حين تسمع عن شيء ما، أو بلد ما، يكون لديك علم اليقين، وحين تراه من بعد مثل مشاهدة البلد من نافذة الطائرة يكون ذلك عين اليقين، أما حين تصل إليه وتلمسه في الواقع وتسير في شوارع البلد يصبح حق اليقين... وهو ما حدث لي مع"دبي"التي سمعت عنها كثيراً ولم أزرها، على رغم أن معظم أهل بلدي سبقوني إليها وحدثوني عنها، وحين نزلت في مطارها وجدته منظماً ونظيفاً ومختلفاً تماماً عن المطار الذي غادرته وهو بحال مزرٍ! وكما يقال الكتاب من عنوانه وأي بلد عنوانها من مطارها، فإذا كان راقياً فغالباً تكون هي كذلك، والعكس صحيح أيضاً. خرجت من مطار دبي لأجد شوارع منظمة تحفها الورود على جانبيها بشكل جميل، ولا أجد وصفاً لشوارعها إلا قول إحدى قريباتي: مثل الحرير، بمعنى أن السير فيها ناعم بلا مطبات ولا حفريات تنغص عليك مشوارك كمدينة"جدة"مثلاً. وعلى رغم أن الفترة التي ذهبت فيها كانت إجازة وفيها كثير من السياح لكني لم أشعر بضيق من الزحام في أي مكان ولا أعرف سر ذلك، هل هو التنظيم أو النفسية المرتاحة، خصوصاً أن الجو كان بديعاً فعلاً الأسبوع الماضي، واستمتعت بمشاهدة نافورة دبي قبل الغروب وقطرات المطر تنزل بشكل منعش، ونظرت لكل الموجودين فوجدتهم مستمتعين. ماذا أحكي عن بلد فيها احترام للنظام والنظافة الفائقة، فلم أرَ ورقة واحدة على الأرض، ولا أحد يخالف أنظمة المرور، كما يحدث عندنا بشكل مستفز طول الوقت، كل واحد محترم نفسه ولا يحتاج من يُعرِّفه ما يجب عليه أن يفعله. وحين وقفنا في محطة لتعبئة الوقود لم أشم رائحة بنزين مزعجة منبعثة منها، والعمال يرتدون زياً موحداً مرتباً وجميلاً وبجانبها سوبرماركت وليس بقالة تعبانة، المكان كله نظيف أكثر من الأماكن بجانب الحرم عندنا! التسوق في دبي متعة بحد ذاتها ولم يسمح الوقت إلا لزيارة ثلاثة أسواق مركزية"دبي مول"، و"الإمارات مول"، و"مارينا مول"، وكلها على اختلاف حجمها راقية ويمكنك قضاء يوم كامل فيها... وبالنسبة للترفيه فهناك أماكن كثيرة، بحسب ما يهمك أو ترغب، وشخصياً أحببت"المارينا"فالجلسة فيها ممتعة وقد تجلس ساعات من دون أن تشعر بالوقت، وتستريح في أحد المقاهي أو المطاعم المتنوعة ومعظمها ممتازة، وقد أعجبني مطعم إيراني اسمه"صدف"يقدم أصنافاً جيدة ومشهية من الأطباق الطيبة... حتى البنايات الشاهقة الارتفاع تعتبر جزءاً من جمال المارينا، ودبي عموماً، لأن فيها لمسة فنية معمارية... ويوجد منطقة اسمها"جي بي آر"جميرا بيتش ريزيدنس مصممة على الطراز الأوروبي، هي عبارة عن طريق من اتجاه واحد على اليسار مطاعم ومقاهٍ وبعض المحال التجارية، وعلى اليمين شاطيء"جميرا"وبعض الفنادق، والمشي فيها رياضة وتسلية، كما يمكن التمشية في قارب على البحر، ولحسن الحظ كان افتتاح حديقة الزهور المعجزة في دبي خلال وجودي فيها، وبالطبع لم أُضع فرصة الذهاب لها، وقضيت فيها وقتاً ممتعاً جداً بين الزهورالملونة التي تم تنسيقها بأشكال بديعة ومتنوعة، بحيث لا تشعر بالملل أبداً وإنما بالسعادة الممزوجة بعبير الزهور. عموماً كل شيء في دبي أعجبني إلا شيئاً واحداً ? عشان الحلو ما يكمل ? وإن كان هو دليلاً جيداً على النظام لكنه متعب، وهو انتظار سيارات الأجرة في طابور طويل قد يستمر ساعة! والتاكسي عندنا يقف حتى في نصف الشارع، لكن عندهم توجد أماكن مخصصة، ولا يمكن أن تقف في مكان آخر، وقد أنزعجت ليس لعيب فيهم ولكن لأننا لم نَعْتد ذلك. مقالتي لا تكفي لكل ما رأيته هناك لكنها فقط مقتطفات، ومن الملاحظات المهمة أني لم أرَ أي متسول في أي مكان، ولا أحد يركض خلفك، أو عند إشارات المرور، وحين سألت قيل إن أي شخص يُقبض عليه متلبساً بالتسول يسفر فوراً إلى بلده، وربما يدفع غرامة أيضاً! وأتمنى أن يطبق هذا في بلدنا لنرتاح من قوافل المتسولين الذين يلاحقوننا في كل مكان. ولأني ذهبت إلى دبي بالخطوط السعودية، فقد أتحفونا كعادتهم في رحلة الذهاب، فبعد أن ركبنا الباص ? المنقرض في كل العالم إلا عندنا ? ومشينا مسافة أعادونا للمطار بحجة أنه يوجد عطل في الطائرة، وانتظرنا ثلاث ساعات وأكثر من دون أن يعتذر لنا أحد أو يخبرنا ما هو الموضوع ومتى ستقلع الطائرة؟ وأخيراً سافرنا ووصلنا دبي بالسلامة، أما رحلة العودة فهي أفضل لأنه لم يحدث تأخير، كما أنه كان على متن الرحلة شخص هوّن علينا تعب السفر هو رئيس المشرفين واسمه"نبيل باحارث"بتعامله الراقي ودمث أخلاقه وروحه المرحة مع كل المسافرين، ولأنه من الحق أن يقال للمحسن أحسنت وجدت من واجبي أن أذكره ليكون مثلاً لغيره من المضيفين رقم الرحلة sv551 لمن يهمه الأمر. كما جلست بجانبي سيدة لطيفة اسمها"آسيا عيد"تعرفت عليها ولم أشعر بالوقت معها، وكما يقال الرفيق قبل الطريق، لأن وجود شخص ممل أو مزعج بجوارك ينكد عليك أي رحلة. قبل ختام المقالة سمعت أن الشيخ راشد، رحمه الله، زار جدة قبل 25 عاماً وقال"ليت دبي تصير مثلها"، ولو أنه لا يزال حياً وزارها الآن لقال: الحمدلله أنها لم تصر مثلها، بل صارت أفضل بكثير... ولأني من سكان جدة فلا أجد ما أقوله إلا:"صبرٌ جميل والله المستعان". [email protected]