ينسب مصطلح"تصفير المشكلات"- بحسب علمي - إلى وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، وهو أحد المبادئ الستة التي ذكرها في كتابه"العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية"، ويعني أوغلو بتصفير المشكلات ألا تكون لتركيا أية مشكلات مع جيرانها. وعلى رغم أن مصطلح أوغلو يبدو إلى الخيال و"اليوتوبيا"أقرب منه للواقع الفعلي، إذ لا يمكن تصور سياسة وجوار من دون مشكلات في منطقة تتنفس المشكلات مع كل شهقة وزفرة. عموماً، وبعيداً عن الاستخدام السياسي الذي ورد المصطلح في سياقه، وإذا ما اتجهنا للاقتصاد، فإن السؤال الذي يمكن طرحه هو: هل يمكن تصفير مشكلات الاقتصاد؟ وللحصر، فإن هذه السطور ستركز على الاقتصاد السعودي. ويقصد بتصفير المشكلات في الاقتصاد السعودي القضاء على المشكلات المزمنة والمتراكمة التي فاق بعضها ال20 عاماً. وللتذكير، فإن مشكلات الاقتصاد السعودي المتراكمة تتمثل في البطالة، وأزمة السكن، وغلاء الأسعار، وما ينتج من هذه المشكلات من زيادة نسبة الفقر، وضعف وتناقص الطبقة الوسطى. كما دخلت أخيراً إلى القائمة مشكلة تعثر وتأخر المشاريع وتسليم بعضها بمعايير جودة لا تتفق مع ما وقّعت به العقود. وللتذكير أيضاً، فقد استطاعت السعودية تصفير مشكلة القبول في الجامعات، وهي إحدى المشكلات التي عانى منها السعوديون طويلاً. ولكن حينما وجدت الأموال والإرادة تم حلها بكل يسر بزيادة عدد الجامعات من سبع فقط إلى 25 جامعة، وفتح برنامج الابتعاث للخارج. وما يدعو إلى البحث عن تصفير مشكلات الاقتصاد السعودي هو أن عوامل الحسم في إنهاء هذه المشكلات متوافرة، وتتمثل في توافر المادة، والدعم المادي والمعنوي من أعلى مستوى في البلد متمثلاً في أوامر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ولو تابعنا كل مشكلة على حدة لوجدنا أن هناك دعماً كبيراً، ولكن النتائج والإنجازات على أرض الواقع لا تعكس هذا الدعم. وعلى سبيل المثال، فوزارة الإسكان خصص لها مبلغ ضخم قدره 250 بليون ريال لحل مشكلة الإسكان في السعودية. ولكن نتاج الوزارة على الأرض ما زال غير حاسم. وعلى رغم كثرة الوعود والمؤتمرات والرسائل التي وجهتها الوزارة إلى السوق، إلا أن فاعليتها ما زالت ضعيفة. فالمشكلة ما زالت قائمة، والحلول إلى اليوم غير مؤثرة. في ما يخص البطالة، ما زالت وزارة العمل وعلى رغم جهودها غير قادرة على السيطرة على السوق. وعلى رغم أن حملة التصحيح وبرنامج"نطاقات"أسهما في توظيف أعداد جيدة، إلا أن الوظائف التي تعرضها الوزارة ما زال ينظر إليها على أنها موقتة، كما أن عدم تنظيم السوق وتحديد ساعات العمل، خصوصاً في مجال تجارة التجزئة، جعلا هناك إحجاماً وتسرباً من الوظائف، خصوصاً من العنصر النسائي، وهو العنصر الذي تصل بطالته إلى أرقام كبيرة. في ما يتعلق بالتضخم، فالأرقام ترتفع بسبب زيادة الإنفاق والضخ الحكومي على مشاريع البنية التحتية. ولكن السياسة النقدية شبه جامدة، وكان الأجدر في مثل هذا الوضع رفع كلفة الإقراض لتقليل السيولة، بحيث لا يرتفع التضخم، وهو ما لم يحدث. والملاحظ أيضاً أن المواطن لم ينله شيء من هذا الإنفاق، فالعقود توقّع مع شركات وتجار كبار يستخدمون عمالة أجنبية لتنفيذ المشاريع، فبقي المواطن متفرجاً ينتظر انتهاء هذه المشاريع لينال نصيبه منها. ولذا فإن أي تأخر أو تعثر في إنجاز المشاريع - وهي الأزمة التي حلت حديثاً - يعني ضغطاً أطول على أرقام التضخم لتستمر وتتزايد، وتتأخر استفادة المواطن من هذه الفرص التي تخلقها هذه المشاريع حولها بعد بدء عملها. وبالتأكيد فإن تداخل وترابط هذه المشكلات يحتاج إلى سرعة حلحلة عقدها، ولاسيما أن الأموال والدعم متوافران، وهو ما يعني أن حل هذه المشكلات ونقلها لتكون جزءاً من الماضي هو أمر ممكن ومستطاع. وأختم بأن تصفير المشكلات لا يعني العيش في المدينة الفاضلة، فالمشكلات ستبقى ما بقي الإنسان نفسه، إلا أن طول واستمرار المشكلات المعينة والمعروفة مع توافر وسائل حلولها يعنيان أن هناك خللاً وقصوراً يجب كشفه وعلاجه. وكان المفترض أن هذه المشكلات قد تم حلها لنتفرغ لمعالجة غيرها مما يستحدث من مشكلات. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.