كثيرة هي الأخبار المزعجة التي تأتي إلى أسماعنا، وتغشى أبصارنا، نتوقف عندها برهة ثم نرحل عنها لأخبار أخرى، ونغوص في ممارساتنا الحياتية، ونتناسى أن هناك ما هو أهم من وصول الخبر إلينا، ألا وهو"تحليل الخبر"لنرصد أسبابه، نتائجه، ونتخذ قرارات حوله، وسبق لي مناقشة ذلك مع زميل إعلامي. أنا أعلم بأن هذه مهمة مراكز الدراسات والبحوث، لكن ذلك لا يمنع أن يكون كل واحد فينا عبارة عن مركز دراسات، عموماً أدلف بسرعة إلى خبر مقتل الطفلة"تالا"على يد العاملة الإندونيسية، وهو خبر أقض مضاجعنا، وآلمنا كثيراً، خصوصاً ما نتج عن ذلك القتل البشع بانهيار نفسي لأسرتها، وما تلاه من حادثة أليمة لوالد الأسرة، نتج عنها صدمة نفسية عند سماعه الخبر، أدت إلى صدمه سيارة وهو في طريقه لمنزله، توفي على الفور قائدها، وأصيبت طفلته التي كانت برفقته إصابة خطرة أرقدتها العناية المركزة"الله المستعان"، نسأل الله أن يخفف كربهم، ويُنزل الصبر على ذويهم. أعود لمقتل الطفلة"تالا"، قد يكون السؤال لماذا تُقدِم عاملة على قتل طفلة لم تكمل الأعوام الأربعة؟ ولماذا تقتلها بهذه الطريقة البشعة؟ هل أُسيئت معاملتها؟ لو كانت معاملة الأسرة سيئة، فهل كانت العاملة بقيت مع الأسرة سبعة أعوام؟! الحقيقة التي يجب قولها، إن الأسرة كانت تعاملها كما لو كانت أحد أفرادها، بدليل بقاؤها سبع سنوات مع الأسرة، لكن هذا الجريمة تفتح"ملف اعتداءات العاملات الإندونيسيات على الأطفال"، فالطفلة تالا ليست الأولى التي تنتهي حياتها على يد عاملة، ولن تكون الأخيرة، بل ما تمارسه بعض العاملات داخل منازل الأسر السعودية قد بدأ يكشف منذ فترة عن ممارسات عدوانية، تجعلنا نتساءل عن صحتهن النفسية، فالكثير من أعمال السحر، والكثير من محاولات إفساد عقيدة الأبناء بإهدائهم سلاسل صلبان، وتماثيل لعبادتها والانحناء لها، وتدريسهم طقوساً غريبة شركية، كل هذا يحدث في ظل إهمال كثير من الأسر السعودية لما يحدث نتيجة انغماسهم في مشاغلهم. نحن لا ننفي تعرض بعض العاملات إلى معاملة سيئة عند بعض الأسر، أو إثقالهن بأعمال منزلية، أو تأخير رواتبهن، لكن ذلك يحدث قليلاً ويتم تسويته بأخذ العاملات حقوقهن، إلا أن ذلك لا يسوغ لهن القيام بأعمال انتقامية تصل حد الإجرام والقتل، وبدم بارد في حالات كثيرة، ولا يمكن وصم كل واحدة أجرمت بحق أطفالنا بأنها ضحية لأمراض نفسية لنجد مبرراً لها! ونقول لكل أسرة مكلومة بأعمال قتل أو سحر أو أذى"معليش"العاملة تعبانة نفسياً، فمن يعالج الوجع النفسي لأسرة"تالا"الذي سيطول على سبيل المثال؟ هذا ملف يجب أن يُناقش، أما الملف الآخر، فهل كل أسرة بحاجة إلى عاملة؟ فلدينا ما يزيد على مليون عاملة. أعلم أن القضية حرية شخصية، لكني استغرب أن كثيراً من الأزواج قد يتسلف ليحضر عاملة لبيته، على رغم عدم حاجته لها، وبعضهم زوجته لا تعمل وتقضي جل وقتها بين زيارات الأسواق، وقضم المكسرات أمام التلفاز، أو مع الجوال في مكالمات لا تنتهي ويحضر لها عاملة! قد نستثني من ذلك الحاجة الملحة للعاملات"كالزوجة العاملة، والزوجة المريضة، والزوجة المسنة العاجزة عن القيام بواجبات منزلها"، أما عدا هذا فيعد عشقاً للمظاهر، يرضخ الأزواج فيه لرغبة الزوجات، رحم الله الجدات والأمهات حينما كنّ يقمن بأعمال المنزل، وهنّ في ظروف تختلف عن ظروف اليوم الذي تتوافر فيه للزوجة من الأجهزة المنزلية ما يخفف الأعباء عنها. محمد بن إبراهيم فايع