كيف نجد الرواية النسائية؟ وقبل ذلك علينا أن نلقي السؤال الأكثر أهمية: أين تقف الرواية النسائية المحلية على خط الإبداع؟ هل خرج النص الروائي من دائرة الانفعال الاجتماعي والأخلاقي والقهر الوجودي والنفسي؟ هل نؤرخ لذواتنا أم يؤرخ لها؟! هل الذات الكاتبة الأنثوية عقل واعٍ في حراك المشهد الثقافي؟ أم عقل اتباعي داخل منظومة الفكر؟ في عوالم النص الروائي النسائي فتح باب واسع انهمرت منه العناوين والحكايات وكثير من الأصوات بين هذا وذاك. فعل المستوى الكمي نجد أن هناك تراكماً روائياً كبيراً قياساً بالفترة التي بدأت تتوالى فيها الرواية النسائية تركزت مضامين هذه الروايات على محاور تناولت الزواج، والطلاق، والأسرة، والحرية، والحب، والجنس.. هذا التراكم الروائي الكمي بامتياز نتج بسبب كثير من المتغيرات والتحولات الاقتصادية والقيمية والفكرية والثقافية التي حدثت في بنية المجتمع السعودي بشكل متسارع في السنوات القريبة الماضية وأجدني هنا أتجه لربط النص بسياقاته الثقافية والاجتماعية التي أنتجته مدفوعة إلى ضرورة المراهنة على نوايا النص الروائي وتذويته باعتبار هذين العنصرين ظهرا أساسيين في النص. إن راهن الرواية النسائية يشير إلى أننا ما زلنا نقرأ نصاً حكائياً وليس نصاً تفكيكياً يعيد صياغة الأشياء والمسميات والرموز. فحين تحاول امرأة أن تعرِّف بنفسها عبر الكتابة الروائية فإنها تبدأ بالقول:"إنني امرأة"وما من رجل يفعل ذلك في الكتابة. فالكتابة هنا تلحق بها سمةٍ انبنائها على نسق التعبير بالمرأة هنا وهذا نتيجة اختزال صورة ذهنية تشير إلى أن الكتابة الروائية يجب أن تكون في بنائية النص حكائية بحتة كمعادل للذات الأنثوية المقهورة المتألمة. فالموضوعات التي تدور عليها الكتابة الروائية النسائية كراهن حاليٍّ ترتبط بثلاث قضايا أساسية وهي: وصف صراعهن الخاص في البحث عن هويتهن كنساء، صراعهن ضد الرجل، وصراعهن ضد قيم المجتمع التقليدي. ومن هنا ظهرت الرواية النسائية بشكل متواتر ملتزمة بكتابة نمطية ولكنها واعية بقضايا المرأة، وطرح التجربة الذاتية وربطها بقضايا الواقع الفعلي للمرأة الكاتبة وبهذا كثيراً ما يحمل ملامح النص الروائي ملامح من حياة الكاتبة المنشغلة بداء الاستلاب الأنثوي.. وهنا نجد أن الرواية النسائية مرت بثلاثة أطوار مختلفة: الطور الأول: المؤنث الذي تضمن نصوصاً مباشرة. الطور الثاني: غير مباشر ويطرح بعض الرؤى بين سطور النص. الطور الثالث: هجين بين التوجهين إلا أنه لا ينتج خطاباً واضحاً في النص الروائي. تيار الوعي الشعوري داخل النص قدم النص الروائي النسائي الذات الأنثوية بوصفها - كائناً سلبياً - وهو الخط الشعوري الذي رافق سياق المنجز الكمي للمرأة في المشهد الثقافي المحلي، وكان سمة تيار الوعي في الكتابة النسائية وهنا يبرز أهمية أن ننظر إلى الكتابة الأنثوية عند المرأة للبحث في وظيفة اللغة المكتوبة داخل الخطاب الأنثوي والبحث عن الذات المقصية في دلالات لغة هذا الخطاب، ليس لتقديم إجابات مقنعة، أو حلول وسطية بقدر القيام بخطوة لتفسير البعد النفسي والثقافي الأولي، إلى جانب البحث في غياب العلاقة بين الذات والموضوع، ولربما لوضع حد لهذا الاغتراب. هذه المتتاليات في النص أسهمت وبقوة في إنشاء هوة بين إشكال التغيير، وإحداث التغيير، تمثل في غياب الوعي الجدلي الذي هو نتيجة لغياب خطاب الذات في النص، أزمة تأكيد الهوية والبحث عن الذات التي تواجهها كتابة النساء ليست فيما يكتبنه فحسب بل في الدفع بهن إلى منطقة السواليفية بحسب ما عبر عنه الغذامي باعتبارها شرطاً روائياً لكتابة النساء. النساء الكاتبات غالباً لا يقرأن بوعي كافٍ ما يكتب من نقد حول تأطير هويتهن الفكرية فيأخذن الأفكار المبطنة التي تطرح لهن باعتبار أن هذا ما يجب على النساء كتابته أو التعبير عنه. وهنا تصبح الكاتبة سجينة عالم نقدي يفرض عليها قيوداً تعوق تطورها الفكري والإبداعي داخل النص الروائي. إن تكريس مفهوم أن السواليفية باعتباره عملاً خلاقاً في سياق ما تكتبه الروائيات لهو مفهوم مربك يعترض تطور مشروع المرأة الأدبي والثقافي، والمدهش أنه غالباً ما يجد رواجاً واضحاً في الأوساط الثقافية بحجة أن مخيلة النساء وخبرتهن محدودتان. إن دفع النص إلى منطقة السواليفية وتكريسها شرطاً روائياً هو إعاقة لخلق مضامين خلاقة في النص. النقد الذي وجه للنساء الكاتبات رؤى توجيهية في النص لم يحمل لهن إلهاماً بالخلاص أو الخروج من منطقة الظل. وأسدل على النص الروائي النسائي عباءة خصوصية موهومة: صلبتها على وهم طموحات أدبية لم تنجز، أعتقد خطأ أنها مسار لهوية خطاب ما، قادر على التنامي، والحضور في قلب النسق، وقدم هذا النتاج الأدبي للبقية الأنثوية المتلقية باعتباره نتاجاً معرفياً إبداعياً يمثلها كما ينبغي. ومن هنا تنكشف عورة المنجز. ولعلي هنا أركز وأدفع بالنص إلى أن يخرج من كونه مسألة أسلوب جمالي، وأن يسمح بنقل رسائل ثقافية وجدلية وفكرية عبر الشخصيات والأحداث والتلفظات في الرواية لتحطيم"الطريقة النمطية"، إذ شكلت هذه الطريقة مظهراً من مظاهر الجمود واللا يقين. بحيث إن دلالات الأسئلة التقليدية في الرواية:"؟"تستبدل، هنا، بأسئلة وإشكالات وجودية من مثل:"من أنا؟ من هو؟ أين الواقع؟ أين الحقيقة؟". بمعنى الانتقال من الثبات إلى التغير، ومن العرض إلى الجوهر ومن الكلية إلى الفردية، ومن الانغلاق إلى الانفتاح... كل هذا لم نعد نعتبره بنية مغلقة، بل ظاهرة إنتاجية تعددية. وقد نظرت إليه لا بصفته فضاء يضم معانيَ عديدة، وإنما بمنظور دينامي باعتباره يولد وينتج تعدد المعنى. البحث عن الذات الأنا بوصفها هوية إن تاريخ الأنا بوصفه هوية في داخل النص الروائي هو علاقة ذاتية حميمة عند الكاتبة تبعث فيها كثيراً من السحر المحكي الذي يظل سحراً لفظياً لا يحدث ثغرة أو ثورة في الجدار السميك الذي تكتب من خلفه طقوس سحر الكتابة الروائية. تحول السلوك الاجتماعي داخل الرواية من الواقعي إلى المتخيل. السمة الغالبة في مسيرة البحث عن الذات داخل نص. ما زالت شعوراً خاصاً، واغتراباً، وترحالاً لفظياً بحثاً عن هوية مفتقدة بممارسة الكتابة الشعورية النفسية لتعويض الفقد المستمر الذي تكابده الذات في علاقتها بالمكان والشرط الاجتماعي. هناك لغة روائية تتمدد خارجاً فقط محققة قدراً من الامتلاء الشعوري، فإصدار معنون ب"ثرثرة معلمات"، و"فيض العطاء"، و"أختاه إني أحبك في الله"، و"مأساة نورة"، وغيرها نصوص تتميز بخاصية الحكاية الاجتماعية وللتعبير عن حراك البيئة، والوعظية ليس إلا..، وفي اتجاه آخر تحكي قصة المكان وغياب الذات مثل: ما كتبته بهية بو سبيت"درة من الأحساء"، و"رباط الولايا"لهند باغفار، و"غداً أنسى"لأمل شطا، و"مسرى يا رقيب"، و"سيدي وحدانة"لرجاء عالم، و"التبات والبنات"للمياء باعشن. وحظينا كذلك بنموذج فريد لموهبة الرؤية، وليس الخلق، وهو ما يتبدى بوضوح في روايات رجاء عالم،"مسرى يا رقيب""سيدي وحدانة""خاتم"، إذ إن هناك استلهاماً قوياً للكائن الخرافي والتراثي في النص، وهو ما يأخذ الذات الكاتبة إلى خارج النص، فهي عبر سرد نصوص العوالم الغامضة والسفلية لا تتوخى خطاباً، أو مشروعاً، أو هدفاً، إذ هو محكي مكتوب يقتات شرعية حضوره من معطيات الخرافة، والتراثي، والقبلي. وعليه تكتفي نصوص رجاء عالم بالعقل الخاص، للنص الخاص، والتي لا تحمل بعداً فكرياً ينتج تراكماً في وعي الذات. الهدية المسمومة: رواية"بنات الرياض" يجب أن نقول - ويا للمفارقة - إن هذه الرواية مارست إغواء واضحاً من خلال محاولة خرق البناء التقليدي. وإنه كان يجب أن تكون على اللائحة السوداء للذين لا تجب قراءتهم بالنسبة للروائيات اللاتي انتهجن بناءها الروائي والمضاميني. فقد كانت الهدية المسمومة التي أوجدت تياراً واهياً، ما يعيدنا إلى نقطة البدء، إذ يكون النص دون هوية أو رؤية إبداعية. إعادة إنتاج الذات المقهورة وليس تحريرها الكتابة هي فعل تحرر دائماً تختلف الأسماء ولكن تتشابه الحكايات... من ينتج النص، عليه أن ينتج المتغير، أن يستمر في علاقة جدلية مع الحقيقة، ووعي رؤية العبور إلى الوعي الخلاصي. في نماذج مختلف النصوص السابقة، هناك دائماً موقف متأثر، لكن ليس لديه أدنى احتمالات لأخذ النص ليكون ملاذاً واعياً، أو استراتيجية وعي خلوصي من أي نوع. فنادراً ما نقرأ رواية نسائية تتمتع بالخلفية الفلسفية أو الاقتصادية - السياسية، وكأن أدب المرأة لا يجب أن يعبر عن نصوص نسائية أدبية تحمل فكراً فذاً تقدمياً يطرح حلولاً بديلة. وليسقطَ الصنم الذي نصبنه طويلاً ينبغي ألا نؤجل سقوطه، وأن نعترف به ثم نقوضه، إذ من خلال حراك على هذا النحو، لا نستطيع أن نؤرخ بشكل أو بآخر لمرحلة كتابة إبداعية نسوية، فكرية، باستثناء أن ما يميزها هو سياق الحريم الثقافي، تماماً. الحاجة إلى الحضور في نسق الفكر والثقافة أصبحت ضرورة، وليست ترفاً، وتكمن كارثة عدم تحقق هذا الدور أننا لم نحظ بأفراد إناث كاتبات يقمن بالدور الذي يوقظ هذا الكائن المستلب النائم في صمت التاريخ الطويل. من خلال هذه القراءة للراهن الروائي النسائي أجد أنه حان وقت قراءة روايات النساء"كأدب وليس كسجلات اجتماعية"فالتاريخ حتما لا يقبل بالطارئ. * كاتبة سعودية.