أكدت دراسة سعودية أن شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت في رفع مستوى الشفافية لدى المؤسسات الحكومية وسهلت التعرف على الأزمات وفقاً لما يثيره الجمهور، غير أنها لاحظت أن جهود إدارات العلاقات العامة في رصد الآراء والاهتمام بها"اتسمت بالتواضع، وافتقرت في معظمها إلى الجهود المؤسسية". وشددت على أن وظيفة العلاقات العامة"كانت من أكثر الوظائف الإدارية تأثراً بالإنترنت كوسيلة اتصال"، لافتة إلى"عدم تمكن إدارات العلاقات العامة من الاستثمار الصحيح للشبكات في إدارة الأزمات التي تواجهها مع جمهورها". أعد الدراسة، التي حملت عنوان:"استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في إدارة أزمات العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية السعودية"، أستاذ الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية محمد الصبيحي، وشارك بها في أعمال المؤتمر ال18 للجمعية العربية الأميركية لأساتذة وخبراء الاتصال. وذكر الصبيحي في مستهل دراسته أن"وظيفة الاتصال في مفهوم العلاقات العامة لا تعني فقط إعلام الناس أو نقل المعلومات والأخبار إليهم، بل تتجاوزها إلى تحقيق الاتصال القائم على المشاركة والتفاعل بين المنظمة وبيئتها المحيطة، بهدف الوصول إلى أقصى درجات الفهم المتبادل والمعرفة المتكاملة بين المنظمة وجمهورها، وصولاً إلى رفع الكفاءة الإنتاجية للمنظمة بما يتناسب مع حاجات الجمهور ويحقق أهداف المنظمة الربحية وغير الربحية ويسهم في الوقت نفسه في بناء صورة إيجابية عنها". وأضاف:"أدت التطورات المتلاحقة في البيئة الاتصالية إلى توافر وسائل اتصال متطورة تأخذ من الإنترنت منصة لها أدت إلى تغيير ما يمكن أن يطلق عليه طبيعة المجال العام الذي يعيش فيه الأفراد، وأصبح لديهم القدرة على التعبير عن آرائهم في القضايا التي تمس حاجاتهم واهتماماتهم، وفي هذه البيئة تزايد في شكل ملحوظ استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، التي بدأت في الظهور في أواخر التسعينات بيد أنها شهدت نقلة نوعية مع انطلاقة فيسبوك في 2003". وتابع:"مكنت هذه الشبكات الأفراد في شكل عملي من اكتشاف اهتماماتهم، والبحث عن حلول لمشكلاتهم مع أشخاص آخرين مشابهين لهم أو مروا بالتجربة نفسها، فيقدموا خبرتهم وتجاربهم لهؤلاء الأشخاص، وإمكان إرسال الرسائل الإلكترونية، وتقديم معلومات كاملة وفورية عن القضية التي تهمهم، وتسهيل عملية متابعة ما ينشر أو يبث في وسائل الإعلام أو على المواقع الإلكترونية عن القضية، وتوفير المعلومات للإعلاميين عن الكثير من القضايا التي تطرحها، كما يمكن اعتبارها منبراً جديداً للتعبير عن الذات، وهو ما يزيد ثقة الفرد في نفسه، فضلاً عن الرصيد الهائل من حرية التعبير عن الرأي من دون الخوف من أية ملاحقة، كما تساعد الشبكات الأفراد في تكيفهم مع مجتمعهم والتواصل فيما بينهم، وكذلك تفيد في تحسين مستوى الخطاب والحوار بين أفراد المجتمع وإبداء الآراء من دون خوف أو وجل، وكذلك تفيد في معرفة طريقة تفكير الآخرين حيال القضايا المختلفة، واكتشاف مواهب جديدة، كما يمكن أن تفيد في دعم القرارات ما يؤدي إلى نجاحها أو معارضتها، فضلاً عن إسهامها في تحقيق التقارب الثقافي مع المجتمعات الأخرى في العالم، واختصار المسافات الاتصالية مع مختلف أنحاء العالم والإسهام في عولمة الرأي العام". وأشار الصبيحي إلى أن هذه التطورات انعكست على مجال ممارسة العلاقات العامة كوظيفة إدارية واتصالية للمؤسسات والمنظمات المختلفة،"وأصبح لزاماً على ممارسي العلاقات العامة إعادة التفكير في استراتيجياتهم الاتصالية في المؤسسات والمنظمات كافة سواء أكانت حكومية أم خاصة، إنتاجية أم خدمية". وأكد أنه"في الوقت الذي وفرت هذه الوسيلة لكل فرد من الجمهور الفرصة للحصول على المعلومات التي يريدها، خلقت في الوقت نفسه لديه الرغبة في التعامل مع هذه المعلومات من خلال ما توفره من مصادر متنوعة للمعلومات نفسها، وتطلب ذلك من ممارسي العلاقات العامة ضرورة التعرف على اهتمامات الجماهير المختلفة، وتحديد خصائصهم وأسلوب تفكيرهم، والدوافع التي تفسر سلوكهم، ووفر الإنترنت هذه المعلومات من خلال تحليل ردود أفعال الجماهير وتعليقاتهم، وأرائهم التي تتعلق بأنشطة المؤسسة وسلوكياتها". وتابع:"هذه الحال التي اتسمت بها العملية الاتصالية في بيئة العلاقات العامة حمّلت ممارسي العلاقات العامة مهمات ومسؤوليات كبيرة نحو التوظيف الأمثل لهذه الشبكات التفاعلية التي إن أحسن استخدامها مكنت إدارة العلاقات العامة من تقديم المنظمة في صورة صحيحة، ومكنت في الوقت نفسه من دراسة الرأي العام الذي يشكله جمهور المنظمة حول المنتجات والخدمات التي تقدمها، بل إن هذه البيئة التفاعلية يمكن أن تثير العديد من الأزمات والمشكلات بين المنظمة وجمهورها، إلا إذا تنبهت إدارات العلاقات العامة إلى هذه الوسائل وأعطتها الاهتمام اللازم الذي يتيح الفرصة للتعرف على آراء الجمهور حول المنظمة والشفافية في الإيضاحات والردود وتصحيح المعلومات والأفكار التي تثار عبر هذه الشبكات". وأوضح أنه"استناداً إلى هذا الإطار المعرفي الذي أظهر بجلاء مكانة شبكات التواصل الاجتماعي في كونها منبراً تفاعلياً لإدارة الأزمات التي قد تتعرض لها المنظمة من خلال وظيفة العلاقات العامة الاتصالية، سعت الدراسة إلى الكشف عن واقع هذا الاستخدام والتوظيف من ممارسي العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية السعودية". وارتكزت الدراسة على استخدام أداة المقابلة المقننة مع مسؤولي العلاقات العامة في عدد من المؤسسات الحكومية لجمع المعلومات والتحقق من أبعاد هذا التوظيف سواء باعتبار هذه الشبكات نافذة اتصال يعبر من خلالها جمهور المنظمة عن آرائهم نحوها، أم باعتبارها منبراً للمنظمة نفسها للتواصل مع جمهورها. وخلص الصبيحي إلى تزايد استخدام الجمهور لشبكات التواصل الاجتماعي:"فيسبوك"،"تويتر"،"يوتيوب""لنكد إن"،"نتلوق"، محل الدراسة، في شكل ملحوظ، وقاموا بالتعبير فيها بوضوح عن آرائهم تجاه الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية بنسبة عالية. أيضاً خلصت الدراسة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت وفي شكل ملحوظ برفع مستوى الشفافية لدى المؤسسات الحكومية بنسبة عالية، ومكنت في الوقت نفسه من سرعة الرد والتصحيح شبه الفوري من إدارات العلاقات العامة. وسهلت أيضاً على إدارات العلاقات العامة مهمة التعرف على الأزمات ومسبباتها وفقاً لما يثيره الجمهور من قضايا عبر هذه الشبكات، وكان لذلك انعكاسه على بناء الصورة الذهنية عن المؤسسة وإدارة السمعة وفقاً لدرجة توظيف هذه الشبكات من إدارات العلاقات العامة. جهود إدارات العلاقات العامة... فردية أشارت الدراسة إلى أن جهود إدارات العلاقات العامة في رصد وتحليل هذه الآراء والاهتمام بمضامينها ومناقشتها مع الإدارة العليا، كما عبر عنها المسؤولون في تلك الإدارات، اتسمت بالتواضع وخاضعة لجهود فردية من البعض ممن لديهم قناعة شخصية تجاه ذلك، وافتقرت تلك الجهود في معظمها إلى الجهود المؤسسية التي يمكن أن تقدم رؤى واضحة عن اتجاهات جمهورها. وانعكس ذلك على وجود فجوة كبيرة بين الجمهور والمؤسسات أثارت الكثير من التساؤلات والمواقف السلبية المتكررة، وسعى الجمهور باستخدام تلك الشبكات إلى تنظيم حملات تهدف إلى تأزيم العلاقة وتشويه الصورة، وهذه النتيجة تشير إلى أن إدارات العلاقات العامة بهذا التوجه أسهمت في تعزيز الأزمة بين الجمهور والمؤسسة بدلاً من احتوائها. وقالت الدراسة:"في الوقت الذي وظفت فيه معظم إدارات العلاقات العامة شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الردود والتصحيحات حول القضايا المطروحة عبر حساباتها في تلك الشبكات، إلا أن افتقار تلك الجهود المبذولة إلى المعلومات الإحصائية والشفافية وعدم ارتباطها المباشر بما يطرح ويتطلب التفاعل مع القضايا وتقديم قرارات تعكس اهتمام القيادات العليا بما يطرحه الجمهور واقتصارها في معظم الأحوال على آراء إدارة العلاقات العامة، لم يمكن إدارات العلاقات العامة من الاستثمار الصحيح لهذه الشبكات في إدارة الأزمات التي تواجهها مع جمهورها، لأن تلك الجهود لم تخضع للتخطيط المؤسسي لإدارة الأزمات عبر هذه الشبكات واقتصرت في معظمها على أنشطة جزئية تفتقر إلى الرؤية الشمولية التي تبدأ بالرصد والتحليل والمناقشة لما يطرح، ومن ثم وضع خطة متكاملة لاحتواء الأزمة ومراجعة الإدارة العليا في القضايا المطروحة والحصول على قرارات عملية في شأنها وتزويد الجمهور بما تتوصل إليه في صورة واضحة وشفافة". يذكر أن المؤتمر الذي كان بعنوان:"الآفاق الجديدة للتواصل في زمن الأزمة"عقد في الفترة من 12 إلى 15 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، في مدينة طنجة شمال المغرب، بمشاركة العديد من أساتذة وخبراء الاتصال.