سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شارك في مؤتمر المدينة التركية... واعتنى بتوثيق أصل الفتوى الذي تم تصحيفه وتحريفه . الطريري يكشف جناية "فتاوى ابن تيمية" على صاحبها ... و سر "سجال ماردين"
أعاد الشيخ عبدالوهاب الطريري، كثيراً من التشويه الذي لحق بشيخ الاسلام ابن تيمية إلى"تصحيف"غير مقصود، جرى لفتوى العالم الراحل، في نسختين من مجموع فتاواه، انتشرت بلغات عدة، وأصبح معناها"المحرف"ملهماً لكثير من الجماعات الإرهابية داخل العالم الإسلامي وخارجه. ومع أن الطريري كان ضمن مجموعة من فقهاء الشريعة، أثبتوا المعنى الصحيح لفتوى ابن تيمية، في ما عرف بمؤتمر"ماردين"، إلا أن باحثين شرعيين اعتبروا صنيع الطريري ومن معه جاء في السياق الذميم للتعاطي مع التراث الإسلامي. الدكتور الذي خبَر التيار الإسلامي وسجالاته، اختار أن تكون مشاركته فيما أثير من نقاش، توثيقاً محترفاً للفتوى، وبياناً للمعالجة التي تبناها هو وصحبه في تأويلها وتصحيها، إلى جانب روايته للكيفية التي جرى تصحيفها عبرها، وتمّ تحريفها عن مسارها، وتحولت من نموذج للاعتدال إلى النقيض تماماً. في ما يأتي نص توضيحه بتلخيص يسير. أما ولما يهدأ السجال بعد حول مؤتمر ماردين فلا بد من أداء الشهادة بالحق لمن علم إلا من شهد بالحق وهم يعلمون. وكنت ممن شهد هذا المؤتمر منذ تكونت فكرته الأولى وإلى أن صدر بيانه الختامي. فقد عقد مركز التجديد والترشيد بالتعاون مع جامعة ماردين مؤتمراً حول فتوى ماردين، وترأس هذا المؤتمر بتألق علمي باهر شيخنا العلامة عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه متع الله بعلمه وعافيته، وكان هذا المؤتمر أحد مبادرته العلمية الجليلة والكثيرة، وكان مما هدف إليه الانطلاق بفتوى ماردين من المكان إلى كل مكان ومن زمان شيخ الإسلام إلى كل زمان. وكان لهذا المؤتمر معالم مهمة أحببت إيضاحها. أولاً: تصور فتوى ماردين اشتهرت فتوى ماردين عن شيخ الإسلام ابن تيمية فإن ماردين وهي المنطقة التي وُلِد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتقع فيها بلده حران قد استولى عليها التتار في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية وخرج منها هو وأهله وهو في السابعة من عمره. وكان أهل ماردين مسلمين واستولى عليهم التتار والذين كانوا يجمعون بين الكفر - في نظر شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي عاصرهم وعرفهم - وبين البغي والعدوان حيث استولوا على ديار المسلمين وبغوا فيها بأعظم أنواع البغي والفجور، فهي بلد أهله مسلمون والمتغلب عليه غير مسلمين. وجاء السؤال لابن تيمية لمعرفة حال أهل هذا البلد: هل يصح وصفهم بالنفاق؟ وهل تجب عليهم الهجرة؟ وهل تعتبر دارهم دار إسلام؟ فأجاب بجواب تضمن معالم واضحة أهمها: حرمة دماء أهل ماردين وأموالهم، وأن بقاءهم في بلادهم تحت سلطة الكفار المتغلبين عليهم لا يهدر شيئاً من حقوقهم، ولا يحل سبهم ولا رميهم بالنفاق. عدم وجوب الهجرة عليهم إذا تمكنوا من إقامة دينهم. حرمة مساعدتهم لعدو المسلمين، ولو اضطروا إلى المصانعة أو التعريض أو التغيب. إن دارهم ليست دار إسلام محض، لأن المتغلب عليها غير مسلمين وليست دار كفر، لأن أهلها مسلمون، ولكنها دار مركبة فيها المعنيان، يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. وكان هذا التوصيف إحدى سطوعات عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ثانياً: تصحيح نص الفتوى في السطر الأخير من إجابة ابن تيمية نص على القول"بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه?". انتهى. وقد وقع الاختلاف في كلمة في السطر الأخير منها يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. فقد تصحفت في بعض المطبوعات إلى: ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. وقد جاءت الفتوى على الصواب، أولاً: في النسخة المخطوطة الوحيدة الموجودة في المكتبة الظاهرية وهي برقم 2757 في مكتبة الأسد بدمشق. وثانياً: فيما نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية، وهو تلميذ ابن تيمية وقريب العهد منه فقد نقلها على الصواب ويعامل في الآداب الشرعية 1/212. وثالثاً: نقلت الفتوى في الدرر السنية 12/248 على الصواب، وكذلك فعل الشيخ رشيد رضا في مجلة"المنار". وأما هذه التصحيف فقد وقع أول ما وقع قبل مئة سنة تقريباً في طبعة الفتاوى التي أخرجها فرج الله الكردي عام 1327ه / ثم تبعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن القاسم رحمه الله في مجموع الفتاوى 28/248 .وأصبح هذا النص هو المشهور والمتداول لشهرة طبعة مجموع الفتاوى وتداولها بين طلبة العلم. كما أن ترجمة الفتوى إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية اعتمدت على النص المصحف وقد أحدث هذا تشويهاً لصورة الإسلام وبلبلة فكرية لدى بعض الشباب الذين اعتنقوا الإسلام في الغرب. ولو لم يكن من نتائج المؤتمر إلا إشهار هذا التصحيح لكان إنجازاً حقيقاً بالحفاوة. ثالثاً: تصحيح معنى الفتوى الماردينية أصبحت الفتوى الماردينية بالنص المحرف مصدر استمداد لجماعات العنف والاقتتال داخل المجتمع الإسلامي. وممن اعتمدها بنصها المصحف وجعلها مصدر استدلال محمد عبدالسلام فرج في كتابه الفريضة الغائبة ص 6 وهو الذي كان دستور الجماعات القتالية. وقد تعقبه في ذلك جمع من العلماء منهم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق، والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى في الأزهر رحمهم الله، في كتاب نقض الفريضة الغائبة ص80 وقد ناقشوا مضمون الفتوى ولو وقفوا على النص الصحيح لها لكفوا كثيراً من القول. وسبب استمداد القتاليين من هذه الفتوى وجعلها دليلاً لهم أن عبارة ويقاتل الخارج عن الشريعة. تضمنت أمرين: الأمر الأول: تشريع القتال للخارج عن الشريعة بصيغة البناء المجهول وبذلك أصحبت هذه الجماعات تدعي أنها هي التي ستقوم بهذا الدور بما فيه قتال الخروج على الدول والمجتمعات الإسلامية. ثانياً: لفظة الخارج عن الشريعة لفظة واسعة فإن الخروج عن الشريعة مساحة واسعة تبدأ من صغائر الذنوب وتنتهي إلى كبائر الذنوب الكفرية، وبالتالي أصبحت كل هذه المساحة مساحة للقتال. وبتصحيح النص يتم تجريد الفتوى من هذا المتمسك للجماعات القتالية، كما أن التفقه في معنى الفتوى يجردها أيضاً، فإن هذه الفتوى أكدت في ضمن ما أكدته حرمة دماء المسلمين، وأغلقت كل أبواب الافتئات على دمائهم وأموالهم وأعراضهم حيث قال شيخ الإسلام رحمه الله: دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها... ولا يحل سبهم عموماً ورميهم بالنفاق. رابعاً: الانطلاق من الفتوى الماردينية اختار شيخ الإسلام القول بالدار المركبة إذ إن التقسيم الذي جرى عليه كثير من العلماء أن كل دار غلب عليها أحكام المسلمين فهي دار إسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار كفر ولا دار لغيرهما. كما في الأحكام الشرعية لابن مفلح 1/212. وقال الشيخ تقي الدين عن ماردين هي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار الإسلام التي يجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث. فهذا القسم الثالث الذي فرّعه شيخ الإسلام في أحكام الدور وفرع عليه جواز الإقامة فيها ما دام أهلها متمكنون من إظهار الشريعة وأن المسلم يعامل فيها بما يستحق ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه، يمكن الانطلاق منه إلى توصيف البلاد التي يقيم فيها المسلمون إذ ما ثم رقعة في العالم اليوم إلا وللمسلمين فيها وجود وتواجد، وتختلف ظروفهم من بلد إلى بلد فهم في بعض البلاد غير المسلمة يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة ويستطيعون إظهار شعائر دينهم ويمارسون عباداتهم ولا يكرهون ولا يستكرهون على منكر، فيمكن أن توصف هذه البلاد بأنها فضاء سلام، وأنها وإن لم تكن دار إسلام فإنها دار سلام وأمن يأمن فيها المسلمون على دينهم ويجوز البقاء فيها ما داموا في حال تمكن من إظهار دينهم. كما دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمهاجرين الأول إلى أرض الحبشة وهي دار كفر وكان المبرر لذلك كونها دار أمان لهم يأمنون فيها على دينهم، لأن بها ملكاً عادلاً لا يظلم الناس عنده وإلى ذلك انتهى بيان مؤتمر ماردين حيث نص في فقرة منه على هذا المعنى. هذا التقسيم للدور وإن كان مما ابتكره شيخ الإسلام ابن تيمية ولكن ما قرره في هذه الفتوى من جواز الإقامة في البلد الذي تغلب عليه الكفار إذا تمكن المسلمون من إقامة دينهم قد شاركه فيه غير واحد من أهل العلم ففي فتاوى شهاب الدين الرملي: سئل عن المسلمين الساكنين في وطن من الأوطان الأندلسية يسمى أرغون وهم تحت ذمة السلطان النصراني يأخذ منهم خراج الأرض بقدر ما يصيبونه فيها، ولم يتَعدّ عليهم بظلم غير ذلك لا في الأموال ولا في الأنفس ولهم جوامع يصلون فيها ويصومون رمضان ويتصدقون ويفكّون الأسارى من أيدي النصارى إذا حلّوا بأيديهم، ويقيمون حدود الإسلام جهراً كما ينبغي ويُظهِرون قواعد الشريعة عياناً كما يجب، ولا يتعرض لهم النصارى في شيء من أفعالهم الدينية ويَدْعون في خطبهم لسلاطين المسلمين من غير تعيين شخص، ويطلبون من الله نصرهم وهلاك أعدائهم الكفار، وهم مع ذلك يخافون أن يكونوا عاصين بإقامتهم ببلاد الكفر. فهل تجب عليهم الهجرة، وهم على هذه الحال من إظهار الدين، نظراً إلى أنهم ليسوا على أمان أن يكلفوهم الارتداد والعياذ بالله تعالى، أو على إجراء أحكامهم عليهم، أو لا تجب نظراً إلى ما هم فيه من الحال المذكور؟ فأجاب: لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم لقدرتهم على إظهار دينهم به، ولأنه صلى الله عليه وسلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينه بها، بل لا تجوز لهم الهجرة منه، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم، ولأنه دار إسلام فلو هاجروا منه صار دار حرب، وفيما ذكر في السؤال من إظهارهم أحكام الشريعة المطهرة وعدم تعرض الكفار لهم بسببها على تطاول السنين الكثيرة ما يفيد الظن الغالب بأنهم آمنون منهم من إكراههم على الارتداد عن الإسلام أو على إجراء أحكام الكفر عليهم. انتهى. وفي فتاوى أبي القاسم السمرقندي: قال العبد: هذه البلية الواقعة في زماننا باستيلاء الكفار على بعض ممالك الإسلام لا بد فيها من تعريف الاحكام، أما البلاد التي في أيديهم فلا شك أنها بلادُ الإسلام لا بلادُ الحرب لأنها غيرُ متاخِمةٍ لبلاد الحرب ولأنهم لم يُظهروا فيها حكم الكفر بل القضاة مسلمون، ومن قال منهم أنا مسلم أو يَشهد بالكلمتين يُحكم بإسلامه، ومن وافقهم من المسلمين فهو فاسق غير مرتد ولا كافر وتسميتهم مرتدين من أكبر الكبائر، لأنه تنفير عن الإسلام وتقليل لسواده وإغراء على الكفر، وكفى بذلك جحةً إجراءُ احكام الإسلام من صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم على المنافقين مع الوحي الناطق بنفاقهم. والملوك الذين يطيعونهم عن ضرورة مسلمون، وإن كان عن غير ضرورة فكذلك وهم فساق. انتهى. ومثلها فتوى الإمام المازري المالكي رحمهم الله.