تميزت القمة الخامسة لاتحاد المغرب العربي، التي عقدت يومي 10 و11 تشرين الثاني نوفمبر الجاري في نواكشوط عاصمة موريتانيا، بثلاثة امور لافتة للانتباه: 1- الاول، ان هذه القمة، التي عقدت بالحاح من رئيس اتحاد المغرب العربي الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي احمد الطايع، غاب عنها الملك الحسن الثاني والعقيد معمر القذافي، فناب عن الاول رئيس الوزراء محمد كريم العمراني، وعن الثاني السفير الليبي في الرباط. وذكرت مصادر مطلعة لپ"الوسط" ان الملك الحسن الثاني غاب عن هذه القمة تعبيراً عن قلقه ازاء السياسة الجزائرية الجديدة بخصوص الصحراء الغربية منذ ان اصبح السيد بلعيد عبدالسلام رئيساً للحكومة الجزائرية بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف وتعيين السيد علي كافي رئيسا للمجلس الاعلى للدولة. اما القذافي فاشترط للحضور ان يستقل طائرة ليبية تخترق الاجواء التونسيةوالجزائرية والمغربية قبل ان تهبط في نواكشوط ضرباً للحظر الدولي واحراجاً للدول المغاربية، وهو ما لم تقبل به اية دولة من الدول الاربع في الاتحاد على رغم التضامن مع ليبيا ومطالبة مجلس الامن برفع الحظر عنها والتراجع عن قراراته. 2- الامر الثاني هو اصدار هذه القمة قراراً، بطلب من تونس، يندد بظاهرة "الارهاب والتطرف بكل اشكالهما وينظم التنسيق والتعاون بين دول الاتحاد لمواجهة وتطويق هذه الظاهرة ومراعاة كل اطراف الاتحاد لمبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدول وأمنها والعمل على منع استغلال اراضيها او اجهزتها من قبل افراد ومجموعات تسعى للاساءة للمجتمعات المغاربية وقيمها السامية وعقيدتها السمحاء". 3- الثالث، ان القمة قررت على هامش محادثات الوفود تغيير دستور الاتحاد المغاربي في اتجاه الاكتفاء بقمة واحدة في السنة بدل قمتين، وتولية رئاسة الاتحاد تبعا لذلك مدة سنة بدل 6 اشهر، علما ان الرئاسة تعود لتونس وبالذات للرئيس زين العابدين بن علي ابتداء من اول 1993. وتعتبر اوساط المراقبين ان هذا القرار يبرره عدم استطاعة جمع القمة الا بصعوبة مما دفع للاكتفاء بقمة بدل قمتين في السنة، بعد ان خف نسق الانجاز عما كان عليه بين 1989 موعد قيام الاتحاد و1991 موعد قمة الدار البيضاء التي خففت من سرعة القرارات بعد ان تبينت صعوبة انجاز الاتفاقات، خصوصاً ضبط وسائل اقامة منطقة التبادل الحر وانشاء البنك الاستثماري المغاربي بتونس برأسمال قدره 500 مليون دولار لتمويل المبادلات بين دول الاتحاد واقامة المشاريع المشتركة المستجيبة لحاجيات سوق قوامها قرابة 65 مليون نسمة، وغيرها من المشاريع التي بقيت حبراً على ورق، على رغم مرور سنين على اقرارها، الا انه لم يقع التصديق عليها كلها من طرف غالبية الدول الخمس باستثناء تونس التي هي الوحيدة التي صدقت على الاتفاقيات الخمس عشرة المعقودة والوحيدة التي مكنت مواطني الدول المغاربية من حرية الانتقال والتملك والاستثمار ونقل السلع والخدمات داخل حدودها، تماما كالمواطنين التونسيين. والسؤال المطروح هو: هل ينطلق العمل المغاربي مجدداً بعد هذه القمة؟ الجواب عن هذا السؤال لن يتأتى الا بعد ان تستلم تونس الرئاسة في كانون الثاني يناير المقبل وبدء تنفيذ القرارات القليلة المتخذة، واهمها تعزيز صلاحيات الامانة العامة التي يوجد مقرها في الرباط ويتولاها التونسي محمد عمامو وبعد ان يتضح ما اذا كانت الاطراف المغاربية ما زالت تولي الحرص نفسه الذي ابدته عند التأسيس في مدينة مراكش المغربية قبل قرابة اربع سنوات. ان الاسباب التي ادت بالعمل المغاربي المشترك الى المأزق ما زالت قائمة. فلا قضية الصحراء حُلّت والمغرب كان يتوقع ان يكون الاتحاد المغاربي اطارا جيدا لذوبانها. ولا المشاكل الداخلية السياسية والاقتصادية في الجزائر تتوجه الى الحل، بل لعل الامر اكثر تفاقما، ولا قضية الازمة الليبية - الغربية في طريق الحل حتى يتوقع المرء قرب رفع الحظر عنها، على رغم مطالبة قمة نواكشوط لمجلس الامن بالتراجع عن قراراته وكذلك مناصرته لدولة الامارات في نزاعها مع ايران حول قضية الجزر. الا ان الرئيس بن علي الذي ترأس اتحاد دول المغرب العربي في النصف الاول من 1990 وبرز بنشاطه الكبير في هذه الرئاسة سيبذل الجهد الكبير لتذليل العراقيل والدعوة لعقد قمة الانطلاقة الجديدة وستكون تلك الفرصة الاخيرة، حسب اعتقاد المراقبين، لعودة اتحاد المغرب العربي الى سكة سالكة.