفة ولن يكون هناك دعم رسمي لصعوبات مالية جمّة"... ما أدى إلى هجوم نقدي عنيف، وكتب سبيريدون باغانيليس في "هيستيا" مقالاً دعا فيه الملك جورج والبرلمان إلى مواجهة الحكومة واللجنة الأولمبية، وطالب بالتحقيق في كيفية إنفاق الملايين التي تجنى من الضرائب... وأشار إلى الحافز التاريخي لتنظيم الألعاب... وصادف هجومه مع حديث لكوبرتان ظهر في آستي في اليوم التالي، وشدّد على ضرورة تنظيم الألعاب. في تشرين الثاني نوفمبر من العام ذاته، حضر ما بين 700 و800 شخص محاضرة لكوبرتان في قاعة جمعية بارناسوس الأدبية، ونشر قسم مما جاء فيها باليونانية، ووزع على الحضور... وأبدى إعجابه وشكره لدعم الصحافة لحملة إعادة إحياء الألعاب... وبعد ثلاثة أيام التقى الأمير قسطنطين الذي قبل أن يكون رئيساً فخرياً للجنة المنظمة... وما بين 12 و24 تشرين الثاني، دعي 29 شخصاً إلى قاعة زابيون، وألفت اللجنة المنظمة الأولى. وفي الخارج، نسق فيكيلاس وكوبرتان جهودهما للحصول على دعم من بعض الدول الغربية، لأن "الفكرة يجب أن تعمّم للشرعة والروح الأولمبيين". ونشر كوبرتان مقالات في الصحف والمجلات، استقطبت المهتمين بالتنشئة الرياضية لأنها "فكرة للسلام تفتح آفاقاً جديدة" ، وتخدم انطلاقة ونهضة الفن والأدب والفلسفة والعلوم، وهي فرصة لتحقيق روح السلام والصداقة بين الشعوب. وعاد كوبرتان في نهاية تشرين الثاني إلى أثينا، وأمضى 25 يوماً في ربوعها، والتقى مرات عدة ولي العهد الأمير نيقولا ورؤساء الأحزاب السياسية وشخصيات أخرى، وبدا بعد ذلك متفائلاً لنجاح مشروعه. الآن الآن... وإلاّ أبداً وبعد مغادرته، أعلنت اللجنة المنظمة أن كلفة الألعاب الأولمبية الحديثة الأولى ستبلغ 600 ألف دراخما... وليس في الإمكان تنظيم كل شيء في خلال شهرين، وطلبوا مجدداً معونة الملك... وحين شارفت الأمور على التوقف مجدداً، جاء فيكيلاس في أواخر العام، وقوبل مجيئه بترحيب إعلامي واسع. ولدى وصوله، تحدث إلى مراسل "أثينيان" عن أهداف وأسباب تنظيم الألعاب الأولى في أثينا، ونشر الحديث في الصحف كلها، وأنهاه بالقول: "ستقام هنا الآن، وإلا لن تبصر النور أبداً، وعلى اليونان أن تقدم شيئاً يظهر الفكرة الأولمبية التي تجسدت في القرون الماضية...". وفور نشر المقال بدأت ترد الهبات والعطايا. مثلاً، تبرع طالب ب10 درخمات شهرياً ولمدة ستة أشهر، وشخص آخر ب7 قصائد احتفالاً بإحياء الألعاب. وهبّ الشعب كله خلف فيكيلاس كما أوضحت أكروبوليس... ما حدا باللجنة المنظمة إلى الاستقالة فتألفت لجنة جديدة عهد بمنصب أمانة السرّ فيها إلى الصحافي تيميلون... وكانت دعوة إلى وضع الخلافات جانباً "إكراماً للفكرة السامية" فالأمة تقرر مصير مثل هذه الخطوة الوطنية... والأمة تبارك وتؤيد ذلك". في 10-1-1895، استقال رئيس الحكومة تريكوبيس، وخلفه نيكولاوس ديلينانيس، الذي عاش في فرنسا ويعرف فيكيلاس ويؤمن بالفكرة الأولمبية وكلّ ما صدر عن مؤتمر باريس ويناصر تنفيذه. وبعد ثلاثة أيام، أخد الملك الأمر رسمياً على عاتقه... وأعلن التحضيرات العملانية للألعاب الأولى، وواكبت الصحافة تطورات الاستعدادات كلها. وغطت في شكل لائق الاحتفالات والمنافسات وخصوصاً فوز سبيريدون لويس بسباق الماراثون.