لا تزال أعاجيب النجاة من مخاطر فاجعة جدة الثانية حديث المجالس والأنس عبر الهاتف، بعدما بدأت المدينة الساحلية تلملم جراحها، وتحاول تحدي ظروفها للعودة إلى طبيعتها. وربما كانت حكايتا المولودة فاطمة"طفلة المطر"، والدكتورة هدى المشاط التي تحوّلت مصارعة للسيول أبرز الحكايات على ألسن أهل جدة. أما فاطمة فأطلقت صرختها الأولى قبل ثلاث ساعات فقط من هطول المطر الأربعاء الماضي. ولدتها"أم أنس"في مستشفى النساء والولادة في العزيزية فجر الأربعاء، وعادت مع زوجها وإخوتها إلى منزل الأسرة في حي بني مالك. في غضون دقائق، وقبل أن تكتمل الفرحة بالمولودة الجديدة، تحوّل الدور السفلي في المنزل بركة من المياه. الأم ومولودتها كانتا على رأس الأولويات، دقائق عصيبة تمكّن فيها رجال البيت من نقلها سريعاً إلى سطح المنزل، حيث بقيت الأم مذهولة، وابنتها لا تكف عن الصراخ. وأضاف أخو"أم أنس"يوسف محمد:"بقينا جميعاً طوال نهار الأربعاء ولمدة يومين نتوسد السطح. لم يبق البعوض مكاناً في جسد الأم وابنتها إلا ونهشه، وبقيتا تعانيان من الرطوبة وضعف وإعياء شديد". أما الدكتورة هدى المشاط، فصارعت السيل والموت نحو 39 ساعة متواصلة في شارع"التوبة"، ولم تصدق أنها على قيد الحياة، إلا أنها نجت بأعجوبة. وقالت هدى ل"الحياة":"حين بدأت الأمطار في الهطول، خرجت من الكلية التي أعمل فيها في حي الشرفية باتجاه منزلي، فتعطلت السيارة في شارع التوبة بسبب المياه، وظللنا عالقين من الحادية عشرة صباح الأربعاء حتى الثانية بعد منتصف ليل الخميس، كانت مأساة مرعبة، السيل يجرف سيارتي والسيارات التي بجواري، أرى كل ذلك بعيني كأنه كابوس". وأضافت:"السيارة تسبح في الشارع الذي تحول نهراً، متنقلة من مكان إلى آخر بحسب اتجاه السيل. وأنا بداخلها لا حول لي ولا قوة، ولا معين أو نجدة من أية جهة، وبعد أن شاهدت سيارة الشرطة غارقة هي الأخرى إلى جواري، يئست من إمكان إنقاذي". وقالت:"اتصلت بالدفاع المدني فلم يجبني أحد، وأنا أشاهد السيارات والناس في قبضة السيل، سيارتنا تغرق حيناً في المياه التي ارتفع منسوبها متراً ونصف المتر فنرى الهلاك، وترتفع تارة أخرى فيطل علينا الأمل بالنجاة". وتصف الدكتورة هدى ما حدث بأنه هلع وفجيعة وهلاك بدني ونفسي، كونها رأت الأطفال والحوامل والرضع عالقين في السيل، فلم يسلم بشر ولا شجر ولا حجر من هجمته العنيفة.