تعلن هذا الأسبوع موازنة 2013، وما تحقق من وفر في موازنة 2012، وهما كسابقاتهما ستكونان تاريخيتين، وكبيرتين فيما يتعلق بالأرقام المجردة. وسيكون معدل نمو السنة التي تنتهي بعد 7 أيام مقارباً ل7 في المئة، ويتوقع أن يحظى التعليم والصحة بحصة الأسد من بين قطاعات الحكومة. هذه المقدمة تكاد تكون محفوظة من جميع السعوديين، كبارهم وصغارهم، لتكرارها خلال الأعوام العشرة الماضية. وسينام الجميع سعداء مبتهجين، كعادتهم مع كل إعلان للموازنة، منتظرين انعكاس ضخامة أرقامها على تحسن مستوى معيشتهم. واقعياً، وعلى رغم أن الموازنات الكبيرة وجهت إلى مشاريع البنية التحتية، وهو ما يسهم في تنمية الوطن، وينعكس على رفاهية المواطن خلال الأجلين المتوسط والطويل، إلا أن انعكاس أرقام الموازنة على معيشة المواطن في الأجل القصير حمل بعض السلبيات، وأسباب ذلك كثيرة ومتعددة، منها: أولاً: أن ضخامة حجم الإنفاق الحكومي أسهم بجانب عوامل أخرى في رفع نسبة التضخم في الاقتصاد. ولم ترفع الرواتب والدخول بمستوى يعادل ارتفاعات الأسعار والتضخم. ولأن العائد من المشاريع العامة غير مباشر، ويحتاج إلى وقت طويل، بينما الغلاء آنيٌّ ومباشر، ويشعر الناس بعدم استفادتهم من هذه المشاريع. ثانياً: أن كثيراً من المشاريع التي نفذت أو ما زالت في طور التنفيذ، سلمت لشركات لا توظف مواطنين. فالأرض فقط هي السعودية، أما المواد فمستوردة، والعمالة أجنبية، وبالتالي وقف المواطن موقف المشاهد، من دون أن يمر على جيبه شيء يذكر من هذا الإنفاق الكبير. ثالثاً: الفساد وسوء الإدارة التي صاحبت تنفيذ المشاريع الكبيرة. والنتيجة إما مشروع متعثر أو متوقف، أو مشروع ظهرت عيوب تنفيذه بعد أيام من تسليمه. وتأخر تشغيل المشروع، يؤخر معه فرص التوظيف والتكسب التي يتيحها للمواطنين بعد تشغيله. والنتيجة تراكم، وزيادة، ومن ثم عدم حل مشكلة البطالة في الاقتصاد. رابعاً: تأخر وعدم إنجاز شيء يذكر في المشاريع التي تمس معيشة ورفاهية المواطن بشكل مباشر. وأوضح أمثلتها مشاريع الإسكان المتعثرة في كل مكان، بحسب ما تذكره تقارير كثيرة. خامساً: غياب التشريعات والقوانين التي تسهم في حل مشكلات الغلاء الذي يواجه المواطن. ومن أبرز أمثلتها عدم سن قوانين تدعم خفض أسعار الأراضي. وهذا الغلاء الذي تسبب فيه كبر حجم السيولة في البلد، ويعتبر أحد الأسباب الرئيسة لعدم إحساس الناس بأهمية أرقام الموازنة. سادساً، وأخيراً، أن تحسن الأداء في الوزارات الخدمية التي ترتبط بحياة المواطن ما زال دون المستوى. فالشكوى من التعليم والصحة والتوظيف وغيرها ما زالت كما هي، قبل فوائض الموازنة وبعدها. وطالما أن أداء هذه الجهات لم يتغير كثيراً، فلن يشعر الناس بأهمية هذه الفوائض، لأنها لم تنعكس على أداء القطاعات التي تمس حياتهم ومستقبلهم بشكل حيوي ومباشر. وحتى لا نكون سلبيين تماماً، فلا بد من التركيز على أن فوائض الموازنات الماضية أنتجت لنا جامعة في كل مدينة، ودعمت مشروع الابتعاث، الذي يعتبر أهم حسنات الفوائض المتراكمة، وخطوط الحديد التي تمد في كل أنحاء البلاد، وغيرها من المشاريع الكبيرة والمهمة لنمو الاقتصاد. أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.