"هل تدخل قيادة اليمن عام 1993 بروح التشتت والانقسام… وهل تضحي بمستقبل اليمن الذي رسمته في 22 ايار مايو 1990 يوم اعلان الوحدة اليمنية؟". هذا السؤال الكبير لم يطرحه صحافي او محلل سياسي، بل طرحته الحكومة اليمنية نفسها التي يرئسها المهندس حيدر ابو بكر العطاس. وهذا السؤال ورد في رسالة وجهتها الحكومة الى مجلس الرئاسة وتضمنت كشفاً لاسباب المشكلة التي تعاني منها البلاد. وقد نوقشت هذه الرسالة التي تشكل نوعاً من الصرخة او الانذار، خلال الاجتماعات المشتركة لمجلس الرئاسة والوزراء التي عقدت يومي 14 و15 كانون الاول ديسمبر الجاري برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح. وتميزت لهجة الرسالة بصراحة ووضوح لا مثيل لهما منذ قيام الوحدة بين شطري اليمن. عرضت الحكومة، في رسالتها هذه، الجهود التي بذلتها خلال الفترة الماضية في سبيل توحيد اجهزة الدولة وبناء الاقتصاد وما واجهته من صعوبات وما قدمته من اقتراحات للاصلاح لم يكتب لها النجاح بسبب الخلاف بين الحزبين الحاكمين، المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي، ثم اكدت: "لقد شهد عام 1992، اختلالات امنية وسياسية خطيرة، وممارسات بعيدة كل البعد عن الديموقراطية… وفي الوقت نفسه افضى ضعف وحدة الدولة ممثلة بالحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام، الى ضعف قدرة الحكومة على تنفيذ قانون الاحزاب وقانون الصحافة وبلغ سوء الاوضاع السياسية الذروة، حين ساهمت الخلافات بين المؤتمر والحزب في انقسام الاحزاب الى مجموعتين، عقدت كل منهما مؤتمرها الخاص بها كانعكاس مباشر لخلافات كل من المؤتمر والحزب، وليس لتعبير حقيقي عن حق التعدد والتنوع". وعن العلاقات بين الحزبين، جاء في هذه الرسالة: "وقد افرزت العلاقة غير المستقرة والمتوترة بين الحزبين، انعكاسات سلبية على مناخات الوضع السياسي، افضت بدورها الى تشرذم وتشتت مواقف الاحزاب والتنظيمات السياسية والنقابية والمهنية ووفرت هذه الاوضاع انسب المناخات المساعدة للاعمال والتصرفات الخاطئة، وما تجره من اوضاع فادحة على جبهة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. والسؤال الكبير الذي تطرحه اليمن اليوم، بشيوخها وشبابها واطفالها من الرجال والنساء، هو: هل تدخل قيادة اليمن التاريخية التي صنعت بارادتها يوم اليمن الجديد، في 22 ايار مايو 1990… عام 1993 بروح التشتت والانقسام التي تشكلت في ظل افتقاد الثقة وتراجع وحدة الارادة؟ وهل تضحي بمستقبل اليمن الذي رسمته في 22 ايار مايو 1990؟". واضافت الرسالة: "ان الاحداث المؤسفة التي شهدتها بعض المدن اليمنية خلال الايام الماضية، انما تؤكد صحة ما اشرنا اليه، وهي جرس الانذار للجميع. وفي ما يخص الارتفاع في الاسعار وانخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية، فقد استخلص مجلس الوزراء ان المعالجات تكمن في اقرار ما احجمنا عن اقراره في الاجتماع المشترك في نهاية عام 1991. وتأسيساً على ذلك، فقد اتخذ مجلس الوزراء، عدداً من القرارات على مستوى المستجدات التي فرضتها الاوضاع السابقة الذكر، تجدونها مرفقة برسالتنا هذه". قرارات لمعالجة المشكلة واقر الاجتماع المشترك لمجلسي الرئاسة والوزراء نص هذه الرسالة، كما اقر عدداً من القرارات الخاصة بمعالجة الاوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية التي كانت الدافع للاضطرابات واعمال الشغب في البلاد وابرز هذه القرارات: تصفية الخلافات بين الحزبين الحاكمين عن طريق تعزيز الحوار ووقف "المهاترات" والحملات في الصحف ودعوة الاحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية الى اجتماع مشترك لمناقشة طبيعة العمل السياسي والتفاهم على ميثاق شرف يحدد الاهداف الوطنية والاسس واساليب العمل المؤدية اليها. ترشيد الانفاق بالضغط على المصروفات العامة. ومن ضمن اجراءات خفض الانفاق، اغلاق 14 سفارة اضافة الى عدد من الملحقيات العسكرية والثقافية والاعلامية والتجارية وخفض عدد افراد البعثات الديبلوماسية اليمنية في الخارج. توفير السلع الغذائية وتحديد اسعارها. تحسين اوضاع الموظفين والعاملين في الاجهزة الحكومية عن طريق اضافة نسبة 40 في المئة بدل غلاء المعيشة لذوي الدرجات الوظيفية الدنيا واضافة 30 في المئة بدل انتقال لجميع موظفي الحكومة ومنح المتقاعدين 1200 ريال علاوة على مرتبات التقاعد لمن تقل درجاتهم عن درجة مدير عام. اصدار القوانين واللوائح الخاصة بتنظيم اعمال الصرافة ومكافحة التهريب، وانشاء عدد من الشركات المساهمة لاستقطاب رأس المال الوطني وتشجيعه في مجال الاستثمار. دور القبائل ووسط هذا الوضع العام المتأزم علا صوت الشريحة القبلية في اليمن. فكلف تجمع القبائل اليمنية، اثر اجتماع موسع عقده مشايخ واعيان القبائل اليمنية في 10 كانون الاول ديسمبر الحالي، الشيخين عبدالله بن حسين الاحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد وزعيم حزب الاصلاح اليمني، والشيخ محمد بن ناجي الشايف، نقل وجهة نظر تجمع القبائل اليمنية ومطالبها الى الرئيس علي عبدالله صالح. وقال الشيخ عبدالله الاحمر، في اتصال هاتفي مع "الوسط" "ان الحزبين الحاكمين فشلا في مهمتهما والشريحة القبلية مدعوة الى ممارسة دورها التاريخي لانقاذ البلاد". واضاف نحن لا نناصب الحزبين الحاكمين العداء، فهم ابناؤنا. والاعتراف بالفشل فضيلة ودورنا ينحصر في اسداء النصح والارشاد. الاختناقات الاقتصادية علاجها يتم بالانفتاح على دول الدائرة الاقليمية وتطبيع العلاقات معها". وفي هذا السياق علمت "الوسط" ان الرسالة التي كلف الشيخان، عبدالله بن حسين الاحمر ومحمد بن ناجي الشايف، بتسليمها الى مجلس الرئاسة تتضمن النقاط الآتية: ضرورة حمل اللجنة العليا للانتخابات على تأكيد اجراء الانتخابات في موعدها المحدد يوم 27 نيسان ابريل المقبل كمخرج للازمة الحالية. حض الحكومة على اعادة النظر في سياسة اليمن الخارجية والسعي المتزن الى تحسين العلاقات مع الدول الشقيقة. ادانة كل الدعوات والتحركات المشبوهة التي تستهدف تمزيق الوحدة الوطنية وتعميق الانفصالية والطائفية. وعلمت "الوسط" ان لجنة وطنية برئاسة الشيخ سنان ابو كوم، شيخ مشايخ قبائل بكيل ورئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب اليمني، تشكلت في صنعاء في 12 الشهر الحالي ومهمتها تنسيق المصالحة بين الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض. وقد لفت النظر في الازمة الاخيرة ان الشريحة القبلية بصورتها التقليدية برزت بصورة مسيسة نجحت في استقطاب عدد من المثقفين اليمنيين وكبار السياسيين. لا سيما خلال اخر اجتماع عقده مشايخ وعقلاء اليمن في صنعاء في 10 الشهر الحالي. في الوقت نفسه لوحظ ان احزاباً يمنية معارضة، كالاصلاح والحق، اختارت لنفسها خندق الشريحة القبلية في صورتها المسيسة الجديدة، من خلال المهمة الوطنية التي انتدبت نفسها لها. ورافق عملية الاصطفاف الجديدة لاحزاب اليمن التقليدية بروز مفردات قديمة غيبتها ثورتا سبتمبر ونوفمبر في جنوب الوطن اليمني وشماله، الى جانب لهجة الوصاية الابوية المعروفة لدى عقلاء القبائل في خطابهم الاجتماعي. حيث امتلأت رسالة عقلاء قبائل اليمن الموجهة الى مجلس الرئاسة بالحديث عن "القبائل اليمنية ذات الادوار التاريخية المشهورة في حماية العقيدة وصيانة الفضيلة وحماية مكتسبات الوطن". حوارات مع مسؤولين يمنيين وفي هذا السياق يعتقد جارالله عمر سكرتير اللجنة المركزية في الاشتراكي "ان القبائل اليمنية افسدها السياسيون. والقبائل بريئة من لعبة التهافت على السلطة" كما قال ل "الوسط" خلال اتصال هاتفي. في حين يرى سالم صالح، عضو مجلس الرئاسة اليمني "ان اليمن كله، احزاباً وقبائل يعيش حالة تململ تعبر عن نفسها في اشكال مختلفة: تظاهرات شعبية، لقاءات قبلية. الوحدة والديموقراطية جديدان انتجا مخاضات قوية داخل الاحزاب والشريحة القبلية. ولا استغرب انبعاث مفاهيم قديمة ذات علاقة. بالوضعية القبلية في مناطق نائية ومعزولة. وهذه المخاضات لا بد منها. اما الاتهامات بين شريكي السلطة فهي اسلحة تكتيكية مؤقتة. وقذف الآخرين بالتهم في هذا الحزب او ذاك الغرض منها تحقيق مكاسب انتخابية". واكد سالم صالح، وهو ايضاً الامين العام المساعد في الحزب الاشتراكي، لپ"الوسط" ان المكتب السياسي للحزب الاشتراكي طلب من العطاس سحب استقالته وقال: "رئيس الحكومة من القيادات الوطنية المقبولة في اليمن لدى كل الاوساط، ويتمتع بعلاقات عربية ممتازة واستقالة رئيس الحكومة كانت ستزيد الازمة، السياسية والاقتصادية، صعوبة. ونحن لا نساند ونؤيد حيدر ابو بكر العطاس لاعتبارات حزبية ضيقة انما لان مصلحة الجمهورية اليمنية تقتضي ذلك". واكد سالم صالح "ان نائب رئيس الجمهورية علي سالم البيض ليس معتكفاً"، كما يتردد، في منزله بل انه يمارس مهامه ومسؤولياته في الدولة وعلى هذا الاساس شارك في الاجتماع. واضاف سالم صالح: "تباين وجهات النظر بين الفريق علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض اسبابه غير ذاتية وغير شخصية انما يتمحور الخلاف حول تمايز نظرتهما الى قضايا سياسية واقتصادية. واللجنة الوطنية برئاسة الشيخ ابو كوم مهمتها تصفية تباين وجهات النظر لان العلاقة المتوترة بين قطبي السلطة الاشتراكي والمؤتمر انعكست سلباً على الحياة السياسية في اليمن. وعلى صعيد المساعي الجادة لتأسيس اجتماع وطني علمت "الوسط" ان ثمة بدائل عدة تتدارسها القيادة اليمنية ابرزها: توسيع دائرة المشاركة في السلطة. وتشكيل حكومة ائتلافية من مختلف الاحزاب السياسية لتسيير امور البلاد. "الوسط" ناقشت هذين البديلين مع نائب رئيس الجمهورية اليمنية علي سالم البيض، خلال اتصال هاتفي، فأكد لنا "انه يؤيد اجراء الانتخابات النيابية في 27 نيسان ابريل المقبل ليعرف كل حزب حجمه الحقيقي في الشارع الشعبي ومن بعدها يتم تحديد العلاقة بين الاحزاب السياسية، الحاكمة والمعارضة، على السواء". اما سالم صالح فيتناول الخيارين بشيء من التفصيل ويقول: "ان الفترة التي تفصلنا عن الموعد المقرر لاجراء الانتخابات النيابية، في 27 نيسان ابريل المقبل، قصيرة نسبياً ولا يكفي هذا الوقت لخوض تجربة توسيع تركيبة الحكومة او مجلس الرئاسة. اية حكومة جديدة لا تستطيع تحقيق انجازات مهمة ما لم يتم التفاهم بين شريكي السلطة على اسس معالجة الازمة الاقتصادية". في هذا السياق كشف الدكتور محمد سعيد العطار، نائب رئيس الوزراء رئيس الهيئة العامة للاستثمار ووزير التنمية اليمني، لپ"الوسط" خلال اتصال هاتفي معه ان اللقاء القيادي الموسع بين مجلس الرئاسة والوزراء "تدارس سبل معالجة الازمة الاقتصادية واستمع، الى كل وجهات النظر، واتخذ سلسلة اجراءات، من بينها تبني برنامج غير بعيد عن برنامج الحكومة وانا اعتقد ان الفترة القصيرة التي تلت احداث الشغب نجحت الحكومة خلالها في خفض سعر الدولار من 56 ريالاً يمنياً للدولار، خلال الازمة، الى 35 ريالاً. ويشعر العطار "ان مبالغات كثيرة صورت احداث الشغب في اليمن بصورة مضخمة كما ان العلاقة بين الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض ليست بهذه الدرجة من السوء. اما الحكومة الحالية فيتوفر لها الحد المعقول من الاجماع اذ يشارك فيها عدد من احزاب المعارضة كالبعثيين والاصلاح والناصريين. وتتمثل القبائل في هذه الحكومة فالمجتمع اليمني قبلي بالضرورة. ولا اعرف دواعي الحديث عن تقاعس الحكومة اليمنية، او ضرورات توسيع اطارها".