من يشاهد الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التجارة، ممثلة بوزيرها يدرك أن هناك أناساً تتوق للعلياء، ولا تألوا جهداً أو طاقة، ولا تبخل بوقتها لخدمة الوطن والمواطن. فوزير التجارة للمنصف كالشمعة في وسط الظلام، والظلام هنا هو الظلام التجاري الذي لا تدرك أين موقعك في سردابه، ولا تبصر نور أوله و آخره كمستهلك. فمفاتيح الإنارة معطلة بأيدي التجار الكبار، ولا عليك إلا أن تمضي حيث تكون مكاسبهم التجارية الجشعة. وزارة التجارة ووزيرها يركضان ويقدمان ويحاولان، لكن من أين بداياتهم؟ وما أولوياتهم؟ لا تعرف. فمثلاً لا حصراً نجحت جهودهما بامتياز في حملة تعريب الفواتير والنصف ريال ووضع السعر، لكن فشلا في الأولويات، فهذه الحملات ليست ما تنكد المستهلك، ولا تعني له شيئاً، فماله مهدور، وما زال مربوطاً بأنياب التجار، ينهشون منه ما يشتهون بلا حسيب أو رقيب. وزير التجارة افتتح قبل حوالى عام مصنع سيارات إسوزو، بعد أن قدم لهم الدعم المادي والمعنوي والتسهيلات، وذلل لهم العقبات. إلا أن المستهلك يتساءل، لماذا قيمة السيارة في السوق ما زالت كما لو كانت في السابق مثلها مثل المستوردة؟ بمعنى أن رفع الضرائب ومجانية الدعم والتسهيلات التي قدمت للوكالة لم تنعكس إلا على مردود الوكالة المادي وربحيتها، ولم يلمس المستهلك أية فائدة أو فرق! ولا أظنه سيلمس إلا زيادة بالسعر. أتمنى أن أصحب وزير التجارة في رحلة داخل وخارج المملكة، بعيداً عن الرسميات، رحلة لا تتجاوز مدتها 10 أيام، نزور فيها عدداً من المتاجر بالداخل والخارج. ستقف على حقيقة ما يعني منه المستهلك هنا، وهو أن المملكة التي ليس فيها ضرائب بلدية ولا تجارية ولا مالية ونسبة الضرائب الجمركية رمزية جداً، مقارنة بالخارج. الأسعار لدينا للأصناف نفسها تقدم بقيمة مالية أعلى بكثير عن الخارج، علماً بأن المنتج بالخارج يمتاز بجودة ومقاييس أكفأ من هنا. عن تجربة شخصية، كنت في لندن قبل أسابيع، دخلت عدداً من متاجر الملابس النسائية العالمية التي توجد لدينا فروع لها بكل مدينة ومحافظة. ووجدت فرقاً شاسعاً في السعر بين هنا وهناك، على رغم أن لديهم ضرائب مالية كبيرة، سواء بلدية أم تجارية أم جمركية أم مالية، وقيمة الرواتب لموظفيهم والعمالة أكثر من هنا، ومع ذلك يكون سعر المنتج للمستهلك أقل من عندنا بكثير، والحال نفسه وقفت عليه في البحرين قبل أيام. حتى على مستوى أسعار الأغذية والدواء هم يقدمون ذات المنتج بسعر أقل! ناهيك عن فن وذوق ولطف رعايتهم بالعملاء وجدية الضمان المقدم. كل شيء أجده مختلفاً، لا تمتاز السوق السعودية عن الخارج إلا بسعر منتجات التبغ والدخان التي تباع لدينا بسعر زهيد جداً، لا يكاد يذكر، مقارنة بالخارج الذي تصل قيمة المنتج بالحجم نفسه وللاسم ذاته بما يزيد على نسبة 700 في المئة وفرق السعر لديهم يكون لمصلحة وزارتي التربية والتعليم والصحة، للحد من هذه الظاهرة السلبية والضارة. معالي وزير التجارة، أرجو أن تقبل دعوتي لرحلة شخصية، بعيداً عن البروتوكولات والرسميات. لا أريد إلا أن أصحبك لمتاجر لندن والمنامة والرياض وجدة، وإن سمح وقتكم سأرافقك لتقف على سعر السيارات من المصانع الألمانية أو اليابانية التي تسلمها لك بجدة أو الدمام بمواصفات أعلى مما تقدم هنا، حينها ستتغير كثير من الأولويات والاستراتيجيات، وستثمر جهودك وحماستك الواضحة في شكل أكبر وأنفع للوطن والمواطن، فما تقدمه من جهد أنت ووزارتك طاقة مهدرة نتعشم باستغلالها يوماً ما، وإلا سيكون حال وزارة التجارة"أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه". عصام الغفيلي - الرس [email protected]