بعثت الادارة الاميركية بمذكرة سرية الى اسرائيل وعدة دول عربية، تتضمن مجموعة اقتراحات اميركية مفصلة تهدف الى الحد من انتشار الاسلحة في الشرق الأوسط وقيام "علاقات جديدة" في المجال العسكري بين العرب والاسرائيليين. وأبلغ وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر الاطراف المعنية بهذه القضية، ان الاقتراحات الاميركية ستناقش خلال الاجتماعات التي ستعقدها مجموعة العمل المتعلقة بالحد من انتشار الاسلحة في الشرق الأوسط وفرض رقابة عليها، وهي اجتماعات ستبدأ في واشنطن في نيسان ابريل او ايار مايو المقبلين باشراف الولاياتالمتحدة وروسيا. وقد احيط مضمون هذه المذكرة الاميركية بالتكتم، لكن ردود الفعل العربية والاسرائيلية على الاقتراحات الواردة فيها بدأت تبرز، سواء علناً او من خلال الاتصالات مع الادارة الاميركية. "الوسط" حصلت على نص هذه الاقتراحات الاميركية المهمة تنشره في ما يأتي اضافة الى حقيقة موقف اسرائيل والدول العربية المعنية بالامر. "1 - التوصل الى اتفاق في المجال البحري للحؤول دون وقوع مواجهات عسكرية، وتعزيز الاتصالات بين الدول العربية واسرائيل في هذا المجال، بما في ذلك اصدار اعلانات مسبقة في شأن المناورات البحرية، وتحديد طرق مرور السفن. 2 - توقّع مصر واسرائيل على هذا الاتفاق كمقدمة نحو انضمام دول أخرى اليه في المستقبل، مثل الاردن وسورية ولبنان. 3 - ينص الاتفاق على اصدار اعلانات مسبقة في شأن المناورات العسكرية البحرية وتنظيم زيارات متبادلة لخبراء عسكريين من الدول العربية واسرائيل الى قواعد عسكرية لدى الجانبين، والسماح لخبراء كل دولة بمراقبة المناورات التي تجريها قوات الدول الأخرى، من اجل تعزيز العلاقات بين القوات المتعددة في المنطقة. 4 - انشاء جهاز اتصال عام للشرق الأوسط يعتمد على الاقمار الصناعية، لمنع وقوع مواجهة عسكرية عربية - اسرائيلية في حال اندلاع ازمة في المنطقة. وسيتم استخدام الجهاز لتبادل معلومات مسبقة حول تجارب الاسلحة المختلفة والمناورات العسكرية. 5 - تجميد مجالات انتاج مواد تستعمل لتطوير اسلحة الدمار الشامل، وفتح المصانع الحربية والمفاعلات النووية في المنطقة امام الرقابة الدولية. 6 - دعوة الدول العربية واسرائيل الى دورة في اوروبا للاطلاع على التجربة التي مرت بها الدول الأوروبية على صعيد التقارب في المجال العسكري. وتشمل هذه الدورة مشاركة الدول العربية واسرائيل في مناورات عسكرية، واجتماعات مع خبراء وعسكريين اوروبيين. 7 - ستطرح الولاياتالمتحدة اقتراحات في مجال الاسلحة التقليدية وغير التقليدية من اجل اثبات رغبتها في انجاز تقدم على الصعيد العسكري، مع الحفاظ في الوقت ذاته على توازن عسكري بين الدول العربية واسرائيل. 8 - ستجري الولاياتالمتحدة اتصالات مع الدول المصدرة للاسلحة من اجل تقليص مبيعات الاسلحة الى منطقة الشرق الأوسط، وستعزز جهودها لانجاح المفاوضات الجارية حالياً للتوصل الى معاهدة دولية لحظر انتاج وتخزين الاسلحة الكيماوية والبيولوجية". هذا هو نص الاقتراحات الاميركية الهادفة الى انشاء "علاقات جديدة" في المجال العسكري بين العرب والاسرائيليين. "مساواة" اسرائيل بكل العرب وأظهرت الاتصالات الاولية التي اجرتها الادارة الاميركية مع الجانبين العربي والاسرائيلي في شأن هذه الاقتراحات، ان كليهما يتحفظ على مضمون البند الخامس بالذات، اذ يعتبره الجانب العربي محاولة لتمكين اسرائيل من الاحتفاظ بقدراتها النووية الحالية، ويطالب بالحصول على تعهد رسمي اميركي ينص على اعتبار مضمون هذا البند خطوة اولى نحو تجريد منطقة الشرق الأوسط من الاسلحة النووية. كما يقترح تشكيل لجنة دولية لمراقبة مسيرة انتاج الاسلحة الحديثة في المنطقة. في المقابل تتخوف اسرائيل من ان تعمد الادارة الاميركية الى الاستعانة بهذا البند لممارسة ضغوط عليها خلال المفاوضات المتعددة الاطراف لحملها على الانضمام الى الدول الموقعة على معاهدة حظر نشر الاسلحة النووية. وعلى هذا الاساس رفضت اسرائيل المصادقة على الجدول الذي اقترحته واشنطن لمفاوضات موسكو، وينص على توزيع الوفود المشاركة فيها على لجنتين، تبحث الاولى قضايا التعاون الشامل، وتبحث الثانية قضية الامن الاقليمي، خشية تركيز نقاشات اللجنة الثانية على القدرات النووية الاسرائيلية. وفي ما يتعلق بقضية امن المنطقة تستعد اسرائيل لطرح موقفين تأمل من ورائهما مواصلة الاحتفاظ باسلحتها التقليدية وغير التقليدية: الاول اعتبار كل الدول العربية جبهة واحدة امامها. وبالتالي ضرورة مساواة كميات الاسلحة التي يملكها الجيش الاسرائيلي مع كميات الاسلحة التي تملكها كل الجيوش العربية، الامر الذي سيمكن اسرائيل من مواصلة برامج تسليحها وتطويرها العسكري بفعل الفارق الكمي بين الجانبين الذي يميل لصالح الجيوش العربية. والثاني طرح القدرات النووية التي تملكها دول غير عربية في المنطقة، مثل باكستان وايران، على انها جزء من القدرات النووية العربية، بحجة عداء هاتين الدولتين لها، وزعمها بتعاونهما مع دول عربية معينة لتطوير قدراتهما النووية، والمطالبة بالتالي بضرورة ان يشمل اي اتفاق لنزع الاسلحة النووية القدرات الباكستانية والايرانية، ما سيمكنها بالتالي من مواصلة الاحتفاظ بقدراتها النووية بفعل معرفتها بمعارضة هاتين الدولتين لأي اتفاق لنزع قدراتهما النووية. ولعل اوضح تعبير رسمي اسرائيلي عن اصرار اسرائيل على الاحتفاظ بقدراتها النووية ورد على لسان رئيس الاركان الجنرال اهودا براك خلال محاضرة القاها امام "النادي التجاري والصناعي" في تل ابيب، ونشرت نصها صحيفة "معاريف" الاسرائيلية. فقد ركز حديثه على ضرورة ابعاد اخطار التهديد النووي عن منطقة الشرق الأوسط عبر منع العرب من الحصول على قدرات نووية لأن من شأن ذلك ان يشكل خطراً على العالم بأجمعه. بينما اعتبر القدرات النووية الاسرائيلية "عاملاً لردع التهديدات العسكرية العربية". وبخصوص هذه التهديدات تحدث براك عن الخطط التي تطبقها سورية لتعزيز قدراتها العسكرية وأشار الى حصولها على صواريخ "سكود سي" من كوريا الشمالية، تتميز بدقة الاصابة، وعلى مئات الدبابات من طراز "تي - 72" من تشيكوسلوفاكيا وحوالي مئة مدفع متحرك من بلغاريا، الى جانب قدراتها الهائلة في مجال انتاج الاسلحة الكيماوية، ومواصلة برامج تطوير قدراتها النووية التي ما زالت في مراحلها الاولى. وتطرق الى الحديث عن دول عربية اخرى وذكر انها تقتني احدث الاسلحة من طائرات وصواريخ. وفي سياق مقترحاته للرد على برامج التسلح العربية طالب براك بزيادة الموازنة السنوية لوزارة الدفاع الاسرائيلية، لتمكينها من تطبيق برامج التطوير العسكرية الخاصة بها. وكشف ان هيئة الاركان العامة بدأت تطبيق "خطة تقشف" بهدف توفير مئات الملايين لتمويل جزء من موازنة برامج التطوير العسكرية. وتقضي هذه الخطة بتسريح اربعة آلاف جندي وموظف من دوائر الجيش النظامي، والاستغناء عن المهام التي يؤديها عشرات الآلاف من افراد قوات الاحتياط سنوياً، بعد ان تقرر تحويل هذه المهام الى قيادة الجبهة الخلفية التي تقرر تشكيلها في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وبدأت بممارسة نشاطاتها في مطلع كانون الثاني يناير الماضي، فضلاً عن تقليص مصاريف الهاتف والكهرباء والماء، وتحديد النشاطات الثقافية لوحدات الجيش، واغلاق عدد من ممثليات الجيش الاسرائيلي في دول اجنبية، وتحويل ادارة وتمويل محطة "غلي تساهال" موجات جيش الدفاع الاسرائيلي الى جهة خاصة بدل هيئة الاركان العامة. وكان نائب رئيس الاركان الجنرال امنون شاحاك تطرق بتوسع الى "خطة التقشف" التي سيتبعها الجيش الاسرائيلي في العام الجاري، لدى طرحه "برنامج عمل الجيش الاسرائيلي لعام 1992" خلال لقاء عقده مع المراسلين العسكريين للصحف الاسرائيلية. واشتمل هذا البرنامج على ثلاثة بنود رئيسية هي: 1 - اقدام قسم التخطيط في هيئة الاركان العامة على اعداد مخطط لتمكين اسرائيل من مواجهة احتمالات دخول المنطقة مرحلة العصر النووي. ويعتبر شاحاك ان اسرائيل لن تواجه اي تهديدات نووية خلال العام الجاري، ولا على المدى القصير، ولكن لم يعد بوسعها تجاهل هذه التهديدات على المدى البعيد، اذ يتوقع ان تؤدي نهاية الاتحاد السوفياتي الى انتقال العديد من الخبراء النوويين من دول اوروبا الشرقية الى الدول العربية. 2 - جهاز المخابرات العسكرية لا يتوقع اندلاع حرب خلال عام 1992 بين اسرائيل ودولة عربية. 3 - تكريس اهمية خاصة لبرامج التطوير العسكرية الخاصة بالحرب خلال الليل والصواريخ المضادة للصواريخ. وحذر شاحاك من ان عدم تجاوب الحكومة مع المطالب الخاصة بزيادة الموازنة السنوية لوزارة الدفاع، سيؤدي الى الغاء عدد من برامج التطوير العسكرية التي انفق عليها حتى الآن مبالغ ضخمة. اتفاق دفاع اميركي - اسرائيلي؟ ووجه عدد من الخبراء العسكريين الاسرائيليين انتقادات الى "برنامج عمل الجيش الاسرائيلي لعام 1992"، واعتبروه "ناقصاً" نظراً الى انه يطرح حلولاً لجزء فقط من المشاكل التي يواجهها الجيش الاسرائيلي. فقد اشار المعلق الاسرائيلي البارز زئيف شيف في مقال له في صحيفة "هآرتس" الى ان اسرائيل ما زالت تفتقد القدرة على مواجهة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، خصوصاً بعد فشل المحاولة الثالثة التي أجريت على صاروخ "حيتس" السهم المضاد للصواريخ، اذ حاد عن المسار المقرر له. وأكد شيف فقدان اسرائيل القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية ضد اهداف عديدة، وبسرعة هائلة، وطيلة ساعات اليوم، بصورة مماثلة للعمليات العسكرية، وبالذات الغارات الجوية، التي نفذتها قوات الحلفاء ضد العراق في حرب الخليج. وبصورة أخرى فقد الجيش الاسرائيلي القدرة على تطبيق اهم عقيدة يتمسك بها منذ الخمسينات، والمتمثلة بالنظر الى قوات الدول العربية ككتلة واحدة، الامر الذي عبر عنه احد مسؤولي قيادة القطاع المركزي سابقاً جنرال الاحتياط موشي بار - كوخبا خلال محاضرة القاها في جامعة حيفا بقوله: "اننا نملك قوة وامكانيات للرد على دولة عربية واحدة، ولكن هنالك علامات استفهام حول قدرتنا على التصدي لحلف عربي". ويحوز موقف بار - كوخبا على تأييد وزير الطاقة ورئيس الكنيست سابقاً اسحق بيرمان، المنتمي الى كتلة الليكود، الذي يطرح حلاً واحداً فقط لمشكلة اسرائيل الامنية على المدى البعيد، يتمثل بالتوصل الى اتفاق دفاع مشترك مع الولاياتالمتحدة، على غرار اتفاق حلف الاطلسي، ينص على اقامة قواعد عسكرية اميركية في اسرائيل. ويذكر بيرمان في مقالة نشرها في صحيفة "معاريف" انه "من دون هذا الاتفاق لا تستطيع قدرات الجيش الاسرائيلي ولا الاتفاقات السلمية التي قد تتوصل اسرائيل اليها مع الدول العربية، ان تضع حداً للاخطار التي تهددنا. اذ ليس بوسع اسرائيل منافسة برامج التسلح العربية مهما اتخذت من خطط تقشف وطوارئ اقتصادية. اضافة الى انه لم يعد بوسعنا تجاهل حقيقة ازدياد اعداد الاكاديميين والعلماء في الدول العربية". ويقارن بيرمان وضع اسرائيل حالياً مع وضع دول اوروبا الغربية عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، "والتي تمكنت آنذاك من العثور على حل لمشاكلها عبر الاندماج مع الولاياتالمتحدة في اتفاق دفاع مشترك". ويتطرق الى الاتصالات التي اجراها رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق دافيد بن غوريون في بداية الخمسينات مع الولاياتالمتحدة من اجل التوصل الى اتفاق مماثل، وهي اتصالات فشلت نتيجة عدم حماس الادارة الاميركية آنذاك لها. ولكنه يتوقع ان تتجاوب الادارة الاميركية الراهنة مع اية مطالب اسرائيلية في شأن هذا الاتفاق، "نظراً الى لهفتها على تحقيق سلام في المنطقة بأسرع وقت ممكن". وعلى هذا الاساس يطالب بيرمان الحكومة الاسرائيلية بانتهاز فرصة المفاوضات المتعددة الاطراف لممارسة ضغوط على الادارة الاميركية بهدف اقناعها بالتوقيع على اتفاق دفاع مشترك مع اسرائيل. ويوصي الحكومة الاسرائيلية، في المقابل، بالتجاوب مع الشروط التي من المتوقع ان تطرحها واشنطن لقاء موافقتها على هذا الاتفاق، وهي الشروط الخاصة بوقف الاستيطان وانسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة مع اجراء تعديلات معينة على حدود ما قبل حزيران يونيو عام 1967. ويضيف قائلاً: "على رغم حدة هذه الشروط، الا ان التغيرات الهائلة التي طرأت على وضع اسرائيل الاستراتيجي في المنطقة، نتيجة تغير موازين القوى في العالم، يضطرها الى تغيير مواقفها من مصير الاراضي المحتلة، حتى ولو كانت مواقف اساسية ومبدئية". رد سورية ماذا عن ردود الفعل العربية العلنية على الاقتراحات الاميركية؟ الدولة العربية الوحيدة التي اصدرت، حتى الآن، رد فعل علني هي سورية، اذ وجهت، على لسان وزير خارجيتها فاروق الشرع، انتقاداً لهذه الاقتراحات الاميركية ووصفتها بأنها "غير مقبولة". وأوضح الشرع: "ان هذه الاقتراحات مرفوضة لأنها منحازة الى اسرائيل ومعادية للعرب وتتجاهل المخزون النووي الاسرائيلي". وفي اي حال، فان هذه القضية مرشحة للتفاعل في الاسابيع المقبلة خصوصاً مع اقتراب موعد بدء نشاط مجموعة العمل المتعلقة بالحد من انتشار الاسلحة في الشرق الأوسط.