تسعى اسرائيل الى تحقيق المزيد من الانفتاح الاقتصادي أملا في اجتذاب استثمارات جديدة لاستيعاب ملايين المهاجرين اليهود، من اوروبا الشرقية واسرة الدول المستقلة، وتوفير فرص العمل الكافية لهم بعدما أظهرت الدراسات التي اعدتها الدولة اليهودية ان ابرز الاسباب لپ"هجرة" اليهود الجدد من اسرائيل هي المعدلات المرتفعة للبطالة، واستمرار ضغط الاعباء الاجتماعية قياساً على تدني الرواتب والاجور التي يحصلون عليها. وتهدف الاجراءات التي صنفتها السلطات الاسرائيلية في اطار الانفتاح الاقتصادي الى تحقيق عملية تحرير، ولو بطيئة، للقيود المفروضة على حركة العملة. اذ هي شملت تخفيف القيود المفروضة على غير المقيمين لتحويل العملة الوطنية "الشاكل" والارباح الناتجة عن اصدارات السندات الحكومية الى الخارج. كذلك، شملت الاجراءات الجديدة السماح للافراد بالاحتفاظ بودائع غير محدودة بالعملات الاجنبية لاستعمالها في الخارج. الامر الذي من شأنه ان يفتح الباب امام الشركات والافراد الاسرائيليين للتعامل مع شركات واسواق مالية عالمية بيعاً او شراء اضافة الى حق شراء اسهم الشركات الاسرائيلية خارج اسرائيل. وشملت الاجراءات الجديدة، خفض نسبة السيولة بالعملات الاجنبية الى ما دون نسبة 90 في المئة التي كانت مفروضة سابقاً، وتخفيض معدلات الاستثمار والاكتتاب في سندات الخزينة الحكومية من 50 الى 30 في المئة والغاءها كليا في نهاية العام 1992. وكانت الحكومة الاسرائيلية لجأت الى هذا التدبير لتوفير التمويل الكافي للنفقات العامة في ظل مواجهة العجز الحكومي عن تأمينها. وتصف الاوساط الاقتصادية الاسرائيلية التدابير الجديدة التي اعلن عنها بنك اسرائيل المركزي اخيرا بأنها الأكثر جرأة حتى الآن في اطار السعي لتحقيق الانفتاح الاقتصادي وتحرير السوق المالية واجتذاب الاستثمارات الخارجية، اضافة الى تشجيع الرساميل اليهودية على العودة الى اسرائيل. الا ان هذه الاوساط نفسها ترى ان ما اقدم عليه بنك اسرائيل المركزي هو الخيار الوحيد المتبقي لانقاذ ما يمكن انقاذه، وتوفير الدماء الجديدة للدورة الاقتصادية التي عليها ان تستوعب ما يزيد على 3 ملايين يهودي ينتظر مجيئهم الى اسرائيل في السنوات القليلة المقبلة. وفي اعتقاد هذه الاوساط ان الحكومة الاسرائيلية تحاول الاستجابة لطلب اميركي قديم يدعو الى تحرير السوق وفقا لقواعد العرض والطلب وتحقيق مزيد من الانفتاح الاقتصادي الجذري، وذلك كشرط اساسي للحصول على ائتمانات اميركية، لم تنفك اسرائيل يوماً عن طلبها من الولاياتالمتحدة. وتسعى تل ابيب التي عملت على عزل اقتصادها عن الدورة الاقتصادية العالمية، وارهقته بالموازنات العسكرية الضخمة وبرامج التقشف، الى اقتراض 4 مليارات دولار سنويا، وعلى مدى 5 سنوات لتمويل عمليات "توطين" المهاجرين الجدد، بدءاً من بناء المساكن لهم، وصولا الى اعداد برامج الاندماج الاجتماعي وتوفير فرص العمل، وهو الامر الذي تعجز عنه الامكانات الاسرائيلية في الوقت الحاضر، خصوصاً في ظل الكساد الحالي وحاجة الحكومة الى فرض المزيد من الضرائب لتغذية موازنتها العامة، وتقليص العجز المتواصل. الا ان الاوساط نفسها تشكك في نجاح البرامج لاسباب مختلفة ابرزها الفترة التي يستغرقها تنفيذ التدابير الجديدة في استعادة ثقة مفقودة، محلياً ودولياً، بامكانات الاقتصاد الاسرائيلي من جهة، والاستعجال الذي تواجهه الدولة لتلبية الحاجات التي لا بد من توفيرها بالسرعة القصوى نظرا لاهميتها على المستوىين السياسي والاجتماعي. كذلك، فان الاوساط الاسرائيلية نفسها تشكك في مدى نجاح التدابير الجديدة في اجتذاب ما يزيد على مليار دولار أودعها اصحابها الاسرائيليون في حسابات سرية خاصة في الخارج هرباً من القيود الداخلية، وكانت عمليات تهريب العملة الى الخارج، احدى ابرز العمليات التي حاولت اسرائيل مكافحتها في السنوات العشر الماضية. وعلى العكس من ذلك تماما، فان الاجراءات التي اقرها بنك اسرائيل المركزي اخيرا، قد تنقلب ضد الاقتصاد الاسرائيلي نفسه، اذا لم تستطع تل ابيب احداث تغيير اساسي وجذري في بنية الاقتصاد، وتقليص نسبة العجز، وتخفيف معدلات الانفاق العسكري الذي يكاد يبتلع معظم ارقام الموازنة العامة للدولة، ذلك ان اصحاب الحسابات في الخارج لن يعيدوا ارصدتهم الى اسرائيل، ما لم تتكون الثقة الكافية باستقرار الوضع النقدي والمصرفي والقوانين التي تحكم عمليات التحويل.