{ شتيفان فيلد أحد أعلام الاستشراق في ألمانيا، إنسان أكاديمي لكنه يحترم مشاعر المسلمين الدينية في عرضه لآرائه العلمية، وعلى رغم أن بعض انتقاداته لبني قومه كانت حادة وشديدة، فإنه يتحدث عن المسلمين بديبلوماسية، من دون أن يعني ذلك السكوت عن أخطائهم، لأنه يؤمن أن الحوار ينبغي أن يتصف بالصراحة. يوضح سبب انتقادات البعض للمملكة في الغرب، ويطالب المتحدثين باسم المملكة أن يتعرفوا أولاً على آراء الألمان، كما يشرح أسباب صعوبة ترجمات القرآن على القارئ الألماني، مشيداً بالترجمة التي اعتمدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. يرفض ما يُشاع عن تعرض المسلمين للاضطهاد في الغرب، ويرفض أي مطالب برحيل المهاجرين المسلمين لأسباب كثيرة، منها أن بلاده ستكون أفقر من الناحية الثقافية، ولأن الألمان من دون الأجانب قد ينقرضون يوماً ما. يعرف الاتهامات الموجهة له بأنه يتحدث عن العرب بصورة مفرطة في الإيجابية، ويعترف بأنه ما زال بين المستشرقين من يشعر بالعداء للإسلام والعرب، ويوضح سبب عدم اعتناقه للدين الإسلامي، وهو السؤال الذي طرحه عليه الكثيرون في ألمانيا والمملكة. يؤكد على ضرورة استمرار أكاديمية الملك فهد في ألمانيا، لكنه يشترط أن تراعي منهاجها الدستور الألماني، ويقول إن الإسلام له مستقبل، لكن المسلمين غير العرب سيكون لهم التأثير الأكبر، ويوضح سبب رفضه لربط مفاهيم حديثة، مثل المنطق والليبرالية بالإسلام وبرسول الإسلام. يوضح أنه يكتب للمثقفين، ويتناول قضايا متخصصة، لذلك فإن كتاباته ليست موجهة للعامة، مبرراً ذلك، أنه من غير الممكن أن يكتب المؤلف للنخبة ولمحدودي الثقافية في الوقت ذاته، وهو الأمر الذي يظهر في كتابه"الإنسان والرسول والإله في القرآن"... فإلى التفاصيل: لِمَ هناك توترات بين الإسلام والمستشرقين وعدم وجود حسن نوايا بينهم؟ - لا يقتصر الأمر على المستشرقين والمسلمين، هناك مسلمون ومسيحيون يفتقدون لحسن النية بينهم، لكن دعني أنبّه إلى أن المتخصصين المهتمين باللغة العربية المستعربين، ولا أقول هنا الإسلام، عرفوا العالم العربي عن كثب وزاروه مرات عديدة على عكس الأوضاع في الماضي، في الخمسينات كان أستاذي يفخر بأنه قضى 14 يوماً فقط في دمشق، واليوم كل طالب يقضى شهراً في دمشق، المتخصصون في الثقافة العربية والعرب أصبحوا يعرفون بعضهم بصورة أفضل. ولم يعد هناك مستشرقون يكرهون الإسلام ويسعون لتشويه صورته؟ - حتى هؤلاء ما زال لهم وجود في عالم اليوم، لكنهم ليسوا الأغلبية. هل صحيح أن المستقبل للإسلام؟ - طبعاً الإسلام له مستقبل، ونرى أن أعداد المسلمين في تزايد، ولكن المستقبل في اعتقادي سيكون للمسلمين من غير العرب من إندونيسيا والهند، ستتراجع أهمية المسلمين العرب، لأن نسبة المسلمين من غير العرب تتزايد. كيف أنت والتقسيم:"ثقافة نخبوية"وأخرى"شعبية".. كيف الحدود بينهما في ما تكتب؟ - أنا أكتب للمتخصصين والمثقفين، بعض أعمالي لا يستطيع أن يقرأها غير المتخصصين، وبعض الأشياء يقرأها المثقفون، لكنني لا أكتب للبسطاء، لأن من غير الممكن الكتابة إلى النخبة ومحدودي الثقافة في الوقت ذاته. هل نستطيع القول إننا نعيش صراعاً فكرياً لكن في أجواء مشحونة؟ - لا أعتقد ذلك، وانطباعي الذي اكتسبته من علاقاتي مع العرب لا توحي بذلك، لست أرى أن هناك أجواء مشحونة. ماذا تقول في من يرى النبي محمداً الرجل الليبرالي الأول... رجل الحرية الأول؟ - لا، لا، هذه فكرة مخالفة للترتيب الزمني للأحداث، الليبرالية ظهرت منذ القرن التاسع عشر، ولم تكن هناك ليبرالية قبل ذلك، الأحاديث النبوية حاولت أن تُعيد تشكيل المجتمع في صورة أفضل من مجتمع الجاهلية، لكن لا يمكن استخدام مصطلح الليبرالية في هذا الإطار. ما دام الإسلام دين العقل، فلم ننحيه عن نصوص بعينها ولا نقبل إدارة النظر فيها؟ - كلمة العقل تَرِد في القرآن، ولكن ذلك لا علاقة لها بالعقلانية بل بمعنى الفطرة وإدراك وجود الله من خلال النظر للكون، أي أن العقل هنا معناه الوصول إلى الخالق من خلال النظر إلى الخلق، واعتبار ذلك أهم إنجاز للعقل، وهي نظرية لها احترامها، لكن لا علاقة لها بالعقلانية بمعناها في القرن 19 و 20. النتاج الفكري السعودي كيف وجدت النتاج الفكري السعودي؟ وكيف وجدت الحوار مع السعوديين؟ - كان الحوار عسيراً من جهة، ويسيراً من جهة أخرى، نبدأ باليسير: قبل بدء المؤتمر عن ترجمة معاني القرآن الكريم عقد في المدينةالمنورة كنت في مجمع الملك فهد، ثم دعيت مع الزميل محمود حجاج إلى لجنة، وكانت تضم الأشخاص المتخصصين الذين يراجعون ترجمات معاني القرآن الكريم. وكان هناك حوالى عشرة أشخاص آخرين ودار الحديث عن مشكلة الترجمة، وكنا نتحدث عن مشكلات، مثل هل نستخدم كلمة God في الترجمة أم كلمة Allah، وغيرها من مشكلات الترجمة، وكان النقاش منفتحاً وأكاديمياً، ولم تكن هناك أية مشكلات، كانت هناك اختلافات في وجهات النظر. لكن الحوار كان مثمراً، ثم جاء المؤتمر، الذي حضره وزير الشؤون الإسلامية ووزير آخر وعلماء دين، وعندها لم يكن ممكناً الاستمرار في الحديث كما كان الوضع في اللجنة السابقة، كانت هناك اتجاهات معينة محددة سلفاً، وآراء من الجانب السعودي جرى صياغتها بصورة حادة وقاطعة، وكانت كل كلمة محسوبة، وجرى القضاء على أية صورة من صور الحديث الودي. وأصبح الحوار غير مثمر نسبياً، لأن الموقف السعودي أصبح واضحاً ومحدداً، ولم يكن هناك نقاش فعلي. كان ذلك بشأن المؤتمر، لكن هل تحدثت مع مثقفين سعوديين آخرين؟ - لا على الإطلاق، كنا في فندق كبير، ولم يكن مسموحاً طبعاً الذهاب إلى الحرم المدني، ولم يكن أمامي سوى مشاهدة التلفزيون السعودي، وكان الوضع صعباً بالنسبة إليّ، لأن الموقف من المستشرقين كان الموقف نفسه الذي كان سائداً قبل مئة عام، والنظر إليهم باعتبارهم أناس يريدون إخراج المسلمين من دينهم. ولكنك كنت مدعواً، وهم يعلمون أنك مستشرق، أليس كذلك ؟ - نعم، كنت مدعواً، ولكن أصدقك القول إنني لا أعرف السبب وراء دعوتي، لعلهم ظنوا أني مسلم، لأني كتبت مقالاً في مجلة إسلامية، وكان كلامي إيجابياً عن الإسلام. كمفكر وباحث ومستشرق... كيف تتقبل عدم السماح لكم بزيارة الحرمين؟ - طبعاً كنت أتمنى أن أدخل الحرم، ولكني لم أشعر بأن منعي من ذلك يعني التقليل من شأني أو عدم احترامي، لأنه ليس أمراً موجهاً ضدي شخصياً. القرآن والترجمة أنت تعرف القرآن بصورة جيدة جداً، وتعرف الآيات الواردة في القرآن، فهل يعتقد البروفيسور فيلد شخصياً أننا سوياً - أنا وأنت - سندخل الجنة نفسها؟ - تبعاً لما هو موجود في القرآن، فأنت ستدخل الجنة بالتأكيد يضحك، أما أنا فإنني آمل ذلك، وإذا دخلت فإنها ستكون الجنة نفسها، لذلك أنا أرفض القول بأن هناك إله للمسلمين وآخر للمسيحيين وآخر لليهود... هذا هراء. هل ترى أن الترجمة الألمانية لمعاني القرآن الكريم التي أصدرها مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم، هي أفضل ترجمة من حيث قدرتها على توصيل المعنى للقارئ؟ - يتعلق الحكم عليها بالمقصود بمصطلح أفضل ترجمة، وما إذا كان الهدف من تلك الترجمة أن تجتذب أكبر عدد من الألمان لقراءة معاني القرآن، عموماً دعني أقول إن الترجمة المعتمدة من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، هي ترجمة تمت بدقة متناهية، إنني أعتقد أن المترجمين المسلمين يحاولون الالتزام بالدقة. لكنها تكون أحياناً دقة مبالغاً فيها، مثل ترك مفردات عربية في النص الألماني، وهي مفردات لا يفهمها الألماني العادي، البعض يتوقف عن القراءة لهذا السبب، وهو أمر يمكن تجنبه بإتباع طريقة القرآن الذي هو مثل أعلى في اللغة الجميلة، وإذا أمكن ترجمة هذه اللغة العربية إلى لغة ألمانية جميلة فإن الأمر يكون أسهل للقارئ، وهنا تكمن الصعوبة، أي الربط بين الجمال والدقة. هل يمكن القول إن ترجمة المجمع جيدة للمسلمين الألمان الذين يريدون فهم معاني القرآن، وليس للألماني العادي؟ - هي ترجمة جيدة، عبدالله الصامت والمراجع نديم إلياس قاما بجهد كبير لتقديم ترجمة جيدة، ولا أعتقد أن فيها أخطاء، لكن - كما ذكرت من قبل - غالباً ما تكون الترجمة التي يقوم بها مسلمون حريصة أشد الحرص على دقة الترجمة مقارنة مع النص الأصلي. وهو الأمر الذي يتصادم أحياناً مع البعد الجمالي للغة، فإذا أردنا أن نوضح للقارئ الألماني قوة اللغة في القرآن وروعتها، فإن ذلك غير ممكن إذا كان المترجم حريصاً فقط على الدقة وعدم البعد عن النص الأصلي قدر أنملة، إن القرآن فيه آيات في غاية الروعة اللغوية، ولا يمكن تقليدها. ما رأيك في ترجمة لمياء قدور، التي أطلقت عليها قرآن للأطفال؟ - لقد أثارت هذه الترجمة نقاشاً كثيراً، إنني أجد أن ما حاولت لمياء قدور القيام به هو محاولة تأليف كتاب يستطيع الأطفال أن يفهموه، هذا التبسيط على القرآن يرفضه كثير من المسلمين، إنني أعتقد أن هذا الكتاب جيد للأطفال. قرأت لكم مرة، أن ترجمة القرآن يمكن أن تتم جملة جملة، أليس المفروض في الترجمة أن تراعي النص ككل، وليس الجملة فقط؟ - نعم، يمكن أن تتم الترجمة جملة بجملة أو دعنا نقول آية بآية، ولكن ذلك لا يحقق النتيجة المأمولة، لأن السؤال المهم عما يريد النص أن يقوله، أو ماذا تريد الترجمة أن تقوله؟ إن حرص المترجم المسلم على دقة النص، يجعل القراءة صعبة، لأن فهم النص يحتاج إلى معرفة خلفية، ولا أعتقد أن الأمر يتعلق بالترجمة في حد ذاتها، بل هو تطور تلاحظه حتى عند العرب الذين يتقنون لغتهم، فإنهم يقرؤون القرآن، ويبقى النص كما هو، لكن فهمه يختلف بمرور الوقت. لهذا لم أسلم كل من يدرس علوم اللغة الألمانية من العرب يحب ألمانيا وثقافتها، فهل يحدث الأمر نفسه مع كل من يدرس الاستشراق أو علوم الإسلام من الألمان؟ - هناك أناس كثيرون يتهموني، ويتهمون زملائي بأننا نفكر بصورة إيجابية مبالغ فيها عن الإسلام والعالم العربي، ولكن هناك زملاء لي أيضاً شديدو النقد للإسلام، بل لا أبالغ إذا قلت إن بعضهم يشعر بالعداء للإسلام والعرب، كلا الاتجاهين موجود. سمعت أن طلاباً مسلمون يسألونك:"ما دمت تفكر بهذه الصورة الطيبة عن الإسلام فلماذا لا تعتنق هذا الدين؟ فهل حدث ذلك فعلاً؟ - نعم، كثيرون يسألونني هذا السؤال، وفي السعودية أثناء حضوري إلى المؤتمر، طرح البعض عليّ هذا السؤال من جديد. كيف ترد على هذا السؤال؟ - لم أشعر أبداً أنني بحاجة إلى اعتناق الإسلام، لكي أتعرف على جماله وجوانبه الإيجابية وأهمية هذا الدين، أعتقد أن الإنسان الذي يتابع مسار تاريخ العالم العربي، وكيف يقترب الناس بعضهم البعض على مر العصور؟ سيجد دوماً اختلافات في المجال الديني والمجال الثقافي، وليست الاختلافات قائمة بين العرب المسلمين من جانب والأوروبيين المسيحيين من جانب آخر، بل نجدنا نتقارب. ومن يعتقد أنه محتاج إلى الارتباط بدين ما، فإنني أحترم قراره، ولكنني لم أتعرض أبداً إلى هذه الغواية، علاوة على أن تغيير الدين له علاقة أيضاً بالبيئة المحيطة بالإنسان. قال بعض الألمان ممن اعتنقوا الإسلام، إنهم خسروا كل شيء بعد كشفهم عن ذلك، فما السبب؟ وهل هذا مقبول في دولة مدنية علمانية؟ - الثقافة الألمانية يجب أن تتقبل اعتناق العاملين فيها للإسلام، أما إذا تعلّق الأمر بحزب مسيحي، فإنني لا أرى وجود مسلم في منصب قيادي فيه أمر مقبول، تصور لو أن هناك مسيحياً في حزب إسلامي تابع للإخوان المسلمين مثلاً، ولو وجدنا عندهم فلن نجد ذلك عند السلفيين. لماذا نسمع في كثير من الحوارات دوماً اسم المملكة العربية السعودية مرتبطاً بصورة غير إيجابية؟ - هذا صحيح، لا بُدّ من القول إن الرأي العام الألماني يعرف عن سورية أو لبنان أو مصر أكثر مما يعرف عن السعودية وبقية دول الخليج. قلت مرة إنه ما من حضارة فعلت في القرون الماضية، ما ارتكبته الحضارة الأوروبية، التي تستند إلى ميراثها الغربي المسيحي، وعرفت التنوير والعلمانية، والحروب الاستعمارية في القرنين ال19 وال20 والحربين العالميتين والهولوكوست ومعسكرات السخرة، خير دليل على ذلك. فهل نقدك للعالم العربي أيضاً بهذه الحدة، أم فيه بعض الديبلوماسية؟ - اعتقد أنني أعبر عن نقدي للعرب بأسلوب أكثر ديبلوماسية، لكنني لا أسكت حين أجد شيئاً يستحق النقد، لأنني أجد أن الحوار بين طرفين متساوين في القدر، يقتضي أن يعرب كل طرف عن رأيه بصراحة، كما أؤمن بأن الحوار بين طرفين يقتضي توافر شرطين: أولهما عدم التعميم، والثاني هو القدرة على نقد الذات، فإذا غابت إحدى هاتين الدعامتين لم يستقم الأمر، وهو ما أنتظره من المحاورين المسلمين أيضاً. السلفية في أوروبا يصور بعض المسلمين مثل السلفيين في أوروبا أنفسهم بأنهم ضحايا في المجتمع الغربي، فهل هذه الصورة صحيحة أم لا؟ - إن مصطلح السلفية واسع المعاني، ويصعب تحديده بدقة، لأنه يتبنى موقفاً متشككاً من الغرب ? على رغم ما في ذلك من تعميم - وهذا التشكك له مبرراته في ما يقوم به الغرب، هناك خوف من الإسلام في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية. ولكنني لا أعتقد أن المسلمين يتعرضون للتميز في المعاملة بسبب دينهم، هناك بعض المجالات التي تحدث مثل الصور المسيئة لرسول الإسلام، ولكن ليست هناك ملاحقة لهم، مع الاعتراف بأن هناك أشخاص ومؤسسات يكرهون الإسلام في أوروبا والعالم. ماذا ستخسر أوروبا إذا رحل عنها المسلمون؟ - أعتبر أن ذلك سيؤدي إلى الفقر الثقافي في البيئة الألمانية، كما أننا لا نستطيع القيام بذلك، لأننا سننقرض من دون المهاجرين إلى ألمانيا، من دونهم سنزول من الوجود.... يطالب العنصريون برحيل المهاجرين المسلمين، فهل سيؤدي ذلك إلى حل مشكلات المجتمعات الغربية، فلا يكون هناك المجتمع الموازي، وستقل الأموال المخصصة للعاطلين عن العمل، وستقل معدلات الجريمة، ولن يكون هناك قتل الشرف ولا زواج بالإكراه؟ - طبعا لا، إنني أعرف الكثيرين مثل نافيد كرماني - الإيراني الأصل - وهو من أهم المفكرين الألمان حالياً، وبسام طيبي - السوري الأصل - وإن كنت لا أتفق مع آرائه، إلا أنه حقق مستقبلاً أكاديمياً ناجحاً جداً، لقد جاء وهو شاب عمره 16 سنة، وليس عنده شيء، ووصل إلى منصب أستاذ جامعي وغيرهما كثير. مع الإشارة إلى أن غالبية المهاجرين المسلمين في ألمانيا هم الأتراك، ووصل بعضهم إلى مناصب عالية. كيف تصف علاقتك بالعالم العربي: ثقافة وشعباً وأرضاً؟ وهل للبنان مكانة خاصة في قلبك؟ - طبعاً لبنان لها مكانة كبيرة عندي، لأنها البلد العربي الذي قضيت فيه أطول فترة، ست سنوات قضيتها هناك، واثنان من أطفالي ولدا هناك، إذا كنت أشعر في مكان ما في العالم العربي بالراحة والسكينة، فهذا المكان هو لبنان، قضيت حياتي كلها مع الثقافة العربية، ليس مع الثقافة الإسلامية فحسب، بل مع الأدب العربي، وكنت أرى دوماً أن ذلك هو إثراء كبير. هل تتمنى أن توفّر المملكة فرصاً لتعليم اللغة العربية لغير المسلمين؟ - نعم، أتمنى ذلك بشدة، ولا أعرف سبباً يحول من دون ذلك، ولكن على ما يبدو فإن الأمر صعباً حتى الآن. هل تغيرت صورة العرب بعد الثورات التي وقعت هناك؟ - أعتقد أن ذلك لم يحدث بعد، لأن هذه الأمور تستغرق وقتاً طويلاً، عندما وقعت الأحداث في تونس كان هناك تعاطف كبير مع هذه الحركة، والآن يرى الناس أن الوضع أصعب مما كانوا يتوقعون، وتستغرق التحولات وقتاً طويلاً. العرب والحوار والفرص لعلك تذكر أن العالم العربي كان ضيف الشرف في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عام 2004، ما رأيكم في مشاركة العالم العربي آنذاك؟ - لقد كانت كارثة، كانت فرصة ذهبية لم يحسن استخدامها والاستفادة منها، كان كثيرون غير راضين عما حدث حتى المراقبين العرب، كان البعض ينتقد استمرار الرقابة على الكتب في العالم العربي. ما أعرفه جيداً أن الجانبين الألماني والعربي لم يكونا راضيين عن هذه المشاركة، وشعرت أن التحضيرات لم تكن على ما يرام، وظهرت بعض الحساسيات بين الدول العربية هناك، شعر الكثيرون وأنا منهم بأن هذه الفرصة لم تحقق الاستفادة الممكنة منها. هل تجدي جولات الحوار بين المسلمين والمسيحيين؟ - أنا لست عالم دين، ولذلك فإن اهتمامي بالحوار ليس كطرف فيه، بل كأكاديمي يراقب ذلك بصورة محايدة، لا أقول إنني أؤيد هذا الجانب أو ذاك الجانب، لكنني أرى أن هذه ظاهرة إيجابية في حد ذاتها، لأني أؤمن بأن الناس إذا تحدثوا فلن يقتل بعضهم بعضاً. هل هناك علاقات بين قسم علوم الإسلام في جامعة بون وجامعات عربية وسعودية بصورة خاصة؟ - على حد علمي لا توجد علاقات بينهم، ولم يمر عليّ أثناء قيامي بالتدريس في جامعة بون غير طالب سعودي في قسم علوم الإسلام. هل سيشارك القسم في إعداد معلمي التربية الإسلامية في ألمانيا إذا قامت دولة عربية بتمويل كرسي لهذه الدراسات في جامعة بون؟ - أعتقد أن جامعة بون ستوافق على ذلك إذا وافقت الدولة الممولة على عدم وضع شروط وقيود لا يمكن للجامعة أن تنفذها... ألا توافق الجامعة على وجود ممثلين عن الجانب الممول، سواء كان سعودياً أم غيره في مجلس أمناء يشرف على هذا الكرسي؟ - نعم، إذا كان ممثل الجانب الممول موضوعياً في قراراته فلا بأس، أعتقد أن هذه المحاولات تكررت من قبل، حول تمويل أستاذ كرسي، لكن المشكلة كانت في القيود المفروضة مثل رفض تعيين أستاذ يهودي الجنسية مثلاً، وهو أمر لا يمكن للجامعة أن توافق عليه. تابعت بالتأكيد أحداث أكاديمية الملك فهد في بون خلال السنوات الماضية، فهل تعتقد أن استمرار وجودها مفيد للجالية المسلمة؟ - لقد زرت أكاديمية الملك فهد في بون مع طلاب من الجامعة، وكانت الزيارة مهمة لنا جميعاً، ورحبت بنا مديرة الأكاديمية آنذاك، الدكتورة عائشة الحسيني، وأرى أهمية أن تبقى، كما أن هناك مدرسة فرنسية ومدرسة صينية. يجب أن تكون هناك أيضاً مدرسة عربية، ولا يجوز التفريق بينها، لكن ما أصاب الناس بالصدمة هو محتوى الكتب المدرسية، إذ وجدوا في المنهاج السعودي أشياء ما كان ينبغي أن تكون موجودة، علماً بأن هناك أكاديمية ثانية في برلين. أي أنك ترحب بوجود أكاديمية الملك فهد في ألمانيا إذا كان المنهاج الذي يدرسه الطلاب فيها يتوافق مع الثقافة الألمانية والدستور الألماني، أليس كذلك؟ - نعم هذا صحيح، لكن السؤال هل ستجد المدرسة عندئذ عدداً كافياً من الطلاب للدراسة فيها، إنني أعرف كثيرين ممن يقولون إن ما يدرسه الطلاب في الأكاديمية يجعل لغتهم العربية جيدة، ولا تهمنا المواد الأخرى. يأتي الطالب المسلم للدراسة في جامعة بون، ويعتقد أنه يعرف دينه أفضل من الأساتذة فتصيبه صدمة من عدم اعتراف الجامعة بدراسته السابقة وبمعلوماته عن دينه، هل هذه الصدمة متعمدة من جانب إدارة المعهد حتى يدرك ضعف معارفه أم أن وجوده يضايق الأساتذة، لأنه يعترض على طريقة التدريس؟ - لم يكن عندنا حتى السبعينات طلاب مسلمون، ثم قمنا بمرحلة انتقالية لاستقبالهم، وزادت أعدادهم تدريجياً حتى أصبحوا أحياناً يشكلون أكثر من نصف عدد الطلاب بل ثلثيهم، وهو موقف مختلف تماماً، وربما نكون وقعنا في بعض الأخطاء في التعامل مع الطلاب المسلمين في البداية. أعتقد أن الأستاذ الألماني يمكن أن يعترف بالمعارف التي يأتي بها الطالب المسلم، التي قد تكون أكثر مما يعرفه الأستاذ، إن وجود الطلاب المسلمين هو إثراء للدراسة بشرط وجود ثقافة للحوار بين الطرفين. سيرة ذاتية الأستاذ الدكتور شتيفان فيلد من مواليد 2 آذار مارس 1937 في مدينة لايبزج، وهو مستشرق ألماني. الشهادات العلمية - درس علوم الإسلام في جامعات ميونيخ وإرلانجن وتوبنجن الألمانية وييل الأميركية العريقة والمرموقة عالمياً. - حصل على الدكتوراه في عام 1961 وعلى درجة الأستاذية عام 1968 من جامعة ميونيخ، تخصص في الدراسات السامية. الخبرات العملية - أصبح مديراً لمعهد الشرق التابع لجمعية الاستشراق الألمانية ومقره العاصمة اللبنانيةبيروت في الفترة من 1968 إلى 1973 - من عام 1974 إلى 1977، كان أستاذاً للعلوم الإسلامية والسامية في جامعة أمستردام الهولندية. - ابتداءً من عام 1977 أستاذاً في جامعة بون، وبقي هناك حتى عام 2002، ثم استمر في العمل كأستاذ متفرغ في الجامعة حتى الآن. خبرات أخرى وجوائز - يشارك في إصدار مجلة عالم الإسلام، وهي مجلة مرموقة على مستوى العالم، وتتخصص في تاريخ الإسلام في العصر الحديث. - متخصص في الأدب العربي الكلاسيكي والأدب العربي الحديث وعلم المعاجم وتاريخ الفكر. - حصل في عام 2005 على جائزة مؤسسة رويتر على ما قدمه من إنجازات علمية، أسهمت في التفاهم بين الشعوب.