قبل أن تدير الشمس وجهها الملتهب، ومع دخول الربيع بدأ الجداويون الدخول في دوامة"الظمأ"، ليشكلوا قائمة طويلة من الانتظار طمعاً في قطرة تسكن جوف خزانات المياه، لتستمر الحياة مع إكسيرها، والسبب الأول في العيش. ولا يزال تجمع أهالي محافظة جدة على أشياب العزيزية في وسط المدينة قائماً، إذ يصفه عدد من الحضور ب"الأكثر ازدحاماً"نظراً للإقبال الكبير من جانب الأهالي على الأشياب، طلباً لصهاريج المياه بعد انقطاع الضخ لخزانات المنازل، بيد أن الشركة الوطنية للمياه عزت التجمع إلى تنظيم جديد لحركة سير الشاحنات ما جعل الإقبال كبيراً على الأشياب، نافية وجود أي أزمة. وداخل أشياب العزيزية التي تعد من أهم الأشياب وأكبرها في محافظة جدة في تقاطع طريق الأمير محمد بن عبدالعزيز التحلية مع طريق المكرونة، يحتشد عدد كبير من المواطنين داخل سور الأشياب عبر طوابير طويلة للانتظار تحت مظلات لا تخلق الفارق في تحمل الأهالي لحرارة الشمس التي بلغت نحو 33 درجة مئوية بحسب الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، مقسمين إلى ثلاث مجموعات مواطنين، أجانب، ونساء. وفي جولة ل"الحياة"على أشياب العزيزية التقت برجل ستيني يتكئ على عصاه، رفض الحديث مع الصحيفة غاضباً، واكتفى بالقول"أنا رجل تخطيت ال60 عاماً، وما زلت أنتظر الصهريج منذ قرابة الساعتين ولا جديد"، رغم أن المسن لم يلتزم بطوابير الانتظار إلا أنه استطاع أن يكسب تعاطف المنتظرين الطالبين للماء. ويرى المواطن صبري الجحدلي خلال حديثه إلى"الحياة"أن الانتظار يطول في طلب صهاريج المياه منذ الأسبوعين الماضيين، موضحاً أن المياه انقطعت عن بيته منذ نحو 15 يوماً، انقطاعاً غير مستمر، بيد أن الضخ أقل بكثير من الطلب اليومي في المنزل. وأشار الجحدلي الذي يقطن في حي المحمدية شمال جدة إلى طول فترة انتظاره التي تجاوزت ساعتين، بصحبة سائقه الآسيوي الذي قدم معه ليرافق سائق الصهريج إلى المنزل، مضيفاً أنه يعاني من حرج في دوامه الرسمي إذ يضطر للاستئذان كل يومين إلى ثلاثة أيام في وقت الذروة، وأنه يشارك جيرانه جلب الصهاريج، فالأدوار موزعة عليهم لملء خزان العمارة الاحتياطي الذي تتقاسمه ثماني شقق سكنية. من جهته، ينتهز عبدالله الغامدي فوضى الازدحام ليطلب ثلاثة صهاريج باسمه وباسم اثنين من إخوته بالهويات الوطنية دون حضورهما، إذ يتطلب طلب الصهريج تقديم إثبات الهوية لموظف الشركة، وفي وسط الازدحام لا يكون التركيز منطقياً لتسير أعداد الراغبين في الصهاريج بسلاسة. وأوضح الغامدي ل"الحياة"أنه قليل الصبر، إذ اضطر لمغادرة طوابير الانتظار ثلاث مرات في الأيام الماضية، بيد أنه مصر هذه المرة لينال ثلاثة صهاريج احتياطاً، كما يقول، ليسد حاجة عمارته في حي المشرفة جنوبجدة بالماء الكافي. في المقابل حاولت"الحياة"الاتصال بمدير شركة المياه الوطنية في مدينة جدة المهندس عبدالله العساف للاستفسار حول الازدحام في أشياب العزيزية، وانقطاع وصول المياه إلى كثير من المنازل في أحياء متفرقة في المحافظة الساحلية، بيد أنه لم يتجاوب مع اتصالات الصحيفة المتكررة. وفي تصريح سابق لمدير الشركة قبل خمسة أيام، أكد ل"الحياة"أن الازدحام في الأشياب يأتي نظراً لجدولة جديدة لخروج شاحنات الصهاريج بعد اتفاق الشركة مع إدارة المرور، نافياً وجود أي أزمة. ... وسوق سوداء للأرقام تجاوزت ال 400 ريال ! الحاجة إلى الماء دفعت أشخاصاً من الموجودين في أشياب العزيزية برغم امتداد صفوف الانتظار في محطة تسليم الصهاريج، إلى عرض مبالغ مالية تصل إلى 400 ريال، طمعاً في الحصول على رقم يقصر بُعد المسافة للحصول على الصهريج. وأوضح بندر محمد أحد سكان حي المروة ل"الحياة"أن أحد الموجودين في أشياب العزيزية أمس، قدم لأخيه عرضاً مالياً يطلب منه بيع رقمه في قائمة الانتظار عند اقتراب دوره في الوصول إلى تسلم الصهريج، لافتاً إلى أن الشخص قدم مبلغاً يقدر بنحو 400 ريال، إلا أن أخاه رفض العرض المقدم. وأكد أن أخاه أصر على الاحتفاظ بالرقم حتى لو أغراه الطرف الآخر بتقديم 500 ريال، وبخاصة أن صبره نفد بعد انتظار دام لأربع ساعات، للحصول على صهريج الماء، لملء خزان المياه في مسكن يحوي نحو 33 شقة سكنية، مبيناً أن العروس تمر بأزمة مياه في كل عطلة رسمية. نساء يشاركن"العطاشى"اللهفة إلى"الساقي"! قبل أن تشارك جموع العطاشى لهفتهم واشتياقهم إلى الساقي، و قبل أن تبدأ في قلب ساعة صبرها الرملية في انتظار المنقذ الأبيض متشحة بالسواد، تسير أم وعد برفقة أطفالها الثلاثة، الذين لا يتجاوز أكبرهم ال12 من العمر، نحو نقطة تسلم الصهاريج بعد انتظار استمر نحو 60 دقيقة للحصول على رقم يؤهلها للدخول ضمن الفرقة الناجية، وإرواء ظمأ خزان منزلها الشعبي في منطقة"غليل"جنوبجدة. وعلى رغم قرب محطة تحلية المياه في منطقة كيلو 14 إلى الغرب من طريق ميناء جدة الإسلامي، إلا أن أم وعد فضلت اللجوء إلى محطة العزيزية، وأخذ الصهريج منها على تلك القريبة، معللة ذلك في حديثها إلى"الحياة"على وجود الأمن هنا في وسط المدينة، كونها العائل الوحيد لأسرتها الصغيرة، وعدم وجود رجلٍ يستطيع توفير حاجتهم من الماء هناك. وتوفر الشركة الوطنية للمياه رقماً مجانياً لطلب صهاريج المياه، إلا أن اتصالات أم وعد المتكررة على الرقم المجاني لم تجد أذناً مصغية، وصدىً يرجع صوت سؤالها سوى وعود بالانتظار. وأضافت أم وعد"قبل نحو ثلاثة أيام من الآن، هاتفت الرقم المجاني المخصص لطلب صهاريج المياه، بعد أن استنفدت آخر قطرة من الماء، وكان ردهم علي بالانتظار ل 17 ساعة قبل الحصول على الصهريج ففضلت الانتظار، إلا أن اتصال الشركة لم يرد ففضلت المجيء بنفسي إلى هنا لاصطحاب الصهريج"، متوقعة أن يكلفها اصطحاب الصهريج إلى منزلها ساعات من الانتظار، لكثرة العطاشى في محطة العزيزية، إضافة إلى عدم وجود"تمييز"للمرأة، بحسب قولها.