طرابلس، سرت (ليبيا)، لندن - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - تراجعت قوات المجلس الوطني الانتقالي التي طوقت فلول قوات معمر القذافي في إثنين من أحياء مدينة سرت، نحو كيلومترين ظهر الخميس تحت نيران كثيفة من المدافعين، في وقت ساد غموض مصير المعتصم القذافي الذي قال مسؤولون في الثوار إنهم اعتقلوه خلال محاولته الفرار، وهو ما نفاه مسؤولون آخرون على رأسهم مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي أمس. ميدانياً، قال المقاتل حميد ناجي من قوات المجلس الانتقالي في سرت: «اضطررنا إلى الانسحاب نحو المقر العام للشرطة (قرب الساحة الوسطى في المدينة) وسنستخدم المدفعية الثقيلة لضرب قوات القذافي». لكن قناة «العربية» أوضحت أن الثوار تراجعوا تكتيكياً للسماح لمدفعيتهم بدك المواقع التي يتحصن فيها مناصرو القذافي الذين يرفضون الاستسلام. وأوضح قياديون في قوات المجلس الانتقالي صباح الخميس أن آخر مقاتلي معمر القذافي ما زالوا يقاومون في منطقتين فقط من مدينة سرت. وتدور المعارك بالقذائف والأسلحة الخفيفة والرشاشات في «حي الدولار» على المرتفعات الغربية للمدينة وفي «الحي رقم 2» على ساحل المتوسط في شمال غربها. وصرح يحيى المغصبي أحد القياديين في قوات المجلس الانتقالي إلى «فرانس برس» بأن «المعارك تدور خصوصاً في هذين الحيين». وأضاف: «نتوقع أن أمامنا ثلاثة أيام قبل السيطرة عليهما». وأوضح: «لا نهاجم بشراسة في هذين الحيين لأن عائلات لا تزال عالقة هناك». وأعلن مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي الليبي الأربعاء انهم سيطروا على «حي الدولار» و «الحي رقم 2» وأن المعارك تدور خصوصاً حول مدرسة تحصنت فيها قوات القذافي في «الحي رقم1» غرب «الحي رقم2». وقال القائد وسام بن أحمد أحد كبار القادة العسكريين للمجلس الانتقالي على الجبهة الشرقية إن «عمليات شرق سرت قد انتهت». وأضاف: «كانت مقاومة قليلة - في حي أو حيين - والمعارك متواصلة، واننا ندعم الآن مقاتلي الغرب»، في إشارة إلى الثوار الذين يهاجمون من الجهة الغربية والذين جاء معظمهم من مدينة مصراتة. وبعد أربعة اسابيع من القصف وحرب الشوارع الطاحنة تحولت سرت إلى مدينة مدمرة يغطي حطام السيارات المحروقة شوارعها ولم يسلم أي مبنى فيها من الدمار. وأفادت مصادر طبية عن سقوط مئة قتيل ومئات الجرحى بين مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي في ظرف أسبوع من حرب الشوارع. وينتظر المجلس الانتقالي الذي أطاح نظام القذافي سقوط سرت لاعلان «تحرير البلاد تماماً» واستئناف مناقشاته لتشكيل حكومة توكل اليها ادارة المرحلة الانتقالية. المعتصم: اعتُقل ... لم يُعتقل وكان مسؤولون في المجلس الانتقالي قالوا ل «رويترز» ليل الأربعاء إن مقاتلي الحكومة الليبية الجديدة اعتقلوا المعتصم إبن معمر القذافي وهو يحاول الهرب من مدينة سرت. وقال العقيد عبدالله ناكر ل «رويترز»: «ألقي القبض عليه اليوم (الأربعاء) في سرت». وقالت مصادر أخرى من المجلس الوطني الانتقالي الحاكم إن المعتصم نُقل إلى بنغازي حيث جرى استجوابه في معسكر بوعطني العسكري حيث يحتجز. وأضافت أن المعتصم كان «منهكاً» لكنه لم يكن مصاباً بجروح. كذلك نقلت «فرانس برس» عن عبدالكريم بيزامة مستشار رئيس المجلس مصطفى عبدالجليل تأكيده اعتقال المعتصم القذافي (36 سنة) وهو طبيب وعسكري كان يقود كتيبة من وحدات النخبة. وقال إن «المعتصم القذافي اُسر في سرت ثم نقل الى بنغازي»، مؤكداً «لم نعلن عن هذا الأسر قبل ذلك تفادياً لأي محاولة (من اقربائه) لتحريره». لكن وسام بن أحمد أحد القياديين الميدانيين لقوات المجلس الانتقالي على جبهة سرت قال أمس: «ليس صحيحاً أن المعتصم اعتقل». وأضاف: «بعض الأسرى الذين قبضنا عليهم يقولون إن (معمر) القذافي موجود في سرت». والزعيم السابق فار بعدما حكم البلاد 42 سنة منذ سقوط مقره في طرابلس في 23 آب (أغسطس). ونزل مئات من مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي إلى الشوارع في مدن ليبية عدة وأطلقوا النار في الهواء ابتهاجاً بهذه المناسبة. وذكرت صحيفة «قورينا الجديدة» نقلاً عن مصدر طبي في مستشفى الجلاء في بنغازي أن ستة أشخاص قتلوا ليلة أول من أمس نتيجة إصابتهم بأعيرة نارية خلال الاحتفالات بنبأ اعتقال معتصم القذافي. وأوضح المصدر الطبي أن مقتل الستة كان نتيجة لإصابتهم بطلقات نارية بطريق الخطأ، وأن 25 شخصاً أصيبوا أيضاً جراء إصابتهم بأعيرة نارية. وقاتل الموالون للقذافي على مدى اسابيع بشراسة في سرت. لكن وكالة «رويترز» أشارت إلى أن مشاة من قوات المجلس الانتقالي تحركوا إلى خط الجبهة في سرت أمس الخميس لكنهم قوبلوا بنيران القناصة والقذائف الصاروخية من جانب قوات القذافي في ما يشير إلى أن المقاومة لم تتداعى بعد اعتقال المعتصم. وينظر إلى المعتصم على انه ينتمي إلى معسكر المحافظين في قوات الجيش والأمن الذي قاوم محاولات أخيه سيف الإسلام لاجراء اصلاحات. ولا يزال القذافي وسيف الإسلام - الابن الأبرز للزعيم المخلوع - هاربين منذ سقوط طرابلس. ويعتقد أن القذافي يختبيء في مكان ما في الجنوب بصحراء ليبيا الشاسعة. وفرت عائشة ابنة القذافي وشقيقاها هانيبال ومحمد ووالدتهم صفية وعدد آخر من أفراد الأسرة الي الجزائر في آب (اغسطس) وما زالوا هناك. كما فر الساعدي - وهو ابن آخر للقذافي- الى النيجر. وفي الحي رقم 2 في سرت عثرت قوات حكومية على 25 جثة ملفوفة بأغطية بلاستيكية. واتهم الثوار الميليشيات الموالية للقذافي بتنفيذ عمليات اعدام ضد مدنيين. والجثث التي عرضت على فريق «رويترز» كانت بملابس مدنية وأيادي أصحابها مقيدة خلف ظهورهم وبها جروح ناجمة عن أعيرة نارية في الرأس. وقال قائد في قوات المجلس الوطني الانتقالي ان الجثث كانت هناك لمدة خمسة أيام على الأقل. وقال مسعفون في مستشفى خارج سرت إن أربعة من مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي قتلوا وأصيب 43 آخرون يوم الاربعاء. اعتقال «مفتي القذافي» في غضون ذلك، أعلن مقاتلو المجلس الوطني انهم قبضوا الاربعاء في سرت على خالد تنتوش الذي يوصف بأنه «مفتي القذافي» وسانده طيلة الانتفاضة ضد نظامه. وقال قيادي في الثوار: «أسرناه (صباح الاربعاء) على الطريق الساحلية غرب سرت». واضاف أن الرجل «غيّر هيئته تماماً وحلق ذقنه وكان يقود سيارته ويحاول الفرار الى طرابلس». وبثت مواقع للثوار الليبيين على شبكة الانترنت مشاهد لاعتقاله، كما بثت لاحقاً مشاهد لعملية التحقيق معه في مدينة مصراتة حيث دافع عن نفسه قائلاً إنه لم يكن يفتي للقذافي بل كان مجرد شيخ في مسجد. كذلك نفى تنتوش ان تكون له علاقة بأجهزة الأمن الليبية، شارحاً ملابسات مشاركته في حلقة تلفزيونية على قناة الليبية التابعة للنظام السابق والتي هاجم فيها الثوار. كذلك شرح ملابسات ظهوره في مشاهد خلال تشييع سيف العرب نجل القذافي الذي قُتل في قصف لطائرات «الناتو» على طرابلس في نيسان (ابريل) الماضي.