لا تعني هذه الذكرى المميزة مجرد مناسبة وطنية عابرة فحسب، وإنما وقفة تأمل وإعجاب بقدرة الملك عبدالعزيز على التحدي والبناء وتخطي العوائق والصعاب والتغلب على كل التحديات بفضل وتوفيق من الله أولاً، ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل أمور الحياة. ففي عام 1351ه، أعلن الملك عبدالعزيز، رحمه الله، توحيد أجزاء هذه البلاد الطاهرة تحت اسم المملكة العربية السعودية بعد جهاد استمر 32 عاماً أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدى كتاب الله الكريم وسنة رسوله، لتنشأ في ذلك اليوم دولة فتية تزهو بتطبيق شرع الإسلام وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الإنسانية في كل أصقاع الدنيا، ناشرة السلام والخير والدعوة المباركة، باحثة عن العلم والتطور، سائرة بخطى حثيثة نحو غد أفضل لها ولجميع المجتمعات البشرية. في هذا اليوم المجيد الذي غيّر مسار الأحداث في العالم أجمع، تكوّنت المملكة العربية السعودية وأصبحت من الدول الرائدة عالمياً، خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي، وهي تعيش حتى الآن في موجة تطور لا تنتهي منذ إعلان المملكة، إذ تسير الحياة فيها بجهود قادة هم امتداد للمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، متمثلة في قائدنا خادم الحرمين الشريفين وملك القلوب وفخر العرب الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله. دولة تمتلك مثل هؤلاء القادة الأبطال لا بد لها أن تكون دولة رائدة، ولهذا فاليوم الوطني للمملكة يجب أن يحتفل به العرب والمسلمون جميعاً، لأن في هذا اليوم كان الأمان في بداية خدمة الحرمين الشريفين وتحمل شرف خدمة المسلمين بكل أمانة وترحاب، ما أعاد نشر ورفعة الإسلام عالياً. ويجب أن نشيد بهذا البناء الراسخ الذي ارتفع عالياً بوجود هذه المملكة التي أصبحت معلماً أساسياً من معالم الحضارة الإسلامية الحديثة الحاسم في إعلاء كلمة المسلمين وفي تأكيد الصلة الإسلامية بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف جنسياتهم. من الصعب أن نتحدث هنا عن رجل في قامة وعظمة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، وذكراه العظيمة في ذكرى يومنا الوطني، إذ تحتاج الكثير من الوقت ولا يكفي؟ لأن مسيرة وسيرة هذا الرجل القائد يندر أن توجز بلقاء. فمهما كتب عن الملك عبدالعزيز فهو لم يعط حقه كاملاً، مهما بلغ من الثقافة والإنصاف والدراية بشخصية مؤسس هذا الكيان العظيم. وكان الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، على علم ودراية بالحال العامة في الجزيرة العربية في معظم أجزائها، فلم تكن هناك أي هوية أو وحدة سياسية مع عزلة اجتماعية مهلكة وفقر وفاقة شديدين وغياب تام للأمن وشعور مطلق بالخوف بمعنى أدق كان يتخبط الجزيرة الثالوث الرهيب الجوع والخوف والمرض. وما سمعناه من الآباء والأجداد لا يتسع المقام لحصره، ويكفي أن أضرب مثلاً واحداً، وهو معروف في كل أجزاء الجزيرة العربية قبل توحيدها، وهو أن"الخارج من داره لأي غرض مفقود والعائد إليها مولود"، فالغارات على المدن والقرى وبين القرى والقرى والبادية وعلى عابري السبيل هي الحدث المتصل، حتى غدت بعض الجرائم مثل قطع الطريق، السرقات، الغزو من الأعمال المقبولة والمبررة عند كثير من الناس. واستذكر في هذه الذكرى المشرقة باعتزاز وتقدير للملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، ما حققه لهذا البلاد المترامية الأطراف ولمواطنيها من خير كثير نتجت منه وحدة أصيلة حققت الأمن والأمان بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل جهاده وعمله الدؤوب فكانت أمناً وأماناً وبناء ورخاء. حيث شهد توحيد هذه البلاد ملحمة جهادية تمكن فيها الملك عبدالعزيز رحمه الله من جمع قلوب وعقول أبناء وطنه على هدف واعد نبيل جعلهم يسابقون ظروف الزمن والمكان ويسعون لإرساء قواعد وأسس راسخة لهذا البنيان الشامخ فتحقق للملك عبدالعزيز هدفه النبيل الذي استمر في العمل من أجله سنين طويلة. فلا شك أن الملك عبدالعزيز ? طيب الله ثراه ? عبقرية سياسية قل أن يتمتع بها نظراؤه من أبطال التاريخ فكان صاحب رأي وحكمة وكلمة وعقل، صان البلاد ووحدها وحسن الزراعة والمواصلات والصحة وازدهرت في عهده التجارة واهتم بالحجاج وراحتهم. ورحل الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد أن أرسى منهجاً قويماً سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه المستمدين من شرع الله المطهر كتاب الله وسنة رسوله. وتولى أنجاله من بعده مقاليد الأمور في البلاد فتتبعوا خطاه وساروا على نهجه فحققوا الكثير من الإنجازات. حيث يزداد يوماً بعد يوم احترام العالم أجمع وتقديره للديبلوماسية السعودية التي حققت العديد من الإنجازات المشهود بها على الصعيد الإقليمي أو على الساحة الدولية على اتساعها وكثرة الفاعلين فيها. احترام العالم وتقديره للمملكة وديبلوماسيتها لم يأت من فراغ وإنما هو نتاج طبيعي لأسس وثوابت وركائز مميزة قامت عليها الديبلوماسية السعودية منذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز ? طيب الله ثراه ? والتزام أبنائه الميامين من بعده، هذه الركائز والثوابت قائمة على الحكمة والاتزان والموضوعية في التعامل مع الأحداث والمستجدات على الساحة الدولية وتعزيز التضامن العربي ونصرة الحق وإغاثة الملهوف وسلوك الطرق الودية في حل الخلافات مع الغير، وتغليب مصلحة الشعوب على ما عداها. كل هذه الثوابت والمرتكزات التي تقوم عليها الديبلوماسية السعودية. * مدير معهد الأمير سلطان الصناعي. [email protected]