من المُسّلم به أن السلطة الحاكمة تلعب دوراً أساسياً في مصير الأوطان، فهي إما أن تبني أمة عظيمة، إن كانت سلطة مؤسسات تقوم على مبدأ فصل السلطات، واحترام سيادة القانون، وتحقيق مبدأ العدالة والمساواة، أو أنها تتسبب في هدم بنيان الأمة وكل ما أنجزته خلال سنواتها الطويلة، إن كانت دولة تسلط واستعباد، تقتل وتهدم بنيان الوطن، كما هي عليه الحال لدى بعض أنظمتنا العربية المستبدة، ومنها النظام السوري التسلطي، الذي قام منذ انقلابه المشؤوم في بداية السبعينات من القرن الماضي على ثلاثية: الاستبداد، القمع والإقصاء ورعاية الفساد، لذلك فإن أردنا أن نعرف لماذا انهار النظام السوري؟ ولماذا فشل وعجز عن الاستمرار في التحكم بمصير البلاد والعباد وتجنيبها كل هذه المآسي والويلات، على رغم تحصنه بأعتى الأجهزة القمعية المتسلطة التي تبلغ من الشراسة ما لم تبلغه أي أجهزة في العالم؟ نقول إذا أردنا التعرف على أسباب هذا السقوط المدّوي، سندرك عندها بما لا يدع الشك، لماذا وقعت الفأس بالرأس؟ ولماذا حلّت كل هذه المصائب على هذا الوطن ورؤوس أبنائه أجمعين؟ وكي نتعرّف على حقيقة الأسباب التي أوصلت هذا النظام للحال التي هي عليها الآن من ضعفٍ وهوان ومن ثم قابليته للسقوط، فإنه لا بد لنا من العودة لما كُتب عن أسباب سقوط الدول، ومن أبرز من كتب عن ذلك هو"ابن خلدون"الذي يعتبر أن من أهم هذه الأسباب هي: الاستبداد، سوء اختيار الأعوان، الترف والفساد الأخلاقي، الظلم، عدم تمييز العدو من الصديق، ضعف الأساس الذي قامت عليه الدولة، الكيد الخارجي على الدولة، ضعف الرقابة على المسؤولين، فساد الاقتصاد، بينما يرى المؤرخ البريطاني توينبي أن الدولة عندما تصل إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستجابة للتحديات التي تجابهها، فإنها تدخل في مرحلة الانهيار. من استعراض مجمل ما ذكر من أسباب سنجد أن مجرد أن يحل أحدها في أمة أو دولة، مهما كان حجمها وقوتها من دون أن تعمل على مقاومته والحد من انتشاره، فإنه سيلحق بها بطبيعة الحال الضعف والوهن المؤديان للتهلكة والسقوط، فكيف بها إن اجتمعت واحداً بعد آخر، كما اجتمعت في بنية وهيكلية النظام السوري الحالي، الذي بنى إمبراطوريته على التسلط والاستبداد ونهب المال العام ورعاية الفساد وحماية المفسدين الذين بلغوا من السطوة أن أحدهم أصبح يملك أكثر من 60 في المئة من اقتصاديات البلاد التي لا تزال ترفع شعارات التقدم والاشتراكية، إضافةً لسوء اختيار فقهاء السلطة ومنسوبيها الذين لا همّ لهم سوى إرضاء الأجهزة الأمنية وسطوتها، حتى باتت السمة العامة لإدارات الدولة ومؤسساتها ومفاصلها المختلفة"هي أن الموظف السيء يطرد الموظف الجيد من الوظيفة العامة"، كما بنيت تلك الإمبراطورية على سياسة الإقصاء والظلم والجور الذي لحق بأبناء الوطن، ممن شُرّدوا واعتقلوا وتغرّبوا وحرموا من الوظيفة العامة أو فصلوا منها دونما سبب، سوى مجرد القيام بالإشارة لبعض مواضع الخلل والفساد، كما حصل مع بعض أعضاء مجلس الشعب"رياض سيف ومأمون الحمصي"، كذلك ممن وقعّوا على إعلان بيروتدمشق عام 2006 وغيرهم الكثير، تحول هؤلاء على أثرها من أبناء الوطن لأعدائه بامتياز، عندما صدرت بحقهم مختلف القرارات الجائرة وشتى الأحكام القضائية المسيّّسة. ثم أخيراً ليس بخافٍ على القاصي والداني مدى أهمية موقع سورية الجيوسياسي المهم، ودورها الريادي في المنطقة التي اختطته منذ عهود الاستقلال، وجعل منها مطمعاً وهدفاً للقوى المعادية من صهيوغربية وشرقية على السواء في آن أخذت تتربص بها على مر السنين. مما سبق نستطيع القول إن سياسة التسلط والقمع والإقصاء وحماية الفساد والفاسدين، ومصادرة استقلالية القضاء، وما نتج عن ذلك من خرق فاضح لحقوق الإنسان وغياب مبدأ العدالة والمساواة، إلى جانب تلاشي فرص الإصلاح، كل ذلك أدى لتراجع ثقة الشعب، بل تذمّره من قياداته السياسية والإدارية المتهرئة، من مجلس شعب ووزراء وبقية مفاصل الدولة من مدنية وعسكرية وقضائية على السواء، وبطبيعة الحال فإنه عندما تغيب العدالة ويستشري الفساد بين جميع إدارات الدولة ومكوناتها كافة فإنه تتلاشى معها فرص الإصلاح وتنعدم الثقة بسلطات الدولة وأركانها، وتتحول الدولة عندئذٍ لمنطق السمك،"الكبير يأكل الصغير"، وبذلك تكون مقدمات الانهيار بدأت تلوح فعلاً ولا يهم حينئذ عمر هذه السلطة وقوة حزامها الأمني، سواء كانت تعود لقرون أم حديثة الولادة، فالنتائج الكارثية ستكون واحدة، لأن المسار الخاطئ لا يؤدي بالنتيجة إلا إلى نتائج خاطئة، وبالتالي يكون النظام، وفقاً لما سبق، قد زرع بيديه بذور فنائه، ومن ثم وحده من أسقط نفسه، قبل أن يَجُر البلاد إلى ما تشهده من مآسٍ وويلات. فوزي مهنا محامٍ سوري