هل يحق لطفل في الثانية عشرة من عمره ان يطلب الانفصال قانونياً عن اهله الذين اساؤوا معاملته ويصير ابناً لعائلة اخرى احتضنته لفترة من الوقت؟ القضاء الاميركي اجاب "نعم" اخيراً على هذا السؤال المحير والشائك وأثار زوبعة من الاتهامات والتساؤلات لم تنته بصدور الحكم في قضية الطفل الاميركي غريغوري كينغسلي الذي حصل على "الطلاق" من والديه. ونتيجة هذا الحكم، تحول كينغسلي من طفل لأم فقيرة كاثوليكية، منفصلة عن زوجها، وعاطلة عن العمل الى ابن لعائلة من الطبقة المتوسطة من طائفة المورمون المتزمتة. وصار اسمه شون راس عوضاً عن غريغوري كينغسلي. واستند القاضي الاميركي توماس كيرك في حكمه هذا الى ان غريغوري يملك الحق الدستوري في طلب "الطلاق" من والدته راشيل كينغسلي لانها اساءت معاملته، اضافة الى كونها مدمنة على الكحول والمخدرات وربما مارست البغاء ايضاً. وكان غريغوري شهد ضد والدته في المحكمة ببرودة تامة، ووصفها بأنها "أم عاطلة"، وهو لا يحبها ولا يريد العيش معها ومع اخويه الصغيرين. واكد للقاضي كيرك بأنه يريد العيش مع المحامي روبرت راس وزوجته واولادهما الثمانية. ويكون ابنهما بشكل نهائي. وللوهلة الاولى، يبدو ان القضاء الاميركي فعل ما فيه الخير لمصلحة هذا الطفل الذي عاش طفولة معذبة مع والديه المدمنين على الكحول. لكن هذه القضية اثارت تساؤلات عدة على الصعيدين القانوني والاخلاقي. اذ تساءل محاميا الوالدة راشيل كينغسلي، التي ارادت الاحتفاظ بولدها مؤكدة بأنها تحبه ولكن ظروفها الاجتماعية والمادية لم تساعدها على تربيته جيداً، كيف يمكن للمحكمة ان تسمح لغريغوري بالانفصال عن والدته نهائياً لانها ام غير صالحة بينما سمحت لها بالاحتفاظ بولديها الآخرين. واشار المحاميان الى ان غريغوري لم يستطع فعل ما فعله لولا تحريض ومساعدة العائلة التي تبنته، خصوصاً ان روبرت راس محام يعرف القانون جيداً. واوضحا انه على رغم ان راس لم يوكل محامي غريغوري بنفسه لأن القانون يمنعه من فعل ذلك، لكنه اعطاه اسم احد المحامين الذي تبنى قضيته من دون مقابل! واضاف محاميا السيدة كينغسلي ان تبني الاطفال لفترة موقتة، كما كان الحال مع غريغوري وعائلة راس، يقوم حسب القانون الاميركي على اساس ان العائلة المتبنية لن تبحث عن الطفل المتبنى احتمال اقامته بشكل دائم لديهم. ولكن روبرت راس اعترف بانه شرح لغريغوري "بانه مواطن من مواطني الولاياتالمتحدة ولديه حقوق... بما فيها حق العيش بسعادة". ومما سبب ضيق عدد من المتابعين لهذه القضية المثيرة للجدل، انها تحولت الى نوع من المواجهة بين الفقراء والاغنياء، والسود والبيض في الولاياتالمتحدة. اذ بدا من الواضح ان محاميي السيدة كينغسلي الاسودين اللذين عينتهما المحكمة تعرضا الى عدم احترام القاضي الابيض لهما، خصوصاً انهما كانا الشخصين الاسودين الوحيدين في قاعة المحكمة. وادى ذلك الى مقاطعة القاضي لمرافعتهما مراراً من دون سبب. ولذلك يشعر عدد من المراقبين لمجرى الاحداث في هذه القضية ان الحكم فيها سيكون مختلفاً لو انعكست ظروف الوالدة الحقيقية واحوال العائلة المتبنية. وربما وجد غريغوري كينغسلي، او شون راس كما صار اسمه الآن، السعادة لدى عائلته الجديدة. لكن قرار المحكمة هذا سيكون سابقة قانونية تفتح الباب امام دعاوى من هذا النوع على رغم شعور اشخاص عديدين في الولاياتالمتحدة بأن المحكمة لم تكن عادلة تماماً في حكمها هذا، وان هناك خلفية سياسية لهذه القضية الانسانية المحزنة ذات الابعاد المقلقة بل المخيفة. والاميركيون ينتظرون الآن نتيجة دعوى الاستئناف التي سترفعها راشيل كينغسلي ضد حكم القاضي كيرك، وربما تنقلها وسائل الاعلام الاميركية كعادتها بشغف ولذة سادية، تتجاهل التأثير النفسي السلبي الذي ستتركه لفترة طويلة على الاشخاص المعنيين بها مباشرة.