ولد الإنسان على الفطرة لا يفقه شيئاً! ولكن من أين يكتسب تلك الصفات التي يتمتع بها شخص عن آخر، والسؤال هنا هل التركيبات الكونية والأنماط السلوكية تتدخل في تكون تفكير المخلوق وصفاته وتتدخل حتى في عاطفته! حسناً هل هناك حياء طبيعي؟! أو بمعنى أصح حياء فطري؟! قد يعرف البعض منا أن الحياء كلمة قديمة تعني مثلاً الإحراج الذي يسببه لنا الظهور عراة أمام الناس! ولكن السؤال هنا هل من الطبيعي في أعماقنا أن نشعر بالانزعاج من ذلك؟! لكن العري طبيعي جداً في أجزاء أخرى من العالم! والسؤال هنا أيضاً هل المجتمع هو من يحدد المقبول وغير المقبول؟ قديماً كان من غير المقبول في الجزء الشمالي من فرنسا كشف"صدور"النساء لاكتساب اللون البرونزي في حين أصبح ذلك طبيعياً اليوم! ولكن"العري"لا يزال حتى اللحظة في أجزاء أخرى من العالم من غير المقبول؟ مثل دول الشرق الأوسط مثلاً! حسناً ربما نتفق جميعاً الآن أن المجتمع وتركيباته بأنماطه السلوكية هو الوجبة الرئيسة لبناء تفكير المخلوق وتصرفاته! ونتفق أيضاً أن صفة الحياء أمر غير فطري! بل صفة مكتسبة، بمعنى أنه شيء لا نشعر به في أعماقنا! مثله مثل شرب الكحول مثلاً! إذ إن شربها مقبول أيضاً في جزء من المعمورة، وغير مقبول في الجزء الآخر! وأيضاً القاسم المشترك بين القبول والنفي تركيبة المجتمع! جميع الصفات مكتسبة من محيط المجتمع! نكتسبها ونتطبع بها، ومثلما نكتسب صفة حسنة، ربما نكتسب صفة سيئة، بل ونبدلها بالحسنة. نحن اليوم على أعتاب قضية في السعودية أستطيع أن أسميها بالظاهرة!..."الغزل"وما أدراك ما الغزل، إذ أصبح اليوم صفة مكتسبة طغت على صفة الحياء، بل وأدتها في مقربتنا العاطفية! فالانضباط الأخلاقي والسيطرة على النفس أصبحت معدومة! والدليل أن ما كان مرفوضاً في مجتمعنا المحافظ أصبح في الحاضر مقبولاً جداً! تجرد الشاب والفتاة من صفة الحياء والأخلاق! والإفراط في التعبير العاطفي، إذ أصبحت وسيلة للترفيه وقضاء وقت الفراغ والتسلية بمشاعر الآخرين والتلاعب بهم! وهنا تكمن الخطورة إذا تحول الغزل من تعبير فطري إلى اتصال وانتهاك لحقوق الآخرين! فالعواقب جداً وخيمة، إذ أشارت أحصائية تتحدث عن 8000 طفل لقيط! هم فعلاً ضحايا اتصال جنسي غير شرعي وقع ضمن دائرة الغزل العاطفي! الذي حجب التفكير ولو للحظة ما ذنب هؤلاء اللقطاء الذين وقعوا ضحية تلك السلوكيات الخاطئة! تصرفات الإنسان دائماً تعبر عن حالته النفسية! إذ اعترف أحد أصحاب الغزل قائلاً: إن حب الغزل يجري في جسمه مثل جريان الدم في العروق! ويعرف إثمه وعواقبه، ولكنه في المقابل اعترف أن"الشعور بالذات"لحظة وقوع الفريسة في شركه هو من يدفعه لفعل هذا السلوك، معترفاً بأنه تعرض في صغره إلى تحرش جنسي! ما سبب له عقدة نفسية في تركيب شخصيته ويحاول تفريغها عبر هذا السلوك المشين! دعوني أتحدث أن السبب الأكبر هو دور الوالدين في التربية! إذ يفقد الكثير من الفتيات حنان الوالدين وعدم تلبية رغباتهن منذ الصغر! فتضطر الفتاة على طريقة"مجبر أخاك لا بطل"للبحث عمن يلهمها الحنان والدفء والعاطفة عند الغير حتى ولو بطرق غير شرعية! بل إن معظمهن وبسبب بُعد الوالدين تربين على يد العاملة المنزلية الأجنبية، التي اكتسبوا منها صفاتها الأجنبية وصفات مجتمعها المختلف تماماً عن صفات مجتمعنا المحافظ! ولأن الفتاة المسكينة هي الشريحة المستهدفة من الإعلام الخارجي! فهي تقع ضحية سهلة جداً للإعلام الهابط، الذي استحلب أفكارها واستحلب عواطفها وحقنها ضمن حملة المناداة بالحرية تحت ذريعة الظلم الذي تتعرض له المرأة العربية، والدندنة على وتر المساواة في الحقوق! وربما تكون"العنوسة"سبباً آخر لانحراف الفتاة السلوكي! أيضاً الوالدان السبب الرئيس في ذلك، إما بغلاء المهور، أو منع الفتاة من الزواج إن كانت معلمة مثلاً للاستفادة من راتبها الشهري! وكيفية القضاء على هذه الظاهرة لا تعتمد فقط على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن يجب على علماء مجتمعنا وضع خطة مستقبلية للقضاء عليها وتثقيف الوالدين بدورات دورية بين الفنية والأخرى لكيفية التعامل مع أولادهم! وأقترح أن تبدأ المدارس وكليات البنات بعمل محاضرة كل شهر مثلاً للتنويه عن ظاهرة الغزل وخطرها على مجتمع محافظ مسلم! والنهاية تنتهي بسؤال: مَنْ المسؤول، هل الفتاة أم الشاب، أو أن المجتمع والثقافة هما لب المشكلة؟ علي المضحي - الرياض [email protected]