يتجول الكاتب المصري السيد ياسين في كتابه «ثورة 25 يناير بين التحول الديموقراطي والثورة الشاملة»، الصادر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية ( القاهرة)، شرقاً وغرباً، ضارباً في عمق التاريخ ومجاهل المستقبل، عبر 450 صفحة يمكن الاكتفاء منها بنحو 100 صفحة فقط، لو كان الحديث «في» الثورة، ولكنه يتكلم «عن» الثورة وحولها. والحديث «في» الثورة يحتاج إلى ثوري، يرى الهدف بوضوح، ولا يحوم حول ظواهر لا يجرؤ على تسميتها بغير أسمائها الحقيقية. يقول الكاتب إنه قام بتأصيل مفهوم (العجز الديموقراطي)، وكنا ننتظر أن يتبع «التأصيل». توقَّع اندلاع عمل ثوري ينهي الأزمة، مثلما تكون الطلقة الأولى في الحرب إنهاء لحوار سياسي مستحيل بلغ نهايته من دون أن يحسم الجدل، فتكون الحرب مفتاحاً للحل. ينتمي البابان الأول والثاني (280 صفحة) إلى ماض لا يشتبك معه المؤلف، وربما لا يرفضه، إذ ظل يحث على إصلاحه، والإصلاح يتناقض مع نسف الوضع القائم بفعل ثوري ينهي مرحلة ويؤسس أخرى، في حين يثبت ياسين أننا «نحتاج إلى إقامة أكبر حوار ديموقراطي بين مختلف التيارات المصرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار» (ص 219)، فكيف تستقيم تلك الدعوة مع وجود «عجز ديموقراطي»، ومع العجز لا يجدي علاج، وإنما جراحة لاستئصال أورام تحول دون تدفق دماء الديموقراطية، بعد انسداد الآفاق وتصلب الشرايين. لغة الأنين العلاج بالإصلاح الجزئي يتسق مع وصف المؤلف للقائه الرئيس المخلوع حسني مبارك يوم 30/ 9/ 2010 مع 11 كاتباً، بأنه «لقاء ثقافي فريد»، في حين كان أي مراقب يكاد يرى الجبل يتحرك، وأنين الجنين الثوري يُسمع، ولكن لغة الأنين لم تكن مفهومة لمن ضبط موجة الاستقبال على (الإصلاح) لا (الثورة). يريد قارئ مثل هذا الكتاب أن يقفز سريعاً، طاوياً أكثر من 280 صفحة، كي يصل إلى الباب الثالث وعنوانه (ما بعد ثورة 25 يناير 2011). هنا يأتي مصطلح (الثورة) اعترافاً اضطرارياً متأخراً بأمر واقع، كأنه تنبؤ بالثورة الشعبية بعد نجاحها في إزاحة نظام، أو القضاء على رموزه العليا على الأقل، ولكن ياسين في هذه الفصول/ المقالات، يسمي ما حدث في تونس ومصر «هبّة»، كما سجل ذلك في مقاله في (الأهرام) يوم 3/2/2011 (ص 298)، أو «تظاهرات حاشدة» كما سمّاها في مقاله في (الأهرام) يوم 10/2/2011 (ص 306). في هذه الفصول/ المقالات، كان ياسين يراهن على الإصلاح مع بقاء النظام البائد، داعياً إلى «تنظيم حوار سياسي قومي يدور بين السلطة وكافة الأحزاب المعارضة الشرعية، بالإضافة إلى ممثلين للحركات السياسية الجديدة والشبابية الذين قاموا بالانتفاضة» (ص 300)، وكأن صيحات الثوار في ميدان التحرير لا تصل إلى مؤسسة «الأهرام»، وقد تلخصت مطالب الثوار في شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، برموزه ودستوره وقياداته التي تعاني العجز والشيخوخة والفساد، إلا أن المؤلف ظل، حتى قبل رحيل مبارك بأربع وعشرين ساعة، يستعرض (إصلاحات) النظام، ومنها «أعلن الرئيس أنه لن يرشح نفسه لفترة تالية، لا هو ولا السيد جمال مبارك»، وكان جمال مبارك مازال سيداً! فرق كبير بين استشعار غضب جماعي ينتظر الشرط التاريخي لانفجاره وبين اللحاق بالقطار تحت ستار مصطلحات تخرج من الجراب، لكي تستر فرق التوقيت بين الثوار الشباب والمتابعين المسنين. إلا أن المؤلف حرص على أن يسجل، أو يتنبأ بأثر رجعي، بأن ثورة 25 يناير «قامت لتقضي نهائياً على نظرية التحول الديموقراطي وتثبت أنه لم يكن هناك حل إلا بالثورة الشاملة!»، علامة التعجب كتبها السيد ياسين.