"عدت من دوحة قطر بعد المشاركة في ملتقى النهضة الشبابي، بعزيمة متجددة للتغيير والتطوير... مرة تلو أخرى، أشعر بالأرواح المنتعشة هناك لا تزال تصافحني". بهذه العبارات، يعبر الشاب السعودي فؤاد سندي عن مشاعره تجاه ملتقى النهضة الثاني الذي أقيم في العاصمة القطريةالدوحة. هذه الانتعاشة الفكرية لم تكن حكراً على الشباب المشارك فحسب، بل امتدت إلى الضيوف المحاضرين، الذين ركزوا جل حديثهم عن"القوة الرافعة للأفكار"التي كانت شعار الملتقى، وتحدثوا كما لم يتحدثوا من قبل، لا أفق لحديثهم، لا ديبلوماسية، لا حسابات ومصالح حزبية أو شخصية. وعلى رغم أن الملتقى، الذي كان برعاية مؤسسة الإسلام اليوم التي يترأسها الدكتور سلمان العودة، كان مرصعاً بندوات سميكة، إلا أن اللقاءات الجانبية بين الشباب في ما بينهم أو مع محاضري الملتقى من أمثال سعدالدين العثماني ومحمد المختار الشنقيطي وساجد العبدلي وجاسم سلطان ونواف القديمي كان له نكهة أخرى، بل إن بعض الشباب يرى أن الدافع الحقيقي لحضور الملتقى هو التعرف على الشباب والاستفادة من الجلسات الجانبية، إذ هي أكثر فائدة من المحاضرات من وجهة نظرهم. وفي جلسته عن"البناء المعرفي"، أكد الدكتور ساجد العبدلي أن المعرفة وسيلة وغاية وأن قيمتها بالتطبيق والتفعيل والتثمير، مشيراً إلى أن إدراك أهمية المعرفة للأفراد والمجتمعات يحدد الكم والكيف. وقد تحدث عن أن المناهج الدراسية العربية تعزز التعامل مع جميع الطلاب بنفس المستوى ما يؤثر سلباً في تلقيهم المعرفي. وفي سياق الحديث عن الأمية، أشار العبدلي إلى الأميات الأربع التي تطورت مدى التاريخ والتي يجب محاربتها: أمية القراءة والكتابة، ثم أمية اللغة الثانية، ثم أمية الحاسوب وتقنياته، ثم أمية التفكير السليم، والتي من وجهة نظره تؤدي إلى اختلال المؤسسات. وأكد العبدلي أهمية الكتب في سياق الحديث عن وسائل المعرفة وقيمتها، فالإنسان حينما يشتري كتاباً فهو في الحقيقة يشتري تجربة أكثر من كونه يشتري أوراقاً مطبوعة، كما أشار إلى قوة الانترنت وفعالية التواصل الاجتماعي في تنمية المعرفة، والصحافة بأشكالها، والتلفزيون والسينما، انتهاءً بالتفاعل المجتمعي، والذي يعد أحياناً من أهم روافد التجربة. وقد أشار العبدلي إلى تغير معادلة المعرفة من النمط الخطي بين معلم وطالب، إلى نمط جدلي يقوم على التشارك غير المحدود للمعرفة والخبرة. وفي سياق الحديث عن عزوف الناس عن التلقي المعرفي، فقد شدد على أهمية التشويق والتسويق، حيث يجب الدخول من باب المتعة لا من باب المعرفة بحد ذاتها، كما أنه عزا كره الناس للقراءة بسبب المناهج الدراسية الرتيبة. واستعرض العبدلي هرم ماسلو للحاجات الإنسانية، والتي تبدأ من الحاجات الفسيولوجية ثم الامن والأمان، ثم الحاجات الاجتماعية، ثم تحقيق الذات وصولاً إلى تحقيق الرضا. وقد علق العبدلي بأن الترقيات خلال الهرم تعتمد على حجم المعرفة، فمن خلال المعرفة يستطيع الإنسان الوصول إلى تحقيق الذات، مستدركاً بأن المجتمعات لا تنظر هذه النظرة حالياً. الإعلامي مقدم قناة الجزيرة علي الظفيري، كتب عن الملتقى بروح مفعمة، وجسد مشاعره على أحرفه، فقال عن الملتقى في مقال له:"أن تكون حاضراً في هذه الأجواء الفكرية المتفتحة، وبرفقة أكثر من 100 شاب وشابة من دول عربية مختلفة معظمهم من السعودية فهي أكبر مكافأة يمكن أن تنالها هذه الأيام ... في هذا الملتقى الأمور مختلفة جداً، هنا حيوية من نوع خاص، أفكار واعية وأرواح متوثبة وشباب طموح لأبعد مدى، في كل زاوية من زوايا قاعة اللقاء هناك نقاش يبعث على التفاؤل". ويضيف:"حجم الأفكار والطموح والدقة المتناهية في الرصد والمتابعة والرغبة الملحة في تفكيك العناوين الكبرى، إضافة إلى النقدية الجادة والرصينة التي يتمتع بها كل من يتواجد في هذا المنتدى، تجعل المرء يشعر بالنشوة". عبدالله بن عمر، شاب من أهالي مكةالمكرمة، يعتبر أن"ملتقى النهضة بالنسبة لي، مناسبة اجتماعية أولاً، فكرية ثانياً، وهكذا هي كل الملتقيات الشبابية الأخرى التي شاركت فيها، لكن للجانب الاجتماعي هذه المرة أهمية مضاعفة في نفسي، لأسبابٍ وجيهة، أبرزها أن الكائن الاجتماعي في داخلي تخلخل وتضاءل، بعد شهرين من حياةٍ فيها الكثير من الوحدة، والكثير من الانعزال". ويتابع:"الكائن الاجتماعي يحتاج ليعود إلى نقطة التوازن، إلى منبه قوي، كهذا الملتقى، الذي يجتمع لي فيه ثلاثة أصناف من الناس: الصنف الأول: أولئك الأصدقاء الذين عرفتهم من قبل، والتقيت بهم مرة او مراراً عدة، وسيكون الملتقى فرصة لتعزيز الصلة بهم، وتوطيد العلاقة معهم، ونبش الذكريات المشتركة، والإفضاء بالمشاعر القديمة. والصنف الثاني: أولئك الأصدقاء"الفيسبوكيون"نسبة إلى فيسبوك، الذين عرفتهم من وراء جدر، وصادقتهم من خلف حجب بعيدة، ولم تتِح الفرصة لي أكثر من تلقي ابتساماتهم وقبلاتهم الالكترونية! وسيكون من الرائع حقاً أن ألتقي بأولئك القوم على أرضِ الواقع، بعد لقاءات على أرض الافتراض، وأن اسعد بمشافهتهم، وآنس بمجالستهم، بعد أن كنا نتقاذف الكلام من بعيد وحسب. أما الفئة الثالثة.. هي هدايا الملتقى، تلك العينات التي لم التق بها من قبل". في حين أوضح مدير الملتقى مصطفى الحسن أن الملتقى خليجي من الدرجة الأولى، خاص بالشباب من عمر 18 إلى 30، كانت نسبة الفتيات في السنة الأولى 30 في المئة فقررنا رفعها الملتقى الثاني إلى 40 في المئة". ويشير إلى أن معايير اختيار المشاركين، تدور حول الاهتمام الثقافي للمشارك، على أن يكون مهتماً بالثقافة، وحريصاً على إحداث تغيير في الواقع،"كنا نقرأ كل استمارة بعناية، ونتحدث حولها، إن كان صاحب مدونة أو له مقالات أو كتابات اطلعنا عليها.. وإن طلب أن ننظر في صفحته الشخصية على فيسبوك فعلنا ذلك.. وإن كان له مشروع نظرنا فيه.. حاولنا قدر استطاعتنا أن نقيم المتقدمين بموضوعية بالغة"لافتاً إلى أن المشاركين في الملتقى الأول لم تكن لهم الأولوية، كما أننا لم نستبعدهم بسبب مشاركتهم، على رغم ذلك كان هناك تحفظ من آلية الانتقاء والفرز للمشاركين.