يمارس عدد كبير من أفراد عائلات متنفذة في الخليج، جهداً متواصلاً لاستقطاب أسماء لامعة من مجتمعات بلدانهم، أو خافتة، تصبح لاحقاً ذات تأثير قوي على اقتصاديات وسياسات الخليج من زاويا خفية تشبه إلى حد كبير تكتيكات الماسونية العالمية. تنال «ماسونية الخليج» اسماً دارجاً معروفاً، وهي طبقة اجتماعية تأسست توافقاً مع متطلبات مرحلة نشوء عروش المنطقة، كانت جزءاً مهماً من معادلات الأمن الاستراتيجي، وطريقة بدائية لتقاسم مكاسب الانتصار من وجاهة ومال، ثم أصبحت دائرة ترف اجتماعي، وخطوة أولى نحو لقب «مليونير» طالما صاحب النفوذ يعتبرهم «شعباً مختاراً» يحق لهم ولمن يستعين بهم كسر قوانين، ووضع اصبع في كل عين. تتمدد هذه الطبقة تحت طبقة الأسر النافذة، وفوق بقية الأوطان، غالبيتهم لطفاء في السرادق، جهابذة في غيرها، عباقرة في «ربط الحمار» حيثما يريد صاحبه، نصائحهم وآراؤهم تكسب الجولة دوماً ضد بيوت الدراسات العلمية، تأثيرهم بالغ الخطورة في تحويل «الساسة» إلى تجار. تمنح الطبقة المنتمين إليها حظوظاً كبيرة لمصلحة تأسيس عائلة تجارية جديدة في خليج مكتظ بأكثر من 36 ألف عائلة تجارية يملكون أكثر من 92 في المئة من ثرواته، كما أن رضاهم عن حظوظهم سبب قوي لإقناع أصحاب القرار بأن «الدنيا بخير» وابتسامة الرضا موسومة على جبين الحجر قبل البشر. يوجد قلة من هؤلاء يسعون لنقل معارفهم إلى جمجمة حاضنهم، يمنحونه نافذة صادقة على وطنهم، يمارسون أدواراً نبيلة في مساعدة أهل المرض والعوز في نيل حقوق أضاعتها جهات معنية بخدمتهم، فيما غالبيتهم يقرأون عنه صعاب الكتب، ويقنعونه بأنه كتب أجمال القصائد، و«عصائد» مقالات أو مقترحات قادرة على تقديم حل لكل علل البلاد والعباد. تتقارب مجالس هذه الطبقة مع مجالس أعضاء شرف الأندية الرياضية، فلا يجوز حيازة «شرف» مجلسين في آن واحد، ولا إخفاء التعصب حتى في غرف النوم، في حين يوجد عدد محدود منهم ينال عقوداً بملايين الريالات في مقابل الانتقال من بلد إلى آخر تفوق قيمتها قيمة عقود محترفي كرة القدم بين الأندية الخليجية. تكسر أغلبية هذه الطبقة ظهر اقتصاد بلدانهم، فاعتماداً على الأموال والنفوذ يسيطرون على أسواق العقار، الصناعة، المناقصات الحكومية، الأسهم، وكذلك مواريث أيتام ضعفاء، أو ممتلكات تجار نالوا الجنسية بحكم قانون لا يمنحهم حماية مطلقة من احتمال عودتهم إلى بلدانهم على ظهر «سنبوك» متدثرين بلباس بلدانهم الأصلية. تتأثر السياسات الداخلية لبعض بلدان الخليج بأيديولوجيات هذه الطبقة، فمحدودية تفكيرهم، وقلقهم على ديمومة مكاسبهم، تحاصر كل توجه تنموي، بأسلوب قوي وخفي، «ماسوني» الذكاء، بالغ الدهاء، ذي فعل غالب على مجالس برلمانية. يخطف هؤلاء الأوطان، سياسة واقتصاداً، مع قدرة على توريث كراسيهم لأبنائهم، أو حجز كراسي جديدة لهم عند أبناء صانع القرار ما دام النفوذ وراثة والولاء سلعة! [email protected] twitter | @jeddah9000