مع انعقاد القمة ال33 لدول مجلس التعاون الخليجي التي انتهت فعالياتها الأسبوع الماضي في البحرين، والخروج ببعض القرارات والتوصيات المهمة، تدخل حال الاتحاد الخليجي إلى حيز الوجود كمرحلة تتجاوز التعاون، وذلك للعديد من التحديات التي تواجه دول منطقة الخليج. وهكذا، بعد أن أصبحت رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، من أجل اتحاد دول الخليج تأخذ خطواتها الأولى في طريق الاتحاد، يبدو أن هذا التوقيت هو الأنسب لوضع الفكرة موضع الفعل الإيجابي في خصوص استحقاقات شعوب دول الخليج. ذلك أن العمل من أجل الاتحاد والقرارات المتصلة به في هذه القمة يتناسب تماماً مع العديد من الحيثيات التي تصلح بذاتها كمبررات لذلك الاتحاد بين دول وشعوب جمعت بينها أواصر وعلاقات متجانسة إلى حد كافٍ، ليجعل من حال الاتحاد بينها مطلباً حيوياً وضرورياً. فالخليج اليوم لم يعد في وضع يسمح له بتأجيل الاستحقاقات المشتركة للفعل الاستراتيجي بين دوله، لا سيما في ظل الكثير من المحاذير والتحديات والتحولات التي تمر بها المنطقة. لقد بات اليوم واضحاً أن دول الخليج أصبحت في حاجة إلى سياسات مشتركة في العديد من الملفات الحيوية، أكثر من أي وقت. ولقد كان في خروج القمة الخليجية برؤية مشتركة حيال التهديدات الأمنية المتصلة بإيران وأطماعها في الخليج والمنطقة العربية، وفي الاستجابة عموماً للتحديات الأمنية بتوحيد الأجندة الأمنية الخارجية، وتوسيع دائرة العمل الأمني بمختلف جوانبه الاستراتيجية والعسكرية، ما يشير إلى رؤية حكيمة توصل إليها قادة دول الخليج من خلال مداولات ناجحة، عكست تماماً الدور المسؤول لتلك حيال أمنها وأمن شعوبها في المستقبل. إن القرار الحكيم الذي تم بموجبه إنشاء القيادة العسكرية الموحدة، هو أحد النجاحات المميزة لهذه الدورة ال33 في مدينة المنامة. وعلى رغم التوصيات الأخرى لهذه الدورة التي أكدت على مفهوم المواطنة الخليجية لضمان تماسك النسيج الاجتماعي بين دول الخليج، إلا أن الترتيبات الأمنية التي ظلت باستمرار بمثابة الضمانة الاستراتيجية لأمن الخليج، لا سيما في ضوء التذكير المستمر بأحقية دولة الإمارات العربية المتحدة في جزرها الثلاث المحتلة من طرف إيران، كان هي الرهان الحقيقي في سياق مداولات القمة. وبحسب إعلان"الصخير"الذي تلاه الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، فإن"التأكيد على مبدأ الأمن الجماعي المشترك من خلال العمل على تطوير القدرات العسكرية والبناء الذاتي لكل دولة من دول المجلس"، كان أكثر من واضح في تحديد الأولويات الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي. بطبيعة الحال، يدرك مجلس التعاون الخليجي التهديدات الواضحة للأمن الخليجي من طرف إيران، وذلك من خلال رسائلها في مناطق نفوذها العربية المجاورة. وفي هذا الصدد، كان تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بطلب إيران الكف عن التدخل من خلال تصريحه الذي نشرته صحيفة"الحياة"قائلاً:"إن التدخل لإثارة الفتن غير مقبول من جار، وهذا الأمر غير مريح لأنها تحاول استغلال الظروف للتدخل". وكم كان الأمير سعود الفيصل واضحاً وصادقاً في هذا التصريح، فبعد انتهاء القمة الخليجية بيوم واحد أعلنت إيران مناورات بحرية بعنوان: الولاية 91 قبل نهاية الأسبوع الذي انعقدت فيه الدورة ال33 لمجلس التعاون الخليجي. هكذا يبدو أن القمة كانت موفقة إلى أقصى الحدود في خيار القيادة العسكرية المشتركة للدفاع عن أمن الخليج في وجه الأطماع الإيرانية المعلنة، إضافة إلى توصياتها الأخرى في إعلان الصخير التي مهدت بصورة عميقة لحال الاتحاد بين دول الخليج. - محام ومستشار [email protected]