سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
8 شخصيات فرنسية بارزة تتحدث الى "الوسط" . الشرق الاوسط عام 1993 : مصير الحركات الاصولية، طموحات ايران ومشكلة صدام حسين غموض ومخاطر عملية السلام ، اوضاع مصر والجزائر وليبيا ولبنان
ماذا سيحدث في الشرق الاوسط عام 1993، على صعيد الحركات الاصولية والمتطرفة، والوضع في الخليج، ومستقبل النظام العراقي، والمشكلة الايرانية، ومصير مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، وأوضاع ليبيا والجزائر ومصر ولبنان؟ "الوسط" طلبت من 8 شخصيات فرنسية، متخصصة بشؤون الشرق الاوسط وذات خبرة واسعة في هذا المجال، الادلاء بآرائها حول ما نتوقع حدوثه عام 1993 على صعيد هذه القضايا الكبرى. الاصولية في طريق مسدود قال جان بول شارني استاذ جامعي ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة السوربون الفرنسية لپ"الوسط" في تحليله لظاهرة الاصولية والحركات المتطرفة في الشرق الاوسط: "أعتقد ان قراءة مستقبل الحركات الاصولية في الشرق الاوسط على المدى القريب، أمر ليس سهلاً بالنظر الى الاوضاع المختلفة التي تسود في البلدان حين نلحظ نمواً للتيارات الاصولية الاسلامية، وبالنظر كذلك الى الاستراتيجيات المختلفة التي تلجأ اليها هذه الحركات. ومن الضروري الاشارة الى اننا نفتقر، في تحليلنا للحركات الاسلامية الاصولية الى معلومات دقيقة حول الاوساط والطبقات الاجتماعية التي تنمو فيها هذه الحركات وحول التيارات العميقة التي تعتملها. وباختصار، فان الانكباب على معرفة تطور الاحداث يفترض ان نتناول كل بلد بمفرده وان نتناول كل طبقة اجتماعية بمفردها وان ندفع بالتحليل الى مستوى المهن والتجمعات الاجتماعية الصغيرة، وان نتناول كذلك كل منطقة بنفسها بما لها من خصوصيات. الامر الثابت اليوم ان التيار الاسلامي والحركات الاصولية وصلت الى طريق مسدود. فالحكومات والانظمة القائمة نجحت في وقف امتداد التيار الاسلامي. ومن الضروري الاشارة الى ان عددا من الحركات الاصولية سعت الى لعب الورقة الدستورية وركوب موجة الانتخابات، فحركة النهضة في تونس كانت ترغب ان تعترف الدولة التونسية بها، وجبهة الانقاذ في الجزائر قبلت واستغلت اللعبة الانتخابية. وإذا كانت الامور، في هذين البلدين، تسير بعكس ذلك، فلأن الدولة، في الحالتين، غيرت قواعد اللعبة وقررت استخدام القوة لشل الحركات الاصولية. اما في المغرب، فالحركات الاسلامية ضعيفة واعتقادي ان الثورة الايرانية، إن لم تمتد كما كانت تتمنى، فذلك مرده الى اندلاع ثلاثة حروب هي: الحرب اللبنانية - اللبنانية، الحرب الافغانية - السوفياتية والحرب العراقية - الايرانية. هذه الحروب شغلت ايران وأجهدت طاقاتها. فايران كانت مشغولة في الشمال بالحرب الافغانية، وفي الغرب بالحرب مع العراق وكذلك بتحولات الحرب اللبنانية. وهذا الواقع يفسّر، في رأيي، الامتداد الخجول للتيار الاسلامي الثوري واقتصاره على عدد من الحركات ذات التأثير الذي يختلف بين بلد وآخر، ان في مصر أو السودان أو المغرب أو الجزائر أو لبنان أو الأراضي المحتلة. وفي اي حال، فان هذه الحركات تواجه مجموعة من التناقضات الداخلية وتحد من تأثيرها الخلافات في ما بينها، المذهبية منها والسياسية، ناهيك عن ان كلها موضع تصادم مع السلطة باستثناء السودان. ما هو مستقبل الاصولية والحركات الاسلامية؟ اعتقد ان مصير هذه الحركات الاسلامية مرتبط الى حد بعيد بقدرة الانظمة القائمة في الدفاع عن نفسها، وبنجاح هذه الحركات في مد نفوذها الى القطاعات الاجتماعية، خصوصاً الى الجيش، مما يؤهلها لعمل مباشر كالمواجهة المفتوحة او القيام بانقلاب عسكري. وفي اي حال، يبدو ان الانظمة المعنية قادرة على الدفاع عن نفسها بالوسائل الثلاث التالية: اللجوء الى قمع الحركات المتطرفة، تغيير الظروف الاقتصادية والمعطيات الاجتماعية، وإحداث تغيير في العقليات. والمفروض ان تمنع الحركات الاصولية الاسلامية من استغلال الوضع الاقتصادي المرتبك في الكثير من الدول العربية. ومهما يكن من امر، فان تحسن الوضع الاقتصادي، يفترض ان يترافق مع تغير ذهني وثقافي يقوم على اعادة الاعتبار الى الاسلام في عدد من الدول واعادة ادخال الاسلام في فلسفة الدولة وعدم ترك الدين للحركات الاصولية". العراق: احتلال مقر صدام؟ الجنرال اتيان كوبل هو احد أبرز الخبراء العسكريين الفرنسيين بشؤون العراق اذ يعرف هذا البلد جيداً وسبق ان زاره مراراً في مهمات رسمية. وهو يحلل، في ما يأتي، لپ"الوسط" ما يتوقعه للعراق عام 1993: "العراق خسر الحرب مع التحالف الدولي الذي رد بقوة على احتلال الكويت. والمعروف اليوم ان الجيش العراقي خسر 80 في المئة من دباباته، وقسماً مهماً من طيرانه الحربي وغالبية ما يملكه من الرادارات ووسائل الدفاع الجوي، ناهيك عن المدفعية وغيرها. أضف الى ذلك ان الحظر المفروض عليه يطبق بشكل جيد، وبالتالي فان العراق لم يستطع ان يجدد تجهيزاته العسكرية الثقيلة وأسلحته الحديثة. ولكن علينا الا نغرق في الأوهام. الجيش العراقي لم يمت ولا يزال له وجود. واذا كان فقد الكثير من قدراته الهجومية فانه ما زال محتفظاً بالكثير من قدراته الدفاعية، وبالتالي فان بامكانه ان يدافع عن نفسه بفعالية. هذا التذكير غرضه تنبيه الذين اعتقدوا، او الذين ما زالوا يعتقدون ان الوصول الى بغداد للتخلص من الرئيس صدام حسين، سيكون شبيهاً بنزهة عسكرية. فمن الناحية العسكرية البحتة علينا الا نخلط بين التقدم في الصحراء المكشوفة والتغلب على جنود منهكين وجائعين، خضعوا طوال اسابيع لقصف جوي كثيف، وبين احتلال عاصمة تتوافر فيها المواد الغذائية وتدافع عنها وحدات مجهزة تجهيزاً دفاعياً جيداً وبأسلحة فعّالة ومتنوعة. احتلال بغداد يفترض اما ان تقبل الجيوش المهاجمة بتكبد خسائر كبيرة، واما القيام بعمليات قصف مكثف، الامر الذي يعني احداث مجزرة ليس فقط في اوساط العسكريين ولكن كذلك في اوساط المدنيين والاطفال والنساء العراقيين. هذا السيناريو لم تنفذه دول التحالف ولن تقوم بتنفيذه في المستقبل لأن الرأي العام لم يسمع بحصول ذلك. والنتيجة ان على صدام حسين ان يخشى جيرانه ووحداته اكثر من ان يخشى تدخل الولاياتالمتحدة الاميركية. ثمة كثير من الدول العربية التي ترغب في التخلص من صدام حسين. وبعضها ربما يعتقد ان الفرصة سانحة للهجوم عليه بسبب ضعفه العسكري والسياسي وبسبب الوضع الخاص الذي تم ايجاده في شمال العراق وفي جنوبه. ولكنني لا اعتقد للحظة واحدة ان هذه الفرضية يمكن ان تجد طريقها الى التنفيذ. فحتى المنافس لصدام حسين داخل حزب البعث، أي الرئيس السوري حافظ الأسد، لن يغامر بعملية كهذه لأنه يعرف ان حرباً كهذه ستكون قاتلة ولن يتحملها الرأي العام العربي والشعوب العربية. وبعكس ذلك، ثمة ما يدفع الى الاعتقاد ان الايرانيين ربما تغويهم مثل هذه العملية، والأسباب عديدة، اهمها ان النظام الايراني يعاني، اكثر فأكثر، من صعوبات داخلية كبيرة. التمرد حاضر في ايران والانظمة الديكتاتورية تميل عادة، في مسعى منها للحفاظ على الذات، الى تصدير مشاكلها الداخلية الى الخارج، اي الى مهاجمة جيرانها. ولحسن الحظ، لا تخلو ايران من رجال عاقلين يعرفون جيدا ان عملية عسكرية من هذا النوع لا بد ان تكون قاسية ومكلفة، لا بل ان نتائجها غير مضمونة. من كل الاحتمالات الممكنة للتخلص من صدام حسين لم يبق لدينا سوى احتمال واحد هو الانقلاب العسكري على الرئيس العراقي. ذلك انه على رغم عمليات التطهير المتلاحقة التي قام بها صدام حسين داخل صفوف القيادة العسكرية العراقية، فان السيناريو الاخير ليس مستبعداً، اذ ان العسكريين العراقيين يعرفون جيداً ان المآسي الكبيرة التي تحل بالشعب العراقي وبعائلاتهم سببها بقاء صدام في السلطة، ويعرفون كذلك ان الحظر المفروض على العراق لن يرفع الا بعد رحيله، وان لا احد غيرهم سيقوم بابعاد صدام حسين، خصوصاً ان لا وجود لبديل ديموقراطي وفاعل يتمتع بصدقية مقبولة، وبالتالي فان مصير الشعب العراقي موجود بين ايديهم. غير ان الانتقال الى التنفيذ دونه صعوبات كبرى. فصدام حسين لا يغادر الا لماماً مقره المحصّن، كما انه يعمد الى اتخاذ تدابير امنية صارمة لتفادي أية عملية اغتيال، ان عند خروجه او عند حضوره لعروض عسكرية. لكن صدام حسين سيكون عاجزاً عن أية ردة فعل اذا ما قامت كتيبة عسكرية بالسيطرة على مقره المحصن. هل بامكان صدام حسين ان يفهم هذه الامور وان يتخلى عن السلطة؟ وهو، ان فعل، يكون أدّى أفضل خدمة لشعبه الشجاع الذي يستحق العيش الكريم". ايران: هزيمتان وطموحات كبرى ماري لويس دوما مديرة دائرة الشرق الاوسط في المؤسسة الفرنسية للدراسات الدفاعية تحلل، في ما يأتي، لپ"الوسط" أوضاع ايران وما تسعى الى تحقيقه عام 1993 وفي السنوات المقبلة: "عند تناول السياسة الخارجية لايران، وخصوصاً الاهداف التي تسعى الى تحقيقها في الخليج، يفترض ان نتذكر دائماً ان السياسة الايرانية منيت بهزيمتين: الاولى عنوانها هزيمة الاسلام السياسي. وتبرز الهزيمة في تراكم التناقضات بين الخط الايديولوجي المتقلب للثورة الاسلامية والحقائق الداخلية والخارجية. الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني نفسه عبّر عن هذا الواقع بقوله ان عقد الثمانينات عقد ضائع وعقد التسعينات سيكون عقد الاصلاح والتعويض. الهزيمة الاولى لها وجه اقتصادي اذ ان كل النظريات الاقتصادية الايرانية أفلست، والانتفاضات التي تحصل في ايران بسبب الخبز والجوع مهمة جداً، وجل ما أدت اليه الثورة الاسلامية هو قيام نظام اقتصادي حر تشرف عليه الدولة بقوة. وتنعكس الهزيمة على المستوى الاخلاقي وتظهر في التناقض بين الخطاب الايديولوجي والحقائق اليومية والموضوعية. الهزيمة الثانية لايران تكمن في العجز عن نشر الثورة الاسلامية في الخارج. وكل ما نجحت ايران في تنفيذه هو تثبيت نفوذها لدى بعض التجمعات الشيعية او الاحزاب السياسية. وإذا كانت ايران تمول، عبر السودان أو مباشرة، عدداً من الاحزاب والحركات مثل جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر وحركة النهضة في تونس فان ذلك لا يعني ولاءً ايديولوجياً ولا قدرة على التأثير في مجريات الاحداث. وإذا كان صحيحاً ان حزب الله يأتمر بأوامر ايران، فان دائرة تأثيره محدودة، خصوصاً بعد ان انخرط في البنى السياسية اللبنانية بحيث ان دعوته لم تعد لتغيير النظام السياسي القائم. وفي اي حال، فان تمويل ايران لعدد من الاحزاب والحركات الاسلامية يدخل في اطار سياستها الخارجية التي تهدف الى استغلال هذه الاحزاب في اطار لعبة المصالح الايرانية. وفي الاطار نفسه يدخل تركيز ايران على السودان الذي يفيد ايران بفعل موقعه الجغرافي واستخدامه قاعدة لاعادة الانطلاق، ان باتجاه الدول الافريقية او باتجاه مصر والمغرب العربي والشرق الاوسط. ما تقوم به ايران في الميدان الخارجي هو تنفيذ سياسة قومية فارسية وليس نشر اسلام معين. فالرئيس رفسنجاني يريد النهوض بالاقتصاد الايراني ودعم القوة الايرانية. ويحتاج رفسنجاني الى تعبئة شعبه، وبالنظر الى ان الشعور الديني لم يعد حاسماً بعد عشر سنوات من حكم الثورة فان الخيار وقع على ابراز الشعور القومي. وبرأيي ان ايران تريد ان تلعب دور شرطي الخليج وهي تنفذ اليوم سياسة الشاه، ولكن من غير الشاه ومن غير الاميركيين. وتستفيد ايران في ذلك من غياب الاتحاد السوفياتي ومن الخطر الذي كان يمثله بالنسبة اليها، على حدودها الشمالية. واعتقد انه لا يتاح لنا ان نفهم مسألة جزيرة أبو موسى وجزيرتي طنب الكبرى والصغرى من غير الاخذ في الاعتبار طموح ايران للعب دور رئيسي في الخليج. وإذا كانت لباكستان اهتمامات في الهند وآسيا الوسطى، وإذا كانت تركيا أدارت وجهها نحو الجمهوريات السوفياتية السابقة وأوروبا، من غير ان تنسى الشرق الاوسط، فان ايران وجهت انظارها نحو الخليج والعالم العربي، خصوصاً بعد ان ظهر سريعاً فشلها في التمدد والنفوذ الى الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى. ثمة ثلاثة اعتبارات تدفع الى الاعتقاد ان ايران تمثل تهديداً للمنطقة: 1 - ايران تسعى الى التزود بكل انواع الاسلحة وهي قررت تكريس مبلغ عشرة مليارات بلايين دولار لهذه الغاية على مدى خمس سنوات. والتسلح الايراني يمر بشراء اسلحة في الخارج وبتشجيع صناعة السلاح الداخلية. وتستفيد ايران، كغيرها، من بازار السلاح السوفياتي، والجدير بالذكر ان حصول ايران اخيراً على غواصات يصيب ميزان القوى في المنطقة بضربة شديدة. وأعتقد ان التسلح الايراني، على هذا المستوى، يشكل مصدر تهديد وعدم استقرار في المنطقة. 2 - ايران تسعى باستمرار لمنع قيام نظام امني اقليمي عربي يمكن ان يكون موجهاً ضدها. 3 - يجب الا يغيب عن ذهننا ان ايران، في سعيها لتثبيت حضورها تريد امتلاك السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل. وعلى رغم نفي الحكومة، فان رغبة ايران ان تصبح ثاني دولة اسلامية تمتلك السلاح النووي، ليس لموازنة اسرائيل ولكن لفرض نفسها كقوة اقليمية لا يمكن تجاهل مصالحها ولكي تضع نفسها بمنأى عن التهديدات. ونحن نعلم ان ايران تعجل وتيرة السعي لامتلاك هذا السلاح. والسؤال المطروح اليوم هو: هل سيسمح الغرب لايران بأن تحقق هذا الهدف أم انه استفاد من التجربة العراقية؟ ولا يخفى ان الجواب عن هذا السؤال مزدوج: فثمة اتجاه في الغرب يعتبر رفسنجاني معتدلاً ومن الممكن التفاهم معه والاستفادة من سوق استهلاكية من 53 مليون نسمة. ويعتبر هذا التيار أيضاً ان الخطر النووي لا يبدو قريبا وان التجارة مع ايران تمر أولا. اما الرأي الثاني فيقول ان ايران خطيرة ومن الضروري النظر في الوسائل التي تمنعها في امتلاك اسلحة الدمار الشامل وان على الغرب ان يتدخل. ولقد سعت واشنطن الى اقناع حلفائها، ومنهم اليابان، بالامتناع عن بيع التكنولوجيا ذات الاستعمال المزدوج، المدني والعسكري، في الاجتماع الاخير في بون. وتخوفي هو ان يكون الغرب ملزماً، في النهاية، بالتدخل، وبعملية واسعة جداً، لوقف ايران او منعها من الانضمام الى النادي النووي. واعتقد ان الاميركيين، لن يسمحوا لايران بامتلاك القوة النووية. وفي اي حال، تسعى ايران للاستفادة من هذه الفرصة المتاحة لها لامتلاك السلاح الذي تريد امتلاكه كما تحاول توظيف حجمها الديموغرافي ومصادر ثروتها المهمة واقتصادها حتى تنضم الى نادي الكبار. ويرى الرئيس رفسنجاني ان ايران تأخرت وان عليها الاسراع لتحقيق أهدافها". عملية السلام: الغموض والمخاطر بسمة قضماني درويش المسؤولة عن شؤون الشرق الاوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية تحلل لپ"الوسط"، في ما يأتي، واقع ومستقبل مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية: "الثابت ان مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية انتقلت من مرحلة الشكليات الى مرحلة معالجة الامور الجوهرية. ولكن بوصولها الى هذه المرحلة، فان المفاوضات تعاني من الغموض الاسرائيلي. الحكومة الاسرائيلية لا تعرف ماذا تريد ولا تعرف الى اين تريد الوصول في مفاوضاتها مع العرب والفلسطينيين ويلف الغموض الاسرائيلي مسارات التفاوض كلها، باستثناء المفاوضات مع الاردن. ويبدو لي ان مقاربة الحكومة الاسرائيلية للمفاوضات تتسم بالحذر الشديد. المفاوضات السورية - الاسرائيلية: لا يبدو لي ان اسرائيل حزمت امرها بالنسبة للجولان المحتل، سواء بالنسبة الى المساحة التي تبدي استعدادها للانسحاب منها، او بالنسبة الى الثمن الذي يطلبه الاسرائيليون مقابل الانسحاب، أو الترتيبات الامنية التي سترافقه وحتى الآن لا تبدو واضحة عملية الربط بين تطبيع العلاقات الاسرائيلية مع سورية وعملية الانسحاب. لكن الامر الثابت ان اسرائيل تحرص، هذه المرة، وبعكس ما حصل مع مصر، على الربط الدقيق والمتين بين المسألتين. أتصور ان مسألة الجولان يغلب عليها الطابع الامني ويمكن ان تحل بضمانات امنية دولية. وأعتقد ان حصول اسرائيل على وعد سوري بالتطبيع الحقيقي والكامل، وكذلك البدء بتنفيذ تدابير الثقة التي لا بد ان تنص عليها أية معاهدة، من شأن ذلك كله ان يحدث تغيرا لدى الرأي العام الاسرائيلي. بالطبع، لا يمكن ان تتجاهل مسألة المياه، واسرائيل حريصة على الحصول على ضمانات في هذا الخصوص. وعلى رغم ان هذه المسألة تم تناولها في المفاوضات المتعددة الاطراف، فان التقدم الحقيقي بشأنها يجب ان يحصل في المفاوضات الثنائية. المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية: الغموض الاسرائيلي يتناول حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. والواضح، حتى الآن، ان الحكومة الاسرائيلية تفضل حلاً كونفيديرالياً يجمع الكيان الفلسطيني والأردن. لكن اسرائيل لم تقل بعد ما هو الكيان الفلسطيني الذي تقبله وما اذا كانت ترغب في فرض "كوندومينويم" اسرائيلي - اردني عليه، او انها تريد كونفيديرالية تضم ثلاثة اطراف. وفي اي حال، فان اسرائيل تشدد على الكونفيديرالية لوأد الدولة الفلسطينية المستقلة. ويبدو لنا ان الكونفيديرالية مسألة خطيرة لأنها تعني هيمنة اسرائيلية سياسية، عسكرية، تكنولوجية واقتصادية. وحتى الآن، يمكن اعتبار ان المفاوضات أدت الى ايجاد ارضية مشتركة تتمثل في ان الفلسطينيين يقبلون مرحلة الحكم الذاتي الذي اقتربت صورته لدى اسرائيل مما يتخيله الفلسطينيون، علماً ان اسرائيل لم تقل في الماضي كيف تفهم الحكم الذاتي وما هو المضمون الذي تعطيه اياه. ولا شك ان اسرائيل توظف عامل الغموض لصالحها. غير ان الثابت ان الحكم الذاتي، كما هو متداول اليوم، يختلف عن الادارة الذاتية التي كان شامير يتحدث عنها بمفهوم بيغن، اي انها تطال السكان ولا تتناول الأرض. والفلسطينيون لا يريدون الانجرار الى حل انتقالي الا عندما يعرفون المحطة النهائية التي سيصلون اليها، اي حق تقرير المصير. ذلك ان المرحلة الانتقالية خطيرة ما لم تحدد منذ الآن ملامح الحلّ النهائي اذ ان بامكان اسرائيل ان تطبّع، خلال هذه المرحلة، علاقاتها مع العرب وتكرّس الوضع على ما هو عليه. اعتقد ان صورة المرحلة النهائية آخذة بالجلاء، وما يقوله الفلسطينيون اليوم هو انهم يريدون دولة فلسطينية تقوم بتحقيق الكونفيديرالية فوراً مع الأردن. ويذهب بعض القادة الفلسطينيين الى عدم استبعاد حل كونفيديرالي يضم اسرائيل. واعتقادي ان 70 في المئة من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يقبلون هذا التوجه. لكن هذا الحل يعني نهاية حق العودة وان البديل عن هذا الحق هو التعويضات. الموضوع الفلسطيني، كمشكلة وطنية تتناول شعباً من خمسة ملايين انسان، ليس له حل. ومشكلة منظمة التحرير ان المطلوب منها منح الشرعية لعملية سلام تتناول مليوناً وثمانمئة الف فلسطيني وتترك على الهامش ما يزيد على 3 ملايين فلسطيني! ورأيي ان المنظمة مهددة بالانفراط: فاما تستمر في تمثيل شعب بكامله او انها تفقد صفتها التمثيلية، وهذا الامر يفسر تمسك المنظمة بمواقعها وبتشديدها على مصير القدس وكذلك مصير الفلسطينيين الموجودين في الخارج وبحقوقهم على اساس القرار الرقم 194. ومهما تكن الظروف، فان الفلسطينيين لا يمكنهم ان يثيروا مسألة اللاجئين الا على اساس القرار المذكور، لأن التخلي عنه يعني انهم ينكرون تاريخهم. الحل المطروح لن يعني حل مشكلة الشعب الفلسطيني ككل اذ انه يميز بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج. في الداخل، أوضاع الفلسطينيين ستتحسن اما فلسطينيو الخارج، فستقوم بشأنهم اتصالات لاقناع لبنان وسورية والاردن لتوطينهم في هذه البلدان. المطروح اليوم في عملية السلام لا بديل عنه، فاما ان يقبل العرب هذا الحل او ينتظرون عشرين سنة اخرى حتى يتغير ميزان القوى، ولكن في ظل ميزان القوى القائم لن يحصل العرب على اكثر ما هو معروض عليهم اذا قبلوا السلام اليوم. واذا لم يقبلوا بالسلام، فانهم يراهنون مراهنة خطيرة لأن الامور ربما تزيد تدهوراً وربما تضم اسرائيل الضفة والقطاع او ربما تحصل حرب جديدة يخسرها العرب ويخسرون معها أراض جديدة. اما بالنسبة الى الفلسطينيين، فان منظمة التحرير الفلسطينية مستمرة في المفاوضات طالما تجد ان لها دوراً تلعبه. وإذا نظرنا الى الوراء نجد ان المسافة التي قطعها الجانب الفلسطيني طويلة وقد قبل الفلسطينيون بتنازلات كبيرة وهم مستمرون عليها لأن لا خيار آخر لديهم. لبنان: لا خلاص خارج محيطه بول - مارك هنري سفير فرنسا الاسبق في لبنان يحلل لپ"الوسط"، في ما يأتي، مستقبل الوضع اللبناني خلال 1993 وما بعده: "مستقبل لبنان مرهون، اليوم، اكثر من اي وقت مضى، بنتائج مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية. نحن اليوم نعيش مرحلة وسطية، انتقالية يمكن ان تؤدي الى احد احتمالين: فاما ان تنجح المفاوضات وعندها اعتقد جازماً سيكون للشرق الاوسط مستقبلاً زاهلاً، لا بد ان يستفيد منه لبنان وتنفرج ازمته ويعود الى وضعه الطبيعي، طرفاً اساسياً في المنطقة. وإما ان تفشل المفاوضات، وهنا اعتقد ان من العبث ان يبحث لبنان عن خلاصه الفردي وان يسعى الى ضمان سلامه الداخلي وإزدهاره بمعزل عن محيطه. في الاحتمال الثاني، سنجد انفسنا ليس في وضع اللبننة ولكن في وضع البلقنة. وهذا الوضع معناه ان الحرب واقعة لا محالة، ليس في لبنان، ولكن على مستوى المنطقة ككل، بما لهذه الحرب من امتدادات ونتائج سلبية على الوضع اللبناني الهش. اعتقادي ان المفاوضات، على رغم الصعوبات التي تواجهها، تتقدم. وهذا النوع من المفاوضات لا يدوم أقل من سنتين او ثلاث سنوات. المعلومات والدلائل والاتصالات، ومنها غير معلن، تفيد ان محادثات السلام ستصل الى نتيجة، أو الى بداية نتيجة في فترة زمنية معقولة. وثمة تسوية ادارية - سياسية ما بين اسرائيل والفلسطينيين، في حين ان المحادثات الاسرائيلية - السورية احرزت بدورها تقدماً. وان شاركت سورية في التسوية، فهذا يعني حكماً ان لبنان سيشارك فيها. وفي هذه الحالة، فان السلام الذي سيتم بالتدريج سيترافق مع فتح تدريجي للحدود، الامر الذي يعني التنقل الحر للاشخاص والسلع ورؤوس الاموال، اي انه ستشكل سوق مفتوحة من تركيا الى مصر. واذا تحول الشرق الاوسط الى منطقة سلام، فان بوابته ستكون بيروت وان المرفأ الرئيسي سيكون مرفأ بيروت. وباختصار فان سوق الشرق الاوسط ستستعيد طريق التجارة التقليدية في المنطقة. وظني ان افضل خدمة يسديها لبنان لنفسه هي ان ينظم نفسه وفق فرضية فتح الحدود. وفي هذا السياق، ليس عندي تخوف بالنسبة الى لبنان. ذلك ان الحركة التجارية الكبرى ستمر فيه، مما يؤدي حكما الى اعادة وصل مناطقه ببعضها البعض والعودة الى الانفتاح على الاسواق الشرق الاوسطية وحتى باتجاه تركيا وأوروبا. بالطبع، كل هذه التوقعات تقوم على توقع نتائج ايجابية لمفاوضات السلام. بالنسبة الى علاقات لبنان مع جيرانه، وتحديداً مع سورية واسرائيل، اعتقد ان نجاح مفاوضات السلام سيؤدي الى وضع جديد وفي علاقة لبنان بسورية، يجب ان نأخذ في الحسبان عاملين اثنين: الأول انه على لبنان الا يذوب في سورية، والثاني ان على لبنان ان يعيش مع سورية. وقد يكون الحل، بالنسبة الى لبنان، هو في قيام هذه السوق التجارية المفتوحة في المنطقة. ولكن مع ذلك تبقى هناك مسائل معلقة، مثل انسحاب الجيش السوري أو الانتخابات. وبالنسبة الى الامر الأول، اعتقد انه يجب التمييز بين الوجود العسكري على المفاصل الرئيسية وعلى الطرقات وفي المواقع المهمة وبين الوجود السياسي، اي النفوذ السياسي. ويمكن ان نتصور، في ظل تسوية معينة، ان يبقي الجيش السوري لمدة معينة على عدد من مواقعه العسكرية في لبنان، في حين تمتنع سورية عن التدخل في الشؤون السياسية اللبنانية. وهنا اذكر ان أول انتخابات المانية، بعد الحرب الثانية تمت في ظل وجود الحلف العسكري. وقناعتي الشخصية ان الجيش السوري سيعمد الى تنفيذ عملية اعادة انتشار. يبقى انه في السياسة، علينا ان نميز بين الممكن وغير الممكن. والقاعدة تقول انه لا انتخابات حرة في دولة غير حرة. وان كان الغاء الانتخابات التي حصلت لا يبدو ممكناً، فان انتخابات حرة جديدة يمكن ان تجري في لبنان بعد ان يكون تم التوصل الى تسوية في المنطقة". القذافي والاصولية بول ماري دو لا غورس، الكاتب والصحافي الفرنسي الخبير في شؤون الشرق الاوسط ومدير مجلة "الدفاع الوطني" الفرنسية، يعطي، في هذا التحليل الخاص بپ"الوسط"، رأيه في ما يقوم به العقيد معمر القذافي ومستقبل الوضع الليبي: "اعتقد ان العقيد معمر القذافي يحاول الآن الافادة من عبر تجارب السنوات الطويلة التي قضاها في السلطة ويسعى للأخذ في الاعتبار، في رسم سياسته، الظروف الاقليمية والدولية. القذافي أصيب بمجموعة من الخيبات التي تدفعه الى تغيير سلم أولوياته في سياسته الداخلية والخارجية. والخلاصة التي وصل اليها الزعيم الليبي هي ان عليه ان يعيد رسم اولوياته بحيث يصب اهتمامه على المشاكل التي تعاني منها ليبيا والتركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلاده. غير انه من الواجب الا نغرق في الاوهام اذ ان النظام لن يتغير وامكان انتقاد السلطة والاحتجاج عليها سيبقى ممنوعاً، الامر الذي يعني ان طبيعة النظام الاساسية ستبقى على ما هي عليه. وما يدهش هو ان المعارضة الليبية فوجئت بهذا التحول، والسبب انها أغلقت نفسها على صورة جاهزة جامدة للعقيد القذافي اعتبرته فيها قاصراً عن استيعاب التغيير وغير قادر على اعادة توجيه سياسته وأولوياتها. وفي أي حال، علينا الا ننسى ان المعارضة الليبية تمزقها الانقسامات الداخلية المعارضة الحقيقية، الفاعلة تأتي من صفوف الاصولية الاسلامية. وحتى الآن، عجز القذافي عن تحييد الاصوليين الاسلاميين وليس سراً ان المجموعات الاصولية في ليبيا، الواقعة على مفترق طرق لتوسع وانتشار الاصولية الاسلامية في السودان والجزائر ومصر، تنظر بقوة الى ما وراء الحدود الليبية وتراقب ما يجري في مصر وكذلك في الجزائر وتستفيد من توجهات النظام السوداني. لكن هذا لا يعني ان النظام الليبي مهدد أو على وشك السقوط. المشكلة الثانية التي يتوجب على القذافي مواجهتها تتمثل في علاقته مع الغرب وفي كيفية اغلاق ملف تفجير طائرة "بان اميركان" الاميركية وطائرة "يوتا" الفرنسية. والواضح حتى الآن ان القذافي اظهر نوعا من البراعة في تعامله مع هذه القضية المتفجرة وعرف كيف يتفادى ان تفرض على بلاده عقوبات قاسية، مثل منع ليبيا من تصدير نفطها وفرض حصار بحري عليها. ويبدو ان الدول الغربية الثلاث اميركا وبريطانياوفرنسا منذ ان بدأت تحركها لفرض عقوبات على ليبيا، أرادت ان تحول مسألة تسليم الليبيين المتهمين بتفجير طائرة "بان اميركان" الى اختبار لخضوع ليبيا للارادة الغربية. والأمر المهم اليوم هو معرفة ما اذا كانت واشنطن، ومعها لندنوباريس، ستستمر في المطالبة بتشديد العقوبات على ليبيا لارغامها على تسليم مواطنيها ليحاكموا اما في الولاياتالمتحدة الاميركية أو في بريطانيا، ولتمكين العدالة الفرنسية من استجواب المتهمين الليبيين في قضية طائرة "يوتا". ولا شك ان مسار هذه المسألة سيكون على علاقة وثيقة بكيفية رؤية واشنطن لمصالحها وأهدافها ومطامعها ولكيفية تأمينها في هذا الجزء من العالم". الجزائر ماذا سيفعل الجيش؟ نيكول غريمو الباحثة في مركز الدراسات والبحوث الدولية في باريس والمتخصصة في شؤون الجزائر ومنطقة المغرب العربي تلقي، في هذا التحليل الخاص بپ"الوسط" الضوء على مستقبل الوضع الجزائري: "اذا كان صحيحاً ان الجيش وقوى الامن في الجزائر حققت بعض النتائج الامنية في محاربتها للاسلاميين، فمن الثابت ان هذه النتائج لا تكفي. ومن الضروري مراقبة ما اذا كان الناس يساعدون قوى الامن. ولا اعتقد شخصياً ان السياسة القمعية تكفي وحدها، كما ان رئيس الحكومة بلعيد عبدالسلام نفسه يقول انه يجب وضع الحياة السياسية جانباً لفترة تتراوح ما بين 3 و5 سنوات حتى يتحسن الوضع الجزائري. الجزائر وصلت اليوم الى طريق مسدود والتساؤل حول ما سيقوم به الجيش امر مشروع، خصوصاً ان ثمة اتجاهات متناقضة تتفاعل داخله، فهل سيبقى الجيش وراء الستارة على رغم الدور الجديد الذي يقوم به في محاربة الاسلاميين ام سيمسك بالامور مباشرة؟ ويبدو لي ان الجزائر مقبلة على استحقاقات، اولها ان حالة الطوارئ اعلنت لفترة عام واحد ينتهي في الاسابيع المقبلة. والاستحقاق الثاني يحل في نهاية العام 1993 حيث ان المجلس الأعلى للدولة من المفترض ان تنتهي مدته مع نهاية ولاية الرئيس بن جديد التي كانت ستنتهي اواخر هذا العام. فهل سيجدد المجلس الأعلى لنفسه وبأية طريقة؟ والاستحقاق الثالث هو: هل ستجري في الجزائر انتخابات رئاسية يكون من شأنها تقوية السلطة التنفيذية ثم يتم بعدها الانتقال الى انتخابات تشريعية؟ فهل سيكون الجيش متماسكاً بوجه هذه الاستحقاقات؟ الحكم في الجزائر يواجه مجموعة من التحديات. في رأيي، ان عليه، اذا أراد تحقيق ننتيجة ما، ان يركز على العدل الاجتماعي وان يقر قانونا للاصلاح الضرائبي وان يعيد النظر بالقانون الانتخابي. اما اولوية الاوليات فهي تأمين فرص عمل للشباب. والحال ان السيطرة على الوضع في الجزائر وتحقيق هذه الاهداف يفترض توافر ثلاثة شروط: وجود دولة قوية وهي غير موجودة في الجزائر ومشروع وطني عام وشامل وهو غائب وتوافر الاحزاب والنقابات والجمعيات التي تؤطر المجتمع وهي بدورها غائبة. والملاحظ في الجزائر ان ثمة خمسين حزباً، لكن صحيح هذه الاحزاب تتصرف وكأنها الحزب الوحيد، تغيب عنه الديموقراطية ويفتقر للبرنامج الواضح بحيث يكون مبرر وجوده الوحيد شخصية قائده. ورأيي ان عقلية الحزب الواحد ما زالت موجودة. ولكن اذا توافرت الديموقراطية الداخلية للاحزاب وظهرت برامجها فستتكون ثلاث مجموعات: الاسلاميين، اقصى اليسار وأحزاب الوسط، الامر الذي من شأنه ان يوضح معالم الحياة السياسية". مصر: 3 تحديات كبرى يعتبر بول بالتا، الكاتب والصحافي الفرنسي المعروف المتخصص بشؤون العالم العربي، في التحليل الآتي الخاص بپ"الوسط" ان مصر ستواجه خلال 1993 والسنوات المقبلة 3 تحديات كبرى: "من الممكن اختصار التحديات التي تواجه مصر حالياً وخلال 1993 على الشكل الآتي: التحدي الديموغرافي: علينا ان نعي اهمية العامل الديموغرافي في مصر حيث يولد طفل كل 15 ثانية، اي ما يعادل مليون طفل في تسعة اشهر. ربما لا تكون نسبة الزيادة السكانية في مصر اكثر ارتفاعاً مما هي عليه في بلدان اخرى كثيرة. غير انها في مصر ترتدي ابعاداً مأسوية. ان علينا الا ننسى ان الصحراء تشكل ما يزيد على 95 في المئة من أراضي مصر، في حين ان المناطق الخصبة تتشكل فقط من وادي النيل والدلتا. المشكلة الحقيقية لمصر هي ان تتوصل الى اطعام ابنائها والى تحقىق امنها الغذائي، وهي هذه العلاقة الخطيرة ما بين الزيادة السكانية وزيادة الانتاج. الانفجار المديني: تمثل القاهرة الوجه الأبرز لهذه المشكلة الخطيرة التي تصيب مصر. فالقاهرة يسكنها اليوم 15 مليون نسمة والتوقعات تفيد ان هذا الرقم سيصل، في العام 2025، الى ثلاثين مليون نسمة. ولا يخفى حجم المشاكل الامنية والاجتماعية والتنظيمية التي تسببها مدن بهذا الحجم، ناهيك عن انها تظهر حجم الهجرة من الريف الى المدينة. المشكلة السكنية في القاهرة هي احدى "اكبر" المشاكل المتفجرة التي ظهر بعض منها عقب الزلزال الاخير. التحدي الاسلامي الاصولي: وجه الخطورة في استقواء مجموعات الاصوليين الاسلاميين في مصر هو انها آخذة في توتير السلام الاجتماعي. في زيارتي الاخيرة، قبل أيام، الى مصر، تبين لي ان ثمة حالة من الخوف ألمت ببعض الفئات في المناطق التي تعيش حالة من التوتر. وتفيد معلوماتي ان عددا من الاقباط الذين يصلون الى سن التقاعد يهاجرون الى الخارج بسبب الخوف. والسؤال الكبير هو: هل ستنجح الدولة في جبه الاصوليين ووضع حد لموجة العنف التي تضرب السلام الاجتماعي؟ الواقع ان مكمن الخطورة ايضاً يتمثل في ضرب القطاع السياحي في مصر. والحال ان السياحة درّت العام الماضي 3 مليارات دولار اي ان المداخيل السياحية تعادل مداخيل مصر من البترول ومن قناة السويس معاً. ومن المعروف ان السياحة تعيل 10 ملايين مصري وانها تشغل مباشرة او في المهن المرتبطة بها مليوني شخص. ورأيي ان الهجمات الارهابية التي تستهدف السياح والقطاعات السياحية ستؤدي الى وعي المجتمع المصري لخطورة هذه المجموعات المتطرفة، والى ظهور ردة فعل معادية لها. وفي اي حال، لا يمكننا ان نعزل هذه الظاهرة عن تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ومشاكل البطالة، ولا ان نعزل ما يجري في مصر عن التأثيرات الخارجية الداخلة الى مصر عبر الحدود. واذا كانت الحركات الاسلامية حظيت في الماضي، اي قبل انهيار الشيوعية، بدعم اميركي يفسره، تحديداً، الخوف من الشيوعية واعتبار ان الحركات الاسلامية يمكنها ان تشكل حاجزاً للوقوف بوجهها، فان بعض المسؤولين الاميركيين يسأل عما اذا كانت الادارة الاميركية ستستمر في هذه السياسة".