أوضح المترجم والقاص خالد العوض أن تجاهل الأصول الإسلامية لعائلة لأوباما من الإعلام الأميركي هو ما جذبه لترجمة سيرتهم الذاتية، إضافة إلى قصة الصعود المثير للرئيس الأميركي الأسود. وقال في حوار مع"الحياة"إنه لم يتردد في قبول ترجمة كتاب الصحافي البريطاني روبرت ليسي عن المملكة، إضافة إلى الترجمة التي حققت له مكانة جيدة ولفتت إليه الأنظار كمترجم لكتب على مقدار كبير من الأهمية. كتب العوض القصة والمقالة واشتغل في الصحافة عبر عدد من الصحف السعودية وبخاصة الناطقة بالإنكليزية، صدر له"ماما سارة أوباما"و"المملكة من الداخل"و"الحرب الباردة"و"الهوية الاجتماعية"و"العيش خارج الزمن"و"مرافعات ضد مجموعة الدول الثمان"و"قراءة في وجه الشمس"و"القلب الفاضح"، إلى نص الحوار. اتجهت في الأعوام الأخيرة في شكل جدي إلى الترجمة، فمن كتاب"مرافعات ضد مجموعة الدول الثمان"لتشومسكي وزملائه، ثم كتاب"المملكة من الداخل"لروبرت ليسي، إلى سيرة عائلة أوباما أخيراً، وكل هذه الكتب مهمّة، حدّثنا عن هذا التوجه؟ - بدأت الترجمة منذ أيام دراستي في قسم اللغة الإنكليزية بجامعة الملك سعود، إذ كانت الشرارة الأولى في مقرر تذوق القصة القصيرة الذي كان يدرّسه أستاذ أميركي أبدع في اختيار قصص ذات مستوى عال كتبها كتّاب عالميون، مثل الفائزة بجائزة نوبل لهذا العام الكندية أليس مونرو وإيرنست هيمنجوي وكاثرين مانسفيلد وشيرلي جاكسون وغيرهم. استمتعت بقراءة تلك القصص الجميلة فقررت أن أغوص في أعماقها أكثر بترجمتها لأتذوقها في شكل أكبر. كنت أيضاً شغوفاً بفن القصة القصيرة، ونشرت أكثر من نص قبل دراستي لهذا المقرر، وبحكم متابعتي لهذا النوع من الكتابة السردية في الساحة المحلية، وجدت بوناً شاسعاً بين مستوى القصص التي أقرأها في الملاحق الثقافية والمجموعات القصصية المحلية، وبين ما وجدته في القصص العالمية التي يكتبها روّاد هذا الفن، وكان لا بد من نقل تلك القصص القصيرة التي درسناها والتي تمثّل القصة القصيرة الحقيقية التي يعترف بها العالم إلى اللغة العربية للاستفادة منها، فكانت المجموعة القصصية الأولى المترجمة عن الإنكليزية بعنوان:"القلب الفاضح"التي تكفّل بنشرها النادي الأدبي الثقافي في جدة عام 1993. ثم تفرغت للكتابة الصحافية في الصحف الناطقة بالإنكليزية، مثل رياض ديلي ثم عرب نيوز. جاء الكتاب الثاني في 2006 بعرض لنقل أفكار الكاتب الأميركي الذائع الصيت وعالم اللغة نعوم تشومسكي في مرافعاته ضد العولمة والحرب، فلم أفوّت هذه الفرصة لأن مواقف هذا الكاتب ضد الكيان الصهيوني واضحة فكان لا بد من ترويج أفكاره بيننا. تمثّل الكتابة بنوعيها الأدبي والصحافي الجانب المفضّل لدي، إلا إن الترجمة كانت تأخذني بعيداً عنهما رغماً عني وذلك تحت إغراءات كثيرة، منها قوة الكتاب الذي يجب أن يطّلع عليه القارئ العربي، وندرة الكتّاب المحترفين السعوديين في الترجمة، وهذا ما دعاني إلى انتهاز فرصة كتاب"المملكة من الداخل"الذي كتبه الصحافي البريطاني الشهير روبرت ليسي عن المملكة وتاريخها ولم أتردّد في قبول ترجمته، بخاصة أن مؤلف الكتاب يستخدم أسلوب القصة في سرده الممتع لشخصيات سعودية أعرفها جيداً، الأمر الذي جذبني نحو ترجمته باستمتاع كبير. أما الكتاب الذي صدر هذا العام حول السيرة الذاتية لعائلة الرئيس الأميركي أوباما فقد كان بسبب الأصول الإسلامية لهذه العائلة التي يتجاهلها الإعلام الأميركي، إضافة إلى جوانب إنسانية أخرى مهمة تتعلق بشخصية أوباما ذي الأصول الأفريقية، وقصة صعوده المثير ووصوله إلى منصب رئيس أقوى دولة في العالم. عادة كيف تنتقي الكتب التي ستترجمها؟ - الترجمة عمل شاق وإذا لم تحبّ العمل الذي تترجمه فسينعكس ذلك سلباً على مستوى الكتاب الذي تترجمه، لهذا أفكّر طويلاً قبل الموافقة على الترجمة. انتقيت القصص القصيرة في الكتاب الأول الذي أصدره النادي الأدبي الثقافي في جدة، أما الكتب الأخرى التي تلت ذلك الكتاب فعُرِضت عليّ وقبلت ترجمتها إلى العربية بعد أن تفاعلت إيجابياً معها، وقد رفضت مجموعة أخرى من العناوين والكتب التي لا تروق لي أو وجدت صعوبة في تقبل محتواها، بسبب عدم مناسبتها للاتجاه الفكري الذي أجد نفسي فيه أكثر والذي يتمحور حول الأدب والثقافة واللغة. هل تترجم الكتاب أولاً أم تتفق مع دار نشر حول الكتاب وموضوعه؟ - عادة تطلب دار نشر معينة ترجمة كتاب معين ترى أهميته في السوق، وعلى المترجم المحترف قبول العرض أو رفضه، وقد يحدث في حالات أخرى قليلة أن يقترح المترجم كتاباً معيناً يمكن أن تقتنع دار النشر بنجاح تسويقه للقراء العرب وارتفاع مقروئيته، لكن هذا الأمر نادر الحدوث لأن دار النشر حريصة على نجاح الكتاب في لغته الأصلية قبل الشروع في ترجمته. كما أن المترجم لا يستطيع لوحده الحصول على حقوق الترجمة للكتاب الأصلي بسبب ارتفاع قيمة حقوق الترجمة. كيف تجربتك مع دار مدارك، وهل تعتقد أنها سوقت ترجماتك في شكل جيد؟ - كانت تجربة الترجمة مع دار مدارك جيدة، إذ تحظى بسمعة جيدة لدى القارئ العربي وبخاصة الخليجي، كما أن تسويقها للكتاب جيد وتحضر دائماً في معارض الكتاب العربية والمناسبات الثقافية التي تحدث في دول الخليج العربي على نحو خاص. توجد مراكز للترجمة في الجامعات السعودية، كيف تراها؟ - تنحصر نشاطات مراكز الترجمة في الجامعات السعودية على ترجمة الأعمال الأكاديمية التخصصية البعيدة عن القارئ العادي الذي يعيش خارج أسوار الجامعة، وغالباً تقتصر مراكز الترجمة على قبول أعمال الأكاديميين فقط والذين يعيشون في أبراجهم العاجية. يقصد الأكاديميون هذه المراكز لترجمة كتاب يمكن أن يساعدهم في الترقية وليس بسبب الحاجة المجتمعية لهذا العنوان أو ذاك. كيف ترى أحوال الترجمة في المملكة على رغم الإمكانات الكبيرة؟ - نظرة بسيطة لمؤشر الترجمة في"يونيسكو"تبين تواضع الترجمة في العالم العربي في شكل عام وليس في المملكة فقط. للأسف الإمكانات الكبيرة التي تتحدث عنها بعيدة عن مجال حيوي ومهم لأية أمة وهو الترجمة. جهود الترجمة في المملكة مشتتة وضائعة بين دور نشر تهتم فقط بالعائد المادي، وبين مؤسسات أكاديمية تعيش داخل أسوارها بعيداً عن العالم وفي غياب مؤسسات حقيقية تهتم بالترجمة وتخطط لها. تبنّت وزارة التعليم العالي مشروع ترجمة 20 رواية سعودية إلى 20 لغة عالمية، عبر ملحقياتها الثقافية في دول العالم، هل يمكن لهذا المشروع أن ينجح؟ - لا أعرف عن هذا المشروع أية معلومات، ولم أقرأ عنه في الصحف اليومية تفصيلات كثيرة، ولا أعرف كيف ستقوم بذلك وزارة التعليم العالي، وبالتالي لا أستطيع تقويمه. لكن يحق لنا كمتابعين أن نسأل عن الآلية التي ستطبّقها وزارة التعليم العالي في الترجمة، وكيف ستتم عملية الاختيار للأعمال التي ستتم ترجمتها، وكيف سيتم تسويقها ونشرها، أم أن الأمر سينتهي بها كما هو الحال مع مشاركة بعض المؤسسات الرسمية السعودية في معارض الكتاب التي تجعل كتبها للعرض فقط وليس للبيع؟ ما التحديات التي تواجه المترجم في السعودية؟ - التحديات كبيرة جداً والطريق شاق لكل من أراد خوض غمار الترجمة بسبب غياب الدعم وغياب المؤسسات المتخصصة التي ترعى الترجمة والمترجمين. العائد المادي من أعمال الترجمة ضعيف جداً ولا يتناسب مع الجهد الكبير الذي يبذله المترجم. أكبر التحديات تكمن في غياب المؤسسات الحكومية والأهلية التي تقدّم المنح والدعم للمترجمين والناشرين التي تسهم في نقل المعرفة من وإلى اللغة العربية، وتنظم البرامج التدريبية للمترجمين، وتقدم المنح الدراسية لهم، وتقترح مشاريع الترجمة التي ترى أهميتها. دعنا نذهب إلى القصة القصيرة التي أنت تكتبها، ما الجديد في هذا المضمار؟ - القصة فضاء جميل لا يمكن الاستغناء عنه إما قراءة أو كتابة. لدي نصوص لم تُنشر بعد، ولا أدري عن الوقت الذي يمكن أن تجد طريقها للقارئ. أوضاع القصة ومعها وضع القاص لم تعد جيدة مع منافسة الرواية، ما تعليقك؟ - على العكس تماماً، هذا العام 2013، هو العام الذي انتصرت فيه القصة القصيرة على الرواية والشعر في العالم. القصة في المرتبة الأولى عالمياً، وعلى الرواية والشعر أن ينتظرا عاماً كاملاً حتى يفكرا في خطف اللقب من جديد. طبعاً، أنا أتكلم هنا عن فوز الكاتبة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل للأدب لهذا العام، إذ يرى الكثير من النقاد أن فوز مونرو هو فوز للقصة القصيرة، لأن هذه الكاتبة لم تكتب الرواية مطلقاً، وإنما عُرِفت بوفائها للقصة القصيرة وكتابتها طوال حياتها التي امتدت نحو 82 عاماً. نحن نعيش زمن القصة القصيرة.