في لوحات المعرض الشخصي الثالث للفنانة لميس حموي في"غاليري"العالمية، ذاكرة مستعادة للأماكن القديمة وحكايات شرقية خالصة حولتها الفرشاة إلى بورتريهات لجميلات من عالم شهرزاد، ولوحات مشهدية للحارة الدمشقية ومجموعة أخرى عن وجوه فتيات فاتنات ومتعبات من السهر والشوق والانتظار، أما اللوحات الصغيرة غلب عليها الطابع التجريدي لعوالم العابرين المهمشين المنسية . حموي تسرد في تشكيلاتها اللونية حالات شعورية غامضة لفتيات أقرب للسكينة والحلم، كأنها رغبات متصادمة مع الآخر أو هواجس حائرة بشأن المستقبل المجهول، وتلفت الانتباه طريقتها في سكب أناقة الأنوثة على سطح اللوحة عبر كسر الإيقاع بوشاح يطير،أو إضافة تفصيل شاعري في تكوينات تعبيرية زاهية تختال أمام عين الرائي مستريحة على جدران الجاليري، مرسومة بألوان الأكريليك على قماش أو ألواح خشبية. وتحاول الفنانة السورية العزف على أكثر من مقام لوني، وتستحضر في لوحاتها ملامح ميثولوجية لذوات هائمة في متاهة الزمن تبحث عن سلامها الداخلي وشظايا كيانها المبعثر، هذه الكائنات تغادر حقبتها الزمنية، وتهرب من سجن عزلتها عبر نوافذ حلمية لتعانق طائر العنقاء في أفق متوسطي غير معهود السياق. وتمثل هذه الإشارات المتناسخة أمنيات طفولية نبصرها في حقول الألوان الأرجوانية في اتحادها مع خصوبة الألوان الترابية حتى أقصى درجات الانصهار، وتكون النتيجة ميلاد براعم المعنى ودلالات خلابة على ضفاف مجازات بصرية، تخفف من فوضى العناصر في فضاء اللوحة. لميس خريجة كلية الفنون الجميلة بدمشق تركز على دمج سحر الزخرفة في نسيج لوحاتها عن القباب والمآذن، وتصور أجساداً نسائية موشحة بالبهجة والقلق الوجودي، وترتب عناصر اللوحة في بساطة تقنية وتناسق فصيح، وتجد في الضوء الناعم الذي يتسرب إلى جسد اللوحة طاقة روحية تبث فيها الحياة، وهذا ما يفسر إعجابها بالفنان الأمريكي من أصل إيطالي بينو دييني الذي يرسم نساءه بموسيقى لونية فريدة، ورهافة أسلوب رومانتيكي أخاذ. وتفسر لميس تعدد المواضيع في لوحات المعرض إلى تركيزها على الجوهر الجمالي وليس على المظاهر الشكلية، وهي تسعى لرصد مواقع التمازج الحضاري في العمارة الإسلامية، وقضايا المرأة في الوطن العربي بحس تجريدي وبناء واقعي، وتتجلى الفكرة في النهاية على شكل انفعالات لونية تخترق الجدران والسطوح، مؤكدة أن قيمة العمل الفني في الابتكار والصدق، وليس في الأسلوب أو موضوع اللوحة.