هناك من يرى تضاؤل الأصوات المطالبة بتعيين خريجي كليات الحقوق قضاةً لضعف حججهم، إذ يبدو ضعف العلم الشرعي واضحاً لديهم، خصوصاً أن السلطة القضائية داخل المملكة تعتمد على الجانب الشرعي كثيراً، إلا أن عدداً من خريجي القانون يؤكد عدم وجود نص صريح يمنع تولي خريج القانون القضاء في المادة الحادية والثلاثون"ضمن شروط تولي منصب القضاء. يأتي ذلك في الوقت الذي يقتصر فيه تولي مهمة القاضي، في القضاءين العام والإداري على خريجي كليات الشريعة ممن تم تأهيلهم في المعهد العالي القضاء ونال بعضهم دبلوماً في الأنظمة. طالب الحقوق محمد الحضاري يطالب بمنح رجال الحقوق حقهم في تولي المناصب في القضاء"ويرى أنهم أكثر علماً بالأنظمة السعودية وقال في حديثه إلى"الحياة":"من يستعرض الخطة الدراسية لطلبة الشريعة سيلاحظ افتقارها إلى دراسة القانون باستثناء المستوى الأول، فيما يعتمد جلّ خطة دراسة الشريعة، بعكس ما يدرسه طالب القانون من أنظمة ولوائح مستمدة جميعها من الشريعة". وتتفق معه طالبة الحقوق ريهام السلوم بدخول خريجي الحقوق السلك القضائي أسوة بالشرعيين، مقترحة تطبيق المنهجية نفسها بإلحاقهم دبلوم معهد القضاء العالي"خصوصاً في ظل معاناة القضاء من نقص في الكادر القضائي وما ترتب عليه من تأخير مواعيد الجلسات القضائية، إلى جانب حاجة المحاكم المتخصصة إلى وجود كادر قضائي متخصص، وترى أن"الحقوقيين قد يفوقون في تمكنهم الشرعيين في بعض المجالات كما هي الحال مع النظام التجاري ونظام العمل وقد يكون العكس صحيحاً، في مجالات أخرى". فيما شاركهما المحامي عبدالرحمن العوهلي التأييد، لكنه اشترط تضمين مناهج الحقوقيين مواد دراسية تعزز خلفيتهم الشرعية في مبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية، وقال العوهلي:"أؤيد أيضاً التحاق خريجي الشريعة بدورات قانونية تنمي الاستيعاب القانوني لدى القضاة"فاستناد القاضي شرعياً قد لا يكون كافياً ووافياً، ولا بد من إلمامه القانوني بحيثيات ما بين يديه من الدعاوى والقضايا". فيما قالت طالبة الحقوق روان الداود:"لا يوجد نص شرعي يحصر القضاء على خريجي الشريعة"، لكنها تشترط لتولي متخصصي الحقوق للقضاء استيفاء الحقوقي الشروط والمواصفات المتطلبة في القاضي من علم شرعي وحلم وبعد نظر وأناة وفطنة، وإن كانت تلك المواصفات -بحسب ما قالت الداود-"أقرب لخريجي الشريعة لقرب المواد الدراسية للتخصص، وأمام ذلك ترى أن خريجي الحقوق يأتون في المرتبة الثانية لترشيحهم للمنصب القضائي بعد خريجي الشريعة لإلمامهم بالأمور. تراجع عن التأييد في المقابل، تراجعت طالبة الحقوق بشرى القرني عن تأييد هذه الفكرة، قائلة:"كنت مؤيدة لسلك خريجي الحقوق مجال القضاء بعدما ترسخت في أذهاننا أن الأحكام القضائية تقريباً هي نصوص مواد مقننة أو مقتبسة من أحكام قضائية سابقة"، لكنها تغير رأيها بعد ما تعمقت في الفكرة وتقول:"وجدت أن الشرعيين أحق بهذا المجال، ولا بأس بترشيح الحقوقيين لمنصب مساعد قضاة لعدم درايتهم الكافية بغالبية التشريعات التي قد تتعارض مع بعض النصوص القانونية"، وتشير إلى أنه لن يتسنى لخريجي الحقوق تولي القضاء إلا في حال تكثيف المواد الشرعية بالمنهج الدراسي للحقوق، أو تم تقنين الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة النبوية الصحيحة. اعتراض وتعارض وداد الفواز وبشدة، مرجعة السبب إلى كون"دستور المملكة العربية السعودية هو القرآن والسنة ودرس طلاب القانون اقتصرت على القوانين المنقحة التي قام الفقهاء من قبلهم بتفصيل المسائل تفصيلاً دقيقاً، وبالرجوع للقرآن والسنة توصلوا لإحكام شرعية ووضعوها في مواد متسلسلة، وتسمى الآن بالأنظمة، وهي دراسة أحكام نهائية مكتوبة في الأنظمة. أما طلاب الشريعة من خلال دراستهم فيصبح لديهم تأصيل للأحكام الشرعية ومعرفة أسبابها وضوابطها ومسائل الاختلاف فيها وكل ما يتعلق بالأحكام الشرعية وغيرها من العلم الشرعي، وبالتالي فهي تعد دراسة شاملة ومتفرعة". وتبدي أيضاً طالبة الحقوق سارة عبدالرحمن السويلم اعتراضها لكون الحقوقي -كما تقول- ليس لديه خلفية شرعية كبيرة مثلما لدى الطالب الشرعي تؤهله لهذا المنصب، وتؤيد في حال واحدة عندما يدرس القانوني ماجستير شريعة. فيما يحلل المحامي والمستشار القانوني عبدالملك المديفر من خلال دراسته لكلا التخصصين الشرعي والحقوقي، ويقول:"أعتقد بأن خريجي الشريعة أكثر تأهيلاً للقضاء من خريجي القانون، وكلهم غير مؤهلين بالدرجة الكافية. وليس السبب الوحيد لذلك أن القضاء لدينا مبني على الشريعة -وإن كان هذا سبباً مهماً - بل لأن قواعد الاستدلال وعلوم الآلة التي يتوصل بها إلى تنزيل الأحكام على الوقائع وتطبيق النظام على أفراد الدعاوى هي على درجة من المتانة عالية عند خريجي الكليات الشرعية ويستطيع المتخصص أن يميز ذلك عند النظر في البناء الاستدلالي لأحكام القضاة، بينما لا تدرس هذه العلوم في كليات الحقوق لدينا". ويلفت المديفر بقوله:"لعل هذا أثر للاختلاف الابتدائي في طريقة التعامل مع النصوص، فالقانوني يتعامل مع نصوص نظامية مجردة من الدليل والتعليل لا يلزم لها الاجتهاد، بينما الشرعي يتعامل مع نصوص شرعية تحتاج إلى عملية تفسير واستقراء وتركيب ومن ثمَّ - وهن الأصعب التنزيل تحقيق المناط الخاص أو العام وبعبارة أخرى فالقانوني يتعامل مع نصوص قطعية مجتمعة نصوص النظام، بينما الشرعي يتعامل مع نصوص متناثرة دائرة بين القطع والظن، تؤدي إلى أحكام دائرة بين القطع والظن نصوص الشارع وآراء الفقهاء". ويضيف المديفر سبباً آخر وصفه بالمهم وهو"أن كثيراً من القانونيين يتعامل مع الأحكام الشرعية بوسائل وآليات المدرسة القانونية التي درس فيها سواء أكانت لاتينية - فرنسية - أم أنجلوسكسونية، على رغم أن شريعة الإسلام تعد حتى عند أرباب المدارس الأخرى مدرسة مستقلة لها قواعدها ووسائلها وأدواتها الخاصة، يضاف إلى ذلك ضعف التعليم الشرعي في كليات الحقوق، الذي يقابله ضعف التعليم النظامي أو القانوني في كليات الشريعة الذي يستعاض عنه بالدراسات العليا في المعهد العالي للقضاء". لا يوجد نص شرعي يحصر القضاء على خريجي الشريعة. اقتراح أن يكون"الحقوقي"مساعد قاضٍ يدعم المستشار القانوني فيصل بن عبدالله الراشد الاعتراض بقوله:"السلك القضائي جهة تعتمد على الكتاب والسنة ومنسوبي السلك القضائي لا بد من أن تكون لديهم خلفية شرعية كبيرة وواسعة لأن الأحكام التي تصدر تكون بناءً على ما ورد في الكتاب والسنة"، أما القانوني فيؤكد الراشد أن خلفيته الشرعية قليلة، لأن دراسته تعتمد على الأنظمة المأخوذة من دول عدة. ويوضح المستشار القانوني مفلح بن سعود آل مغيرة أن هناك اتجاهاً ينادي بهذا الاقتراح ويطرح ذلك من وجهة نظره كحل من ضمن الحلول لمشكلات التقاضي الحالية من تأخر للقضايا وغيرها نتيجة لقلة القضاة أو حتى لإتاحة الفرصة لهم، لأن هذا من صميم عملهم كما في الدول الأخرى. ويقول آل مغيرة:"عندما نرغب في الوصول إلى نتيجة موضوعية لهذا التساؤل فيجب أن نعرف حقيقة ما هو مطبق أمام القضاء من جهة، ثم ننظر لآلية إعداد خريج كلية الحقوق وخريج كلية الشريعة من جهة أخرى، فسنجد أن المحاكم في عمومها لا يمكن أن تأخذ الجانب الشرعي وحده بعيداً عن الجانب النظامي ثم نجد أن بعضها يغلب على المصادر المطبقة أمامها الجانب الشرعي، كما في المحاكم العامة وبعضها يغلب في مصادرها الجانب النظامي كما في ديوان المظالم واللجان شبه القضائية". ويشير آل مغيرة إلى أن"الحديث عن الجانب الشرعي هو حديث عن غياب التقنين أو حتى المبادئ القضائية الشاملة ونتحدث عن الإحاطة بكتب الفقه والاجتهاد من خلالها. وأضاف:"يدفعنا إلى إعادة النظر في خطط الدراسة الأكاديمية، وهذا ما لمسناه في عدد من الكليات في بلادنا الغالية أخيراً ونطمح أن يتوسع، فطالب الأنظمة في المنهجية السائدة في الكليات الحالية لا تتجاوز المواد الفقهية التخصصية التي يتلقاها 12 ساعة، وكذلك في كليات الشريعة يغفل عن جانب الأنظمة بمرحلة البكالوريوس مع أهميتها في الإعداد للقضاة. ونصل بذلك أن طالب الحقوق حالياً وفق التأهيل الأكاديمي قد يصلح في العمل ضمن دوائر إدارية أو لجان شبه قضائية الموجودة حتى دخولها جميعاً في المحاكم بحسب نظام القضاء الجديد وغيرها مما يغلب عليها الطابع النظامي مع عدم إغفال الوجود الشرعي حال الاقتضاء، وهذا كحل موقت إلى أن يتم إعداد منهجيات أكاديمية تخرج كفاءات لديها الأرضية الكافية للعمل الشرعي والنظامي بما يخدم تحقيق العدالة".