أوصى بحث قدم إلى ملتقى"تسبيب الأحكام القضائية"أمس في محافظة جدة بضرورة اهتمام القضاة بتعلم المهارات اللغوية، لا سيما في مجالات النحو، الصرف، الدلالة، البلاغة، والكتابة. وأرجع البحث الذي أشرفت عليه وزارة العدل وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالقادر الشيخلي ذلك إلى أن الحكم الشرعي تعبير عن حسم منازعة طبقاً لمبادئ وأحكام شرعية أو نظامية قانونية، إذ يجب على القاضي مراجعة حكمه من حيث صياغته بعد يوم من كتابته بهدف التأكد من خلوه من عيوب الصياغة الشكلية والموضوعية. وفي يومه الثاني، سجل"تسبيب الأحكام القضائية"نقاشاً واسعاً لعدد من القضاة السعوديين وخبراء العدل في الدول العربية حول تسبيب الأحكام الشرعية والأحكام القضائية المبنية على الاعتقاد والتفسيرات، إضافة إلى المطالبة بضرورة اعتماد القاضي على اليقين في إصدار أحكامه. وشكلت مداخلات القضاة ورؤساء محاكم الاستئناف إثراءً للملتقى الذي دخل في حوار حول الأسباب في أحكام الشرعية التي تعتبر أداة لتثبيت عدالة القضاء وتكشف عن القواعد المطبقة وتبين للمحكوم ضده وجه الحقيقة التي انتهى إليها القضاء ومدى قيام القضاة بما يجب عليهم من درس وتدقيق وتمحيص للدعوى. وجرت مناقشة تسبيب الأحكام القضائية من خلال أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية ونصوص النظام ومبادئ القضاء في السعودية والنظام المقارن عبر أمثلة ونقاشات مع الخبراء في ذلك. وفي الشأن نفسه، تطرق البحث العلمي الذي قدم حول"تسبيب الحكم القضائي"إلى تسبيب الحكم القضائي وهو جوهر هذا الحكم لأنه يعرض الحجج والأسباب الشرعية، والنظامية، والواقعية التي يستند إليها منطوق الحكم، وبهذا يكون الحكم تحت رقابة كل من أطراف الدعوى من جهة، والهيئات القضائية العليا التي تباشر مسؤولية استئناف الحكم أو تمييزه من جهة أخرى، إضافة إلى رقابة الرأي العام للحكم فاحصاً مدى صدقيته. وتناول البحث مفهوم تسبيب الحكم القضائي وشروط صحة التسبيب والتوصيات التي نتجت عن ذلك، وخلصت إلى أن كل قرار يتعلق بحل منازعة في مجلس القضاء يعد حكماً قضائياً، ومن ثم يعد ركن المنازعة من أهم أركان الحكم القضائي الذي يميزه عن القرارات القضائية والإدارية الأخرى. واستنتج مقدم البحث أن يأخذ الحكم القضائي هذه الصفة سواء كان حكماً ابتدائياً أو نهائياً وسواء جرى في محاكمة حضورية أو غيابية، سرية أو علنية، إضافة إلى أن الاقتناع القضائي السليم حصيلة مزاوجة بين أوراق الدعوى والنصوص التي تحكمها، وضمير قاض ارتاح لقرار يراه ملبياً لمتطلبات العدالة، مشيراً إلى أن الاقتناع اتحاد عنصرين، الأول موضوعي أو مادي ويتمثل في أوراق الدعوى والأسانيد والأسباب والحجج الواردة فيها ويلحق ذلك نصوص الشرع أو القانون التي تنظم الحكم بهذه المنازعة أو الخصومة، أما العنصر الآخر فهو نفسي يتمثل في استقرار نفسية القاضي إلى أدلة أو حجج يراها أولى بالأخذ. وفرض البحث على اقتناع القاضي قيامه على يقين وجزم، لا على ظن وتخمين، بيد أن هذا الاقتناع ليس مطلقاً وإنما نسبياً، إذ حينما تباشر المحكمة العليا رقابتها في التمييز أو النقض تكون هي الجزء الأعلى من السلطة القضائية التي تقرر اليقين فقد يكون يقين القاضي هو نفسه يقين المحكمة العليا في حال مصادقتها على الحكم القضائي، أما في حال نقضت"العليا"الحكم فلم يعد الحكم خاوياً من اليقين القضائي المطلوب، إذ إن اليقين نزعة نفسية قد تكون صحيحة وصائبة في حال الموافقة عليها من الجهة العليا في القضاء والعكس. بدوره، أوصى البحث الخاص بأهمية تعليم المهارات اللغوية للقاضي اهتماماً خاصاً بجوانب النحو والصرف والدلالة والبلاغة والكتابة، ذلك على اعتبار أن الحكم تعبير عن حسم منازعة طبقاً لمبادئ وأحكام شرعية أو نظامية قانونية، إذ شدد على ضرورة مراجعة القاضي حكمه من حيث صياغته بعد يوم من كتابته، وذلك للتأكد من خلوه من عيوب الصياغة الشكلية والموضوعية، إضافة إلى ضرورة أن يتوصل القاضي إلى اليقين في حكمه بناء على التأمل والتبصر والمقارنة بين الأدلة، إذ إن يقينه يتأرجح إلى حين مصادقة المحكمة العليا عليه وفي حال نقضته فلا يعد ذلك يقيناً. وأكد البحث ضرورة التمييز بين أسباب الدعوى والحكم، فالأولى هي أصل المنازعة، بينما أسباب الحكم أو تسبيبه هو الحجج والأدلة التي استند عليها القاضي في حكمه، إذ قد يطلق عليها أسباب الحكم لكن العملية المنطقية في صياغة هذا الجانب هي عملية تسبيب تدعم عدالة الحكم وصوابه إن كان عادلاً وصائباً. وكان وزير العدل الدكتور محمد العيسى افتتح أمس الأحد في جدة أعمال ملتقى"تسبيب الأحكام القضائية"وأعلن خلاله أن وزارته ستنشر مجموعةً من الأحكام الجنائية الصادرة في قضايا الإرهاب، وأمن الدولة التي ستصدرها المحاكم السعودية مشمولةً بالأسباب، وكشف شمل وقائعها بنصوص شرعية، تُجَرِّمُ المُدانين في قضاياها، لكن بتفاوتٍ في أحكامها بحسب تفاوتِ وقائعها وفق ما يقضي به الوجه الشرعي. وأوضح أن نشر الأحكام عموماً، يُمثل استحقاقاً مهماً من استحقاقات العدالة وضماناتها، ويخدم من جانب آخر العمل القضائي والحقوقي، والبحوث الأكاديمية والاستطلاعية ذات الصلة، مؤكداً كفاءة القضاة وقدرتهم على التسبيب في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، إذ إن الإبهام في التسبيب لا يقل عن الإبهام في المنطوق.