عندما تتحدث أجهزة الإعلام عن الصراعات في الشرق الأوسط فإن أول ما يتبادر إلى الذهن قضية الصراع الفلسطيني/العربي الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، ومؤخرا تطورات الربيع العربي وتبعاته في كل دولة. لكن لكل دولة من دول الشرق الأوسط خصوصيتها بالتأكيد، وبعضها يعاني من صراعات ومشاكل داخلية لا تقل أهمية عن قضايا الصراعات الإقليمية الأخرى رغم طابعها المحلي. وعندما يكون للمشكلة الداخلية أبعاد إقليمية ودولية، فلا بد أن تكون أبعادها أخطر وأكثر أهمية من الصراعات الداخلية الصرفة. ولعل من أهم المشاكل الداخلية ذات البعد الإقليمي قضية العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل ويحملون الجنسية الإسرائيلية، وهم من يطلق عليهم أحيانا "عرب الداخل" أو "عرب 48" أو "العرب الإسرائيليون". وقد نشرت منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" في شهر مارس الحالي دراسة عن طبيعة المشكلة التي يعاني منها عرب الداخل وقدمت مجموعة من التوصيات إلى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين لتسوية هذه الأزمة والحيلولة إلى تطورها إلى صراع أكثر خطورة. يقول تقرير مجموعة الأزمات الدولية إنه خلال عقد من الزمن، تدهورت العلاقات اليهودية – العربية داخل إسرائيل على نحو مستمر. فالأغلبية اليهودية تنظر إلى الأقلية الفلسطينية على أنها غير موالية، ومخربة؛ وبالنظر إلى ارتفاع معدلات الولادة في أوساطها، فإنها ترى فيها تهديدا ديموغرافيا. وأصبح الفلسطينيون مهمشين سياسيا ومحرومين اقتصاديا، وباتوا أقل قبولا لانعدام المساواة المنهجية وأكثر استعدادا لمواجهة الوضع الراهن. كما يُعقِّد التفاعل مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المسائل عندما تتعثر المفاوضات بقضية جوهرية - وهي ما إذا كان الفلسطينيون سيعترفون بالهوية اليهودية لإسرائيل - ويلهب العلاقات بين المجموعتين. ليس هناك حل سهل أو سريع. فعلى المدى القريب، ينبغي أن تتخذ إسرائيل خطوات عملية لنزع فتيل التوترات مع أقليتها العربية ودمج أفرادها في النظام المدني في إسرائيل. وعلى المدى الأبعد، فإن التحدي الذي سيواجه اليهود الإسرائيليين والحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها يتمثل في التعامل مع أكثر الأسئلة جوهرية وهي: ما هي طبيعة دولة إسرائيل، وما هي الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها مواطنوها العرب. نتيجة لهذا التدهور في العلاقات وغياب أفق الحلول الداخلية، خاصة مع إصرار الحكومة الإسرائيلية على السعي للحصول على اعتراف المجتمع الدولي ب"يهودية إسرائيل"، بدأ الفلسطينيون ينظرون إلى الخارج – إلى الدول العربية المحيطة والمجتمع الدولي بشكل عام – للحصول على الدعم المعنوي والنفوذ السياسي. لقد باتوا يؤكدون على هويتهم الفلسطينية وينأون بأنفسهم على نحو متزايد عن السياسات الرسمية الإسرائيلية. وقد كانت النتيجة تراجع أعداد العرب الذين يشاركون في الانتخابات العامة، وبين أولئك الذين يكترثون للتصويت، تحولا من الأحزاب اليهودية الصهيونية إلى الأحزاب العربية. إلا أن التجارب المتناقضة للمواطنين الفلسطينيين كانت تعني أن مثل هذه التفاعلات تتوازى مع تفاعلات أخرى مثل الاستمرار بالمطالبة بحقوقهم داخل إسرائيل؛ والاستمرار في توجيه النقد لمثالب الديموقراطية الإسرائيلية؛ وغياب أي اهتمام ظاهر أو استعداد للانتقال إلى دولة فلسطينية يتم تأسيسها في المستقبل. ما من شك في أنهم يشعرون بعمق بهويتهم الفلسطينية؛ إلا أنهم يأخذون مواطنتهم في إسرائيل على محمل الجد أيضا. وقد تجلى تهميش العرب وانبعاث النشاط بينهم في جهود أولية من قبل قادتهم لتعريف التطلعات السياسية لهذه المجموعة. تدعو مجموعة اسمها "وثائق الرؤية" إلى المساواة الكاملة بين العرب واليهود، وترفض رفضا قاطعا فكرة الدولة اليهودية وتدعو بدلا من ذلك إلى "دولة لشعبين". بات يهود إسرائيل من جهتهم أكثر تشككا بهذه المجموعة التي تعتبرها بمثابة طابور خامس قيد التشكل. اليوم، ما يُعتبر بالنسبة لمعظم المواطنين الفلسطينيين صراعا مبدئيا من أجل المساواة في الحقوق يُنظر إليه من قِبل اليهود الإسرائيليين على أنه إنكار خطير للأمة اليهودية. ويُعتبر بالنسبة لمعظم اليهود تواطؤا مع أعدائهم يعتبره المواطنون الفلسطينيون تعبيرا عن علاقات مع إخوة لهم. وتضيف دراسة مجموعة الأزمات الدولية أن كل ذلك يحدث على خلفية عملية السلام التي لا يحدث فيها الكثير وما يحدث يجعل الأمور أسوأ. يصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أن تقبل منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية في سياق اتفاقٍ نهائي على وضعها. ويلقى هذا الطلب أصداء واسعة لدى يهود إسرائيل، إلا أنه يشكل نذيرا خطيرا لمواطنيها من الفلسطينيين، الذين ضغطوا بشدة على منظمة التحرير الفلسطينية كي ترفضه. أضف إلى هذا الفكرة التي طرحها حزب وزير الخارجية افيجدور ليبرمان والمتمثلة في "تبادل الأراضي المأهولة" والتي يتم بموجبها تبادل بعض الأراضي ذات الأغلبية العربية ببعض ما يُسمى الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية. وشعورا من الأقلية الفلسطينية بالفكرة المرعبة ومفادها أنهم يمكن أن يدفعوا مرتين ثمن التسوية التي تقضي بقيام دولتين من خلال قبولهم ب"يهودية" دولتهم ومن خلال خسارتهم القسرية لمواطنيهم فإنهم يؤكدون بوضوح أكبر من أي وقت مضى على أنه سواء تم التوصل إلى اتفاق سلام أو لم يتم التوصل إليه، فإن المطالب الفلسطينية لن تتوقف ما لم تتم الاستجابة لهذه المطالب. أما الرد الإسرائيلي على ذلك فهو: لماذا ندفع ثمنا باهظا لاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، إذا كان هذا الاتفاق سيترك جرحا مفتوحا في قلبنا؟ في الوقت الراهن، لم يُفض هذا التدهور إلا إلى عدد محدود من المواجهات العنيفة، على وجه الإجمال، لكن فلسطينيي إسرائيل يخشون من أن التصعيد يُمكن أن يؤدي إلى تآكل حقوقهم المدنية ويعرِّض مكانتهم في الدولة للخطر. غير أن تواتر الصدامات في ارتفاع مستمر إذا استمرت الاتجاهات الحالية دون رادع، فإن تصاعد العنف بين المجموعتين لن يكون مفاجئا. لن يكون من السهل إيجاد حل لذلك، مع جمود عملية السلام، ومع تعمق العداء بين اليهود والعرب ومع وجود المخاوف المتبادلة. إلا أن ثمة بعض الأمور الواضحة: أولا، هناك إجراءات كان يفترض أن تتخذها إسرائيل منذ وقت طويل، وينبغي أن تتخذها الآن بالشروع بمعالجة مطالب الأقلية العربية فيها بالمساواة في الحقوق، بصرف النظر عن صراع الدولة مع جيرانها. ثانيا، ورغم أن هناك عقبات جمة في طريق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، فإن إحدى العقبات الكبيرة تتعلق بالنزاعات حول هوية إسرائيل. ثالثا، لا يمكن تخطي هذه العقبة بشكل يرضي أيا من الطرفين لا يمكن أن ترضي منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تستطيع أن تتجاهل جزءا هاما من الشعب الفلسطيني؛ ولا يمكن أن تكون مُرضية لإسرائيل، التي تصر على إنهاء جميع المطالب الفلسطينية ودون مشاركة مواطني إسرائيل من العرب. التوصيات إلى الحكومة الإسرائيلية: 1 بانتظار تبلور حل الدولتين، اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدماج الأقلية العربية، ومعالجة عدم المساواة وتقليص احتمالات الصراعات الداخلي، وذلك من خلال ما يلي: أ تنفيذ خطة الحكومة لعام 2010 بإزالة أي تمييز في توزيع موارد الدولة على عرب إسرائيل خصوصا فيما يتعلق بالتعليم من خلال الوسائل التشريعية وتوزيع المخصصات في الميزانية. ب. وضع ضوابط عادلة في توزيع الأراضي والتخطيط وتحديد المناطق. ج. تقليص القيود المفروضة حاليا والتي تمنع وصول الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين إلى بعض المناطق المقدسة في إسرائيل؛ د تخفيف القيود الأمنية التي تحد من توظيف العرب في قطاع التقنية المتقدمة. ه إدانة التحريض ضد الأقلية العربية، خصوصا بين القادة اليهود بما في ذلك السياسيون والحاخامات وتكثيف الجهود للتعرف على المسؤولين عن أعمال العنف ضد التجمعات العربية والنشطاء العرب واليهود. و إلغاء قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (الأمر الموقت) الصادر في 31 يوليو 2003، الذي يحظر على الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة والمتزوجين من مواطنين إسرائيليين الحصول على أذونات الإقامة في إسرائيل أو الجنسية الإسرائيلية، وبدلا من ذلك معالجة المخاطر الأمنية على أساس كل حالة على حده. 2 رعاية حوار يهودي داخلي حول مصالحة تاريخية مع الفلسطينيين فيما يتعلق بطبيعة الدولة وحقوق أقليتها العربية، في سياق حل الدولتين، حيث يعترف الفلسطينيون باليهود كأغلبية قومية في إسرائيل وحقهم في تقرير المصير، في حين تعترف الدولة رسميا بالمواطنين الفلسطينيين كأقلية قومية تتمتع بحقوق شخصية وجماعية محددة. إلى قيادة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل: 3 إلى أن يتم التوصل إلى حل دولتين، اتخاذ الإجراءات للحد من الصراع الداخلي وتهدئة المخاوف اليهودية باستعمال الوسائل السلمية حصرا لتحقيق الأهداف السياسية، وتجنب التحريض واللغة الاستفزازية. 4 الانخراط في حوار مع القيادة الوطنية للفلسطينيين حول بنود مصالحة تاريخية مع دولة إسرائيل فيما يتعلق بطبيعة الدولة وحقوق سكانها من العرب واليهود، من خلال حصيلة واحدة ممكنة بحيث يعترف الفلسطينيون بأن اليهود هم الأغلبية القومية في إسرائيل وبحقهم بتقرير المصير، في حين أن الدولة تعترف رسميا بالمواطنين الفلسطينيين كأقلية قومية يتمتعون بحقوق فردية وجماعية محددة متساوية. يمكن لممثلي المواطنين الفلسطينيين أن يكونوا من أعضاء الكنيست، وكذلك من أعضاء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. إلى حكومة إسرائيل وقيادة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل: 5 التفاوض، في سياق حل الدولتين، على منح الحقوق بشكل دقيق حول المسائل التالية، بين أشياء أخرى: أ درجة كبيرة من الاستقلالية للفلسطينيين في الميادين الثقافية، والتعليمية، واللغوية والدينية. ب اعتراف الدولة وحمايتها ودعمها للهوية الوطنية الفلسطينية وتراثها، بطريقة تتوافق مع حماية ودعم الهوية الوطنية اليهودية وتراثها، بما في ذلك الاحتفال بأحداث رئيسية، مثل النكبة، وإدماج الرموز الفلسطينية بين رموز الدولة (على أوراق العملة على سبيل المثال). ج إتاحة الخيار، في كل التعاملات مع الدولة، لاستعمال اللغة العربية التي ينبغي أن تبقى اللغة الرسمية الثانية في إسرائيل. د مشاركة اليهود والعرب في جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش، على أساس التساوي في الحقوق والواجبات. 6 النظر في تأسيس هيئة منتخبة، كوسيلة لتيسير المفاوضات، ولتمثيل المواطنين الفلسطينيين، تحظى باعتراف وتمويل الدولة.