شهدت مكتبة الإسكندرية عقد الندوة الدولية الرابعة لتاريخ الطباعة والنشر بلغات الشرق الأوسط وبلدانه التي نظمها مركز الخطوط التابع للمكتبة في الفترة من 27 حتى 29 أيلول (سبتمبر)، بمشاركة باحثين من المغرب والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا وألمانيا وأرمينيا والأردن والسودان وتونس وأذربيجان وفرنسا والبحرين والجزائر وكندا وإيطاليا ولبنان وتركيا واليمن. وجاءت الندوة استمراراً للندوات الدولية الثلاث السابقة التي عُقدت في متحف غوتنبرغ في مينز عام 2002، وفي مكتبة فرنسا الوطنية في باريس عام 2005، وفي جامعة ليبزغ في ألمانيا عام 2008. افتتح الندوة مدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين وسفير جمهورية أرمينيا لدى مصر أرمين ملكونيان والدكتور جيفري روبر الخبير في مجال البيبليوغرافيا الإسلامية ومؤسس سلسلة الندوات الدولية للطباعة والنشر. وشهدت الندوة افتتاح معرض الخطوط العربية الرقمية ومعرض المطبوعات الأرمينية القديمة. وقال سراج الدين إن الندوة تهدف في الأساس إلى إعادة توجيه الأنظار إلى قيمة دراسة تاريخ الطباعة والنشر، وتسهيل تبادل المعرفة والخبرات في هذا المجال بين العلماء والباحثين. وأكد أن مناقشة موضوع الطباعة بلغات بلدان الشرق الأوسط في الإسكندرية تحديداً تقدم فرصة كبيرة لعلماء الوطن العربي والشرق الأوسط للمشاركة في هذا المجال. ولفت سراج الدين إلى أن الندوة تحتفي في دورتها الحالية باختيار مدينة يريفان الأرمينية عاصمة عالمية للكتاب 2012، وذلك من خلال تخصيص جلسة خاصة بالندوة حول الطباعة الأرمينية. وقال روبر ان دراسة تاريخ الطباعة تعتبر مُهملة في مقابل الاهتمام الزائد بدراسة المخطوطات، مؤكداً أن الطباعة تُعد من أهم جوانب تاريخ النشر ولا يمكن الاستغناء عن دراسة تاريخها. وأضاف: «موضوع الندوة هذا العام له أهمية خاصة، للتعرف الى الدور البارز للطباعة في إحداث النهضة في بلدان العالم العربي والشرق الأوسط». تناولت فاعليات الندوة مجموعة من المحاور التاريخية منها: الطباعة العربية بلغات الشرق الأوسط في بلدان الشرق الأوسط والشرق الأقصى وأوروبا وإفريقيا والأميركتين، والطباعة ودورها في التواصل الحضاري والثقافي، وأشكال وتقنيات الطباعة التراثية، والمتاحف الطباعية التراثية، ومطبوعات الجاليات والأقليات. كما شملت مجموعة من المحاور التقنية؛ مثل: الخطوط الرقمية الطباعية (التراثية/الحديثة)، والوسائط الطباعية المتعددة (تقنيات النشر والطباعة الحديثة بلغات الشرق الأوسط)، والمتاحف الطباعية الافتراضية/التخيلية. وعرضت الندوة للمرة الأولى نماذج من المطبوعات المصرية قبل ظهور مطبعة بولاق. وألقى روبر محاضرة بعنوان «الطباعة في مصر قبل مطبعة بولاق» تحدث فيها عن نشأة الطباعة في مصر قبل عام 1820؛ وهو عام إنشاء المطبعة الكبرى في مصر «مطبعة بولاق» التي أنشأها محمد علي. وشهدت الندوة مشاركة مغربية واسعة النطاق، وتم تخصيص جلسة خاصة حول تاريخ الطباعة في المغرب، شاركت فيها مجموعة من الباحثين المغاربة تناولوا المطبوعات الحجرية في المغرب، والأبعاد والانعكاسات السياسية والثقافية والاجتماعية للمطبعة في المغرب، وأسلوب إخراج المطبوعات وأحجامها وأشكالها وزخرفتها، وتاريخ دخول الطباعة بأنواعها إلى المغرب، والخطوط التراثية والحروف السرية في الفنون الإسلامية في المغرب الأقصى قبل عصر المطبعة الحجرية. تاريخ الطباعة في الهند وكشفت الندوة عن تاريخ الطباعة في الهند؛ وألقى الباحث الهندي تشاندر شيخار محاضرة حول «طباعة الكتب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في الهند» واستعرض كيف ومتى جاءت المطبعة إلى الهند، وأولى المطابع التي تولت طباعة الكتب في الهند، وأولى المطبوعات التي تمت طباعتها، ودور مطبعة «نوال كيشور». وألقى نائب مدير مركز الخطوط في مكتبة الإسكندرية أحمد منصور محاضرة بعنوان «نشر الخطوط الحاسوبية القرآنية: خط مصحف مطبعة بولاق نموذجاً»؛ تناول فيها العلاقة بين الخط العربي والتقنيات الحديثة، وكذلك كيفية رقمنة خط مصحف مطبعة بولاق. أما «حياة نابليون» أوّل كتاب تونسي طُبع في باريس عام 1856م، فكان موضوع دراسة للباحث ابراهيم جدلة - المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات في تونس، استعرض فيها محتوى الكتاب والظروف التي حامت حوله وتدخل القنصل الفرنسي في تونس آنذاك لإنجاز ذلك، اذ كان أحمد باي حاكم تونس مبهوراً بشخصيّة نابليون، وعندما تولَّى الحكم بادر الى تأسيس مدرسة عسكريّة وطلب من أول مدير لها أن يؤلِّف كتاباً عن سيرة نابليون، وبحكم عدم وجود مطبعة في البلاد تمَّ طبع هذا الكتاب في باريس عام 1856. وبعنوان «تحريم الطباعة في الدولة العثمانية بين النظرية والتطبيق» أشار الدكتور جمال الوكيل - جامعة طنطا - الى انه بعد أكثر من خمسة وثلاثين عاماً من تدشين «غوتنبرغ» لاختراعه المدهش، أُثير ذلك الأمر في بلاط السلطان العثماني بايزيد الثاني ثامن سلاطين بني عثمان، بغرض استيراد ذلك الاختراع، إلا أن فقهاء الدولة العثمانية أصدروا فتوى بتكفير من يقوم بذلك وكانت حيثياتهم في ذلك أنهم خافوا من تحريف القرآن، فضلاً عن بعد اجتماعي واقتصادي مفاده أن القضاء على الكتابة بالخط العربي سيحرم فئات كبيرة من مصدر رزقها؛ أما على المستوى السياسي، فإن السلطان بايزيد الثاني نفسه قاوم بشراسة ذلك الاختراع وأصدر مرسوماً بتحريمه على رعايا الدولة العثمانية؛ ولكن تم استثناء اليهود من الفرمان السابق فسارعوا الى طباعة ترجمة عربية للتوراة وكذلك مبادئ تعلم العبرية، وذلك عام 1494م. وجاء التطور الثاني في منتصف القرن الثامن عشر؛ اذ ان سفير الدولة العثمانية في باريس وهو محمد الجلبي نجح في إقناع الفقهاء والسلطان بإصدار فتوى بطباعة الكتب غير الدينية فقط عام 1728، ولكن عندما لاحظ الفقهاء انتشار كل الكتب العلمية ورخص أسعارها أصدروا فتوى تجيز طباعة الكتب الدينية وكذا طباعة القرآن الكريم وتجليده، ما سمح بانتشار المطابع في شكل كبير وتطورها. وفى دراستها «أضواء على صناعة الوراقة الإسلامية في بلاد ما بين الرافدين ومصر في القرن السابع الهجري»، تناولت الدكتورة سحر عبدالعزيز سالم - جامعة الإسكندرية تطور مهنة الوراقة وفن الخط وأشهر الخطاطين والكتَّاب في بلاد الرافدين منذ القرن الثالث الهجري، والوراقة ومدارس الخط في مصر منذ القرن السابع الهجري، وأشهر الكتاب والخطاطين والورَّاقين في مصر في القرن السابع. وتناول سلطان بن مُبَارَك بن حَمَد الشَّيْباني من سلطنة عُمان «الطِّبَاعَة العَرَبِيَّة فِي الشَّرْقِ الإِفْرِيقِيّ»، لافتاً الى ان «المطبعة السلطانية في زِنْجِبَار» تُعَدُّ من أقدم المطابع في الشرق الإفريقي؛ إن لم تكن الأولى على الإطلاق. أنشأها السلطان بَرْغَش بن سعيد بن سلطان (1287- 1305ه/ 1870- 1887م) في زنجبار عام 1297ه/ 1880م، واستقدم لَهَا عُمَّالاً لبنانيين لإدارَتِهَا وتشغيلها، وتدريب الموظفين على استعمالها، وإصدار الأوراق الرسمية للدولة، كالمراسيم والقرارات وأوسمة الشرف وسجلات القضاء والعهود الدولية وعقود المعاملات والمراسلات الديوانية. تطور المطابع في القدس وعن «تطور المطابع في القدس ودورها في ترسيخ التواصل الحضاري منذ 1830-1900م» أشارت سوسن الفاخري - الأردن الى ان ظهور أول مطبعة عربية مصنوعة كان في براشوفا في رومانيا عام 1700م؛ وشُغِّلت للمرة الأولى في البلاد العربية في مدينة حلب عام 1706م، وكانت مقتصرة تماماً على الكتب الدينية. ثم كانت فلسطين مهد ولادة الطباعة الثانية في الديار الشامية عام 1830م؛ حيث تأسست أول مطبعة في القدس، وكانت مطبعة يهودية يملكها نسيم باق، وقد عرفت باسمه واقتصرت على طباعة الكتب التاريخية، ومن ثم بدأت المطابع في الازدياد، فقد أنشئت بمبادرات من المسؤولين في الكنائس والأديرة المسيحية، وأنشئت المطابع العبرية باهتمامات من الفعاليات اليهودية لأغراض دينية؛ ومع أن تلك المبادرات والاهتمامات أعطت المطابع ألواناً طائفية أو هوية دينية، فإنها شجعت على أن تقوم الى جانبها وبمنافستها مطابع ذات صفة ملكية شخصية. وتناول محمد هشام النعسان - معهد التراث العلمي العربي - جامعة حلب «أشكال وتقنيات الطباعة التراثية في حلب الشهباء في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين»، اذ عرفت حلب فن الطباعة منذ فجر العصر الحديث، وكانت أول مدينة سورية تمارس هذا الفن، وأول مدينة في الشرق تعرف الطباعة بالحروف العربية. ووصلت الطباعة إليها من طريق رجال الدين، وهو الطريق الذي سلكته إلى أقطار الشرق عموماً، وقيل: «السوريون أسبق المشارقة إلى الطبع بالأحرف العربية، وأسبق المدن إلى هذا الفضل حلب»، ويذكر المؤرخ عيسى إسكندر المعلوف «أن للحلبيين اليد الطولى في صناعة الطباعة، فالثابت منذ القديم أن لهم يداً بيضاء في فن الطباعة وإنشاء المطابع، ولهم خدمات في مضمار العلم والأدب». فقصة حلب مع أشكال وتقنيات الطباعة إذاً قصة قديمة، تعود إلى أواخر القرن السابع عشر. واستعرض وهيبة بن حدو - جامعة أبي بكر بلقايد - الجزائر «نشأة الطباعة في الجزائر» لافتاً الى ان أول مطبعة عربية جزائرية ساهمت وأدت دوراً كبيراً في طبع التراث العربي الإسلامي ونشره هي «المطبعة الثعالبية»، وسُميت بهذا الاسم نسبةً إلى العلامة عبدالرحمن الثعالبية، وقد أسسها عام 1214ه/1895م رودوسي قدور بن مراد التركي وهو تركي الأصل. وقد ساهمت في نشر التراث المشرقي، وعلى سبيل المثال: طبعت عام 1903م كتاب «متن خليل في الفقه». أما بالنسبة الى الكتب التي طبعت في المطبعة الثعالبية والخاصة بالجزائريين فنذكر منها: «إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن» لمحمد بن علي السنوسي، طبع عام 1914م. والجدير ذكره أن مطابع أخرى ظهرت بعد «المطبعة الثعالبية» كمطبعة النجاح عام 1919م، لصاحبها عبدالحفيظ بن الهاشمي.