دائماً أتخيل نفسي بأني أتجوّل في بلد أوروبي، وتحديداً في أحد الميادين الفسيحة في ذلك البلد، وأركن إلى كرسي لأستريح قليلاً ليجلس إلى جواري سائح صيني بقبعة القش العريضة والكاميرا المعلقة على عنقه، وينظر إليّ مبتسماً لأبادله الابتسامة بابتسامة تكاد تشبهها إلى أن نتبادل التحايا ويسألني بعدها من أين أنت؟ وقبل أن أجيبه عن سؤاله أرفع رأسي قليلاً ولا مانع أيضاً من رفع أنفي لأقول له أنا من المملكة العربية السعودية، ويظل يسألني عن المملكة وأنا أجيبه بكل فخر واعتزاز، إلى أن أخرج له"الأيباد"وأستعرض له تاريخ بلادي بالصور. ومن ثم يقول لي صديقي السائح الصيني: أنا أفكر بزيارة بلادكم لكن قبل أن أفعل ذلك أرجو منك أن تخبرني عن أبرز الأماكن السياحية والترفيهية التي تستحق أن أجعلها في برنامجي اليومي، وما المدن التي تنصحني بزيارتها؟ هنا التزمت الصمت قليلاً، وأشعر أن سؤاله جعلني أخفض رأسي قليلاً للأسفل! وأنفي أيضاً، وأنا أفكر بجواب لسؤاله، وأسأل نفسي عن ماذا سأقول له الآن؟ هل أخبره عن المدن الأثرية التي ليس لها من السياحة سوى"لوحة"معلقة على"شبك"أمامها، وليس فيها من مقومات السياحة أدنى أدناها؟ أم أخبره عن منتزهات الجنوب التي يصل فيها سعر"ظل الشجرة"قيمة سعر جناح ملكي في فندق خمس نجوم مُطل على البحر في إحدى العواصم العالمية، أم ترون أن أحدثه عن مهرجاناتنا وطريقتنا الفريدة بالتنظيم؟ ناهيك عن عدم وجود أسواق تستحق أن يُطلق عليها مسمى أسواق، وأيضاً عدم وجود صالات سينما، وعدم وجود أشياء كثيرة تندرج تحت مسمى سياحة حقيقية، وكدت أقول عدم وجود مقاعد في الطائرة التي سيستقلها، لكن تذكرت أنه لن يأتي إلا على الخطوط الصينية. وأنا في غمرة تفكيري تذكرت شيئاً يستحق أن يُذكر له! ورفعت رأسي مجدداً لأقول له يوجد لدينا"الحرم المكي والحرم المدني"وهما من أبرز الأماكن المقدسة التي يزورها كل عام ملايين الأشخاص من شتى بقاع الأرض، وأخذت أخبره عما تتميز به من نهضة عمرانية، وأنا منهمك معه في سرد تلك المزايا يقاطعني قائلاً لكن عفواً أنا لست مسلماً ولا أهتم أبداً بالسياحة الدينية، وقتها أدركت واستدركت أنه لن يستطيع دخولها من الأساس، ولو كنت دعوته لزيارتها لرأيته يسلك طريق"غير المسلمين"بلا رجعة. لذلك أتمنى من جميع إخواني المسافرين توخي الحذر وعدم الجلوس مع أجانب أو سائحين في أي دولة بالعالم، حتى لا تضطروا إلى الكذب والاعتذار بأن لديكم مكالمة مهمة ستقومون بإجرائها. فهد الزغيبي top [email protected]