عندما تكون مسلماً، وتنال فرصة العيش في الغرب بكرامة، تسنح لك الفرصة لتصنع شيئاً مختلفاً. هذا ما فعلته لميا قدور التي وجدت لها مكاناً في المجتمع الأوروبي عموماً والألماني خصوصاً. يراها الناس من منظار أوسع. فهي دارسة للإسلام، مسلمة ليبرالية، ملتزمة لكن من دون حجاب. وجه متسامح، صوت غالبية مسلمة صامتة، قوة مضادة في وجه منظمات تمثّل الإسلام المتشدد. تنظر إلى الإسلام بعقل وبمراعاة للظروف الزمانية والمكانية. أصدرت قدور في عام 2008 كتاباً بعنوان"القرآن للأطفال والكبار"، تُرجم إلى عدد من اللغات الأجنبية، ويتألف من 12 فصلاًً يتناول كل منها موضوعاً معيناً، مع الاستعانة بالنصوص القرآنية. أي أنه لم يتبع ترتيب سور القرآن الكريم، بل ناقش مثلاً مفهوم الربوبية في الإسلام، والخلق، وعلاقة الإنسان بالإنسان، والأنبياء والرسل، ثم نساء ورد ذكرهن في القرآن، ثم كيفية عبادة الله، وأخيراً الجنة والنار. هذا الكتاب فتح عليها النيران، ووضعها، عند البعض، على القائمة السوداء. لميا قدور 33 سنة سورية الأصل، ألمانية النشأة، حرة العقل. تعتبر نفسها حلقة في سلسلة من تيار يسعى إلى التوفيق بين الإسلام والفكر الغربي. تقول:"أربط ذلك بتقاليد كانت موجودة حتى في العصر الإسلامي في الأندلس مثلاً، إذ كان هناك مفكرون، مثل ابن رشد وإن كان البعض يعتبره كافراً، نقلوا المفاهيم الإسلامية إلى مرحلة زمنية معينة، وفهموا الدين فهماً مناسباً للعصر". لكن ألا يحول اعتبار البعض ابن رشد كافراً، دون الاقتباس من أفكاره؟ تجيب:"طبعاً لا، عموماً أنا أرفض تكفير الآخرين، وأعتبره سلوكاً غير إسلامي". والدا قدور كانا ولا يزالان محافظين، وهما تقيّان ومنفتحان في الوقت ذاته. تقول عنهما:"أحياناً لا يعرفان الإجابة عن جزئية ما في الدين، لأنهما ليسا من العلماء، لكنهما لم يكونا يمنعان طرح الأسئلة، وهنا في ألمانيا يتعلم الطفل منذ الروضة أن يستعلم عما لا يفهمه". تشعر قدور أحياناً بأنها تقاوم طواحين هواء، لأن رسالتها تصل إلى الغرب، لكنها لا تجد صدى عند المعنيين برسالتها:"نعم، رسالتي وصلت نسبياً إلى الغرب، مع العلم أنني أتعرض لاتهامات وافتراءات، خصوصاً من التيار اليميني المتطرف الذي يراني أكثر تشدداً ويعتبر أنني أتبنّى فكراً محافظاً وأمثّل دور الليبرالية لأنشر أفكاري وأدعو إلى الدين، وهذا غير صحيح لأنني لا أتدخل في عقيدة الآخرين، ولا يعنيني من يرغب في اعتناق الإسلام ومن لا يرغب". وتضيف:"نادراً ما أختلف مع مسلم عادي ممن نقابلهم في الطريق، لأنه سيشاركني توجهاتي وآرائي، أما المحافظون فلا أسعى إلى إقناعهم، لأن القضية بالنسبة إلي ليست إقناع الآخرين بالفكر الإسلامي الليبرالي، بل أن أصل إلى المسلمين المقتنعين أصلاً بهذا الفكر وأطلب منهم أن نتحدث بصوت مشترك، لأن الصوت الليبرالي لا يجد من يستمع إليه في هذا النقاش". وتشرح عبارتها الأخيرة بالقول:"من المهم أن نعرف المقصود بمصطلح"الليبرالي"، فهو لا يعني الشخص الذي لا يمارس شعائر دينه، فأنا أواظب على ممارسة شعائر ديني، لكنني لا أوقف عقلي، وأتبع منهجاً معتدلاً لا يعتمد على التقليد، بل أمارس نوعاً من الاجتهاد، وهو اجتهاد لنفسي فقط، وأرى أن يقوم كل إنسان بذلك لنفسه". لكنّ سؤالاً يحضر: عندما تتحدث قدور في وسائل الإعلام، وتقول إن الحجاب ليس واجباً دينياً، فإن الأمر يتعدى الاجتهاد الشخصي، ويعتمد عليه آخرون، أليس كذلك؟ تجيب:"بلى، ولكن عندما أجتهد، أنطلق من معرفتي وقدرتي على استخلاص الحكم. وبما أنك طرحت موضوع الحجاب فدعني أوضح رأيي: أولاً، ليس عندي أي مشكلة مع الحجاب، وأنا أضعه حين أصلّي، لكنني أتحدث عن العصر الحالي، وظيفة الحجاب أن يوفر للمرأة الحماية، لكنني أجد أنه اليوم لا يقوم بهذه المهمة. الإسلام ليس كنزاً مدفوناً في باطن الأرض ينبغي على المرء أخذه كما هو، بل أرى أن من واجبي أن أزيل الغبار عن هذا الكنز، لا بد من ضخّ الحياة في قيم الإسلام، إذ لا يسعنا أن نعيش كما عاش الناس، قبل أكثر من 1400 سنة".