منذ انطلاقه الى الفضاء جرت محاولة انقلاب لاطاحة غورباتشوف ثم تناثرت الجمهوريات السوفياتية. عالم بريطاني: "اذا تدهورت صحة كريكاليف فمن السهل ارسال مركبة فضائية لانقاذه ولكن هل يستطيع الروس فعل ذلك الآن؟". ربما راود رائد الفضاء الروسي سيرجي كريكاليف مرة حلم بأن يصبح بطلاً للاتحاد السوفياتي يمنح على اساسه التكريم مدى الحياة. لكنه اليوم بدلاً من ذلك صار انساناً قلقاً ليس فقط لأنه لا يشعر بالراحة لوجوده على ارتفاع 350 كيلومتراً فوق سطح الارض، بل لأن الدولة التي ارسلته الى الفضاء في السنة الماضية لم تعد موجودة. الخلل الطارئ كانت السفينة ومحطة الفضاء "مير" في الايام الخوالي تضم بين ثناياها 12 رجلاً، تساعدهم صداقتهم الحميمة على تبديد الشعور بالوحدة الذي كان يعتريهم نتيجة البقاء في الفضاء لفترة طويلة. أما الآن فلا يوجد فيها سوى كريكاليف ورائد فضاء آخر يدعى الكسندر فولكوف اللذين عليهما مواجهة الخلل الذي طرأ على المركبة الفضائية التي اخذت تتزايد أماكن التسرب فيها. لذا اختصر الرائدان الوقت الذي يمضياه في البحث العلمي للتركيز على اجراء الاصلاحات اللازمة لابقاء المختبر في حالة جيدة. ومع ذلك وجد كريكاليف وقتاً كافياً ليتأمل في تقلّب الاحوال الذي اصابه محدقاً النظر عبر كوّة السفينة في الفراغ منتظراً ساعة الخلاص. فهوية الحزب الشيوعي التي يحملها اصبحت الآن وثيقة غير قانونية بسبب الاضطراب السياسي في بلده الذي ادّى بدوره الى اعاقة سير برنامج الفضاء المشارك فيه. وكما هو الحال بالنسبة للمشاريع الاخرى في الاتحاد السوفياتي السابق، فلا توجد ببساطة اموال كافية للاستمرار به. وقد يكون كريكاليف محظوظاً لعدم وصول الصحف اليه، فمعرفة حجم الضرر الحقيقي الذي اصاب "مدينة النجوم"، وهي القاعدة الارضية التي تتحكم بسفينته، سيبعث الرعب في نفسه. الأمل الجديد الا أنه من جهة اخرى، وجد ما يبعث الامل فيه. اذ تم اطلاق مركبة التزويد "تقدّم" من قاعدة "بيكونور" محمّلة بما يكفيه من الطعام لاسابيع عديدة اخرى. ومع ذلك فليس هناك ما يبشر بالخير بالنسبة لشخص لم يتنفس هواءً طبيعياً طلقاً لمدة 270 يوماً. ولعل الخبر الوحيد الذي انعشه في السنة الماضية كان عزم بوريس يلتسن، رئيس جمهوريات روسيا الفيديرالية، درس امكانية بيع "مير" لمستثمرين اميركيين، وهذا ما اعطاه الامل بخلاص قريب، بعدما اظهرت حكومة موسكو عدم اهتمام باعادته الى الارض لانهماكها في محاولة ابقاء برنامجها الفضائي على قيد الحياة. اكثر من ذلك، فقد ولّدت لديه اخبار حصول الانقلاب في الاتحاد السوفياتي سابقاً شعوراً بمصير غامض، الامر الذي دفعه الى بعث رسالة مناشدة طالباً اعلامه بهوية الذين يتولون زمام الامور على الارض، وأثر ذلك على رحلته الفضائية التي لا يبدو ان لها نهاية. استطاع كريكاليف من خلال دورانه حول الارض 16 مرة في اليوم، الحصول على بعض المعلومات عن بلده السريع التغير. فعرف بعودة غورباتشوف والقبض على المتآمرين عليه وتفكك الحزب الشيوعي، وأخيراً وربما الأكثر اثارة للقلق تناثر الاتحاد السوفياتي الى أشلاء. أسئلة بلا أجوبة قد يكون كريكاليف معذوراً في التساؤل: هل سيكون هناك قطع غيار كافية لارسال سفينة "تقدّم" اخرى، ام ان البرنامج سينهار بمجمله بانغماس الجمهوريات السوفياتية السابقة في نزاعات اهلية؟ عزاؤه الوحيد هو انه ليس بمقدوره عمل شيء في هذا المجال. احدى المشاكل التي يواجهها كريكاليف، الذي طار الى سفينة "مير" برفقة رائدة الفضاء البريطانية هيلين شارمن في ايار مايو الماضي، هي قضاؤه خمسة اشهر اضافية في المدار بخلاف ما كان التخطيط الاساسي. وهو ليس وافداً جديداً على الرحلات الفضائية. اذ انه امضى سابقاً ثمانية اشهر خلال مهمة في "مير" العام 1989. ويتخوف بعض العلماء من ان تصيبه وعكة صحية حالياً. اذ ان الخطط الجديدة لانقاذه تحيط بها المشاكل. واذا عاد الى الارض، فان شريكه الكسندر فولكوف سيبقى وحيداً في الفضاء ليتولى شؤون السفينة المتداعية. وسيكون ضرورياً عند ذلك ارسال مركبة مكلفة لوضع روّاد فضاء جدد في السفينة - المحطة. يقول اوليغ غليبوف، وهو كاتب روسي متخصص في الشؤون العلمية: "ان الروس لا يريدون ترك "مير" بلا روّاد كما فعلوا في الماضي لاعتقادهم ان ذلك سيكون الآن "خطراً". ويضيف: "انهم قلقون لأن المختبر الفضائي في السفينة - المحطة "مير" قديم جداً وتحدث فيه اعطاب باستمرار. وهذان الرائدان يقومان باعمال تصليح باستمرار. اذ انهما الآن يتصرفان كرجلي صيانة". تأجيل رحلة جديدة وبسبب المشاكل التي تحيط بتشغيل "مير"، من المتوقع الغاء رحلة المانية الى المحطة الفضائية في آذار مارس وهو موعد عودة كريكاليف الى الارض. وسيتسبب هذا في خسارة اموال ضرورية للمشروع الفضائي الذي يكلف مليون جنيه استرليني في اليوم. وكانت "مير" اطلقت الى الفضاء في شباط فبراير 1986 وسط اجواء تفاؤل عارمة. وساد اعتقاد بأنها ستسهل تحقيق تقدم في المجالات الكيماوية والبيولوجية من خلال التجارب التي يتم اجراؤها في ظروف ينعدم فيها الوزن. فعدا عن تمكين مشاهدي التلفزيون الياباني من مشاهدة ضفادع الاشجار تسبح في "قمرة" السفينة محاولة عبثاً تحريك ارجلها واثبات ان صيصان طائر السلوى التي تفقّس في الفضاء غير قادرة على التكيف في اجواء انعدام الوزن وتموت بعد فترة قصيرة، فقد تم احراز القليل من التقدم العلمي حسب قول المعلقين البريطانيين. يقول البروفسور هاينز وولف، المدير العلمي لهيئة انكليزية - سوفياتية مشتركة ارسلت شارمان الى "مير" مما جعلها اول بريطانية تغزو الفضاء، "ان السفينة المحطة هي الآن بالغة القدم ويجب ان تكون قد استبدلت. وكان يتم بناء سفينة بديلة لها غير ان العمل فيها أوقف". كان على كريكاليف ان يعود الى الارض في تشرين الاول اكتوبر من السنة الماضية، لكنه بقي للاستفادة من مهاراته الهندسية. حيث تم الغاء رحلة لاحضار مهندس بديل لتخفيض المصاريف. ولا يملك الآن غير ان ينتظر وصول مركبة ذُكر له انها في طريقها اليه منشغلاً بتأمل القارات المارّة تحت سفينته. منزل فضائي هيأت "مير" مستوى حياة جديداً لروادها بتوفير حجرة نوم خاصة لكل رائد وتسهيلات لمشاهدة افلام الفيديو وسماع الموسيقى وكراسي وحجرة صغيرة للألعاب الرياضية و"دوش". اما غرفة الجلوس الرئيسية فتشبه احدى مقصورات قطار الانفاق. الميزة الكبرى التي يتمتع بها الروّاد هي اتصال تلفزيوني مع موسكو يتم اجراؤه كل نهاية اسبوع يستطيع من خلاله الرائد التحدث الى عائلته. ويوجد في السفينة الفضائية طاولة رئيسية لها اقسام قابلة للطي لحفظ السكاكين. وتملأ الحيطان الخزانات والادراج. اضافة الى درّاجة هوائية وجهاز لتوسيع الصدر، وهما يشكلان الدعامة الاساسية لنظام التمرينات الرياضية، الذي قد يستمر لمدة اربع ساعات في اليوم، وذلك للتغلب على آثار الضعف التي يسببها انعدام الوزن. الطعام متنوع لكنه شديد الرطوبة. اما "الكورنفليكس" فيتطاير في كل النواحي والأرجاء. وتشرب السوائل من علب مغلقة. وينام الروّاد في حقائب ملصقة على جدار السفينة حتى لا يفقدوا توازنهم اثناء النوم. ويقول البروفسور وولف "اذا تدهورت صحة كريكاليف فيمكن ارسال مركبة الى المحطة الفضائية لانقاذه خلال فترة لا تتجاوز يوماً او يومين، اذ يستطيع رائد فضاء آخر اعادته. ومن ناحية فنية يستطيع الروس عمل ذلك. لكن لا اعرف اذا أثرت الاضطرابات الاخيرة في قدرتهم على اطلاق مركبة فضائية على وجه السرعة".