لم يخف مسؤول حكومي، وصل إلى مرتبة تعادل"وكيل وزارة"، ندمه على اختياره العمل الحكومي، وفق ضوابط الخدمة المدنية. ويقول وهو يلملم أوراقه استعداداً للتقاعد:"إن مكافأة نهاية الخدمة التي تقدم للموظف الحكومي في نهاية سنوات طويلة من العمل، لا تكفي لشراء سيارة صغيرة يتنقل بها، فكيف بالالتزامات التي تنتظره بعد التقاعد". ولا ينسى هذا المسؤول المتقاعد، زملاءه من ذوي الدرجات الوظيفية الصغيرة، الذين يتسلمون في ظروف مُغلقة، مكآفات"هزيلة"، لا تتجاوز بضع وريقات من فئة خمسمئة ريال، فالمكافأة لا تتجاوز ثلاثة رواتب على أساس آخر راتب كان يتقاضاه، مهما كانت سنوات خدمة الموظف المُتقاعد. ويتحدث كثير من موظفي الدولة الخاضعين لنظام الخدمة المدنية، بكثير من"الأسى"و"المرارة"عن هذه المكافأة، التي يرون أنها"مُجحفة، ولا تتناسب مع سنوات طويلة من العمل المتواصل". ولا يفوتهم أن يغمزوا لحال زملائهم الآخرين المتقاعدين من شركات كبرى، مثل"أرامكو السعودية"و"سابك"و"السعودية للكهرباء"، إذ يتم منحهم مكافأة تصل إلى ملايين الريالات، وهو جزاء"عادل"ومُستحق"لما بذلوه من جهود خلال سنوات عملهم، التي لا تقل عن ربع قرن. ويتداول المتقاعدون حكاية شقيقين، تقاعد أحدهما من"أرامكو السعودية"، والآخر من قطاع التعليم، بعد سنوات عمل متقاربة، فسأل المعلم متقاعد"أرامكو"عن مكافأة نهاية الخدمة، فأجابه: مليون ونصف المليون ريال، بنيت بها الأرض، لتكون شققاً لولديَّ، ودفعت منها مهور زواجهما، واشتريت لهما سيارتين. ثم يسأل أخاه المعلم عن مكافأته، فيجيبه: 15 ألف ريال، صبغت بها جدران بيتنا. علماً بأن الشركات الكبرى في الشرقية، تصرف لموظفيها مبالغ أخرى تضاف إلى مكافآت نهاية الخدمة، وهي مبالغ يكون الموظف ادخرها لدى الشركة بنظام الاقتطاع الشهري خلال سنوات عمله. وتستثمر الشركة هذه المبالغ، وتعيدها إلى الموظف عند تقاعده، وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف ما أدخره. ويتساءل الموظفون الحكوميون، عن صمت وزارة الخدمة المدنية، وإصرارها على الاستمرار في صرف هذه المكافأة التي"لا تسمن ولا تغني من جوع". ويطالب هؤلاء الموظفين ب"إعادة النظر في هذه المكافأة، وأن يسنَّ نظام جديد، يراعي مصلحة الموظفين الذين ينتظرون حياة هادئة بعد التقاعد، بدلاً من البحث عن مصادر رزق جديدة في خريف العمر". وأمضى أحمد السيد، سنوات طويلة في العمل موظفاً في إحدى بلديات المنطقة الشرقية، وعند تقاعده تقاضى مبلغاً لا يتجاوز 15 ألف ريال. ويقول:"هذا المبلغ لا يكفي إيجار شقة لمدة عام، أسكنها وزوجتي وأبنائي الخمسة". واضطر السيد إلى البحث عن عمل جديد، وهو في هذا العمر، إذ يعمل حالياً"معقباً"في إحدى المستوصفات الأهلية، براتب ثلاثة آلاف ريال شهرياً، حتى يستطيع أن يعيش، ويوفر مستلزمات أسرته، ويسدد فواتيره. ويصف مسعود خالد، الذي عمل في إحدى الإدارات الحكومية في الخبر، لزهاء 30 سنة، نهاية الموظف الحكومي ب"المأساوية". إذ لا يتوافر له الحد الأدنى من الأمان الوظيفي بعد التقاعد. فمسعود الذي كان يدير قسماً في الإدارة التي كان يعمل فيها، يعمل فيه أكثر من 20 موظفاً، ولم يكن مكتبه المكيف والمريح، يخلو من المراجعين، أصبح اليوم"سائق سيارة أجرة". ولا يعتبر مسعود، هذه المهنة"مهينة"أو"تمس الكرامة"، بل يقول:"هي مهنة محترمة، كغيرها من المهن التي تدر دخلاً حلالاً. ولكنني كنت أمنِّي نفسي بالراحة بعد التقاعد، الذي حصلت عليه ببلوغي سن ال60، وأن استضيف أصدقائي وجيراني في المجلس، على فنجان قهوة أو شاي"، مستدركاً"وجدت أن ذلك غير ممكن، وأن مشوار الكدح يجب أن يتواصل، ربما حتى آخر يوم من حياتي". وسبب تواصل المشوار أن مكافأة نهاية الخدمة التي حصل عليها مسعود فور تقاعده، والراتب التقاعدي"لا يكفيان كي تعيش أسرتي في المستوى ذاته الذي كانت تعيشه أثناء خدمتي، لذا قررت البحث عن مصدر آخر، يدر مالاً يجعل دخلي الشهري قريباً مما كان عليه قبل التقاعد. ولم أجد سوى قيادة سيارة أجرة، فهي لا تحتاج خبرة ومؤهلات، باستثناء رخصة قيادة وسيارة ليموزين"، لافتاً إلى أن أغلب سائقي الأجرة هم متقاعدون من قطاعات حكومية مختلفة. يُشار إلى أن نظام العمل ينص على أنه"إذا انتهت علاقة العمل، وجب على صاحب العمل أن يدفع إلى العامل مكافأة عن مدة خدمته، تُحسب على أساس أجر نصف شهر عن كل سنة من السنوات الخمس الأولى، وأجر شهر عن كل سنة من السنوات التالية. ويُتخذ الأجر الأخير أساساً لحساب المكافأة، ويستحق العامل مكافأة عن أجزاء السنة بنسبة ما قضاه منها في العمل". وحدد النظام سنتين كحد أدنى لعمل الموظف في الوظيفة، كي يتسلم مكافأة نهاية الخدمة. أما نظام الخدمة المدنية، فحدد أربع حالات يُصرف فيها للموظف مكافأة نهاية الخدمة، وهي التنسيق من الخدمة بموجب المادة 30- 6 من اللائحة، والإحالة على التقاعد بسبب العجز عن العمل، أو لبلوغ السن النظامية، وأخيراً الوفاة. وحُددت هذه المكافأة بما يعادل راتب ثلاثة أشهر.