فى حيِّنا دكان تتناوب عليه مشاريع كثيرة، وفي كل مرة تكون النتيجة الإفلاس والإقفال والخسارة، كأكثرية المحال التجارية فى المدينة وبقية المدن اللبنانية، حينها توضع لافتة من جديد، برسم الاستثمار أو البيع، وتحفظ للمرة المقبلة حتماً، وعند السؤال عن السبب، تكون الضائقة الاقتصادية هى الاجابة حتى حدود ثورة المجاعة، والناس لا تتحرك الا بخيوط فوقية كالدمى. أتى الفرج عندما افتتح رجل المحل وهو يعرف أحوال البلد أكثر من غيره، ويدرك أن البطالة سيدة المواقف، فأصبح المقهى عامراً ليلاً نهاراً، والمدخول بحدود معاش نائب أو وزير وأكثر، وثمة من يتزاحم على الكرسى فيه كأنه كرسى النيابة، وروائح التبغ والتنباك تعطر الاجواء والشوارع والبنايات العالية، والجمر فى الليل يعلو النارجيلات لان الكهرباء مقطوعة كعادتها، وحتى «الديليفري» للسيدات والبيوت، حتى النار من الشرفات تتساقط كالنيازك، وبهذا يكون المنظر أجمل، وأحاديث السياسة فى المقهى تعلو فوق صوت الفساد. والحقيقة أن صوت التناحر هو النقيق بعينه، ولعب الورق يتطاير، وضرب الأيدي على الطاولات ، و «الأص» سيد الموقف يثير الاهتمام أكثر من الرغيف، والمدارس واوباما وظلم العراق وغزة وفلسطين المحتلة والجدار الفولاذي، وحتى الأرغفة المسروقة والمحتال فيها على الناس، لا أحد يهتم، وهنا سألت نفسي: ما مصير هؤلاء الناس من دون العيش الكريم؟ ما مصير الرئات العامرة بالأسفلت والنيكوتين؟ وما هو مصير العائلات والعامل والفلاح، أو بالأحرى جيوب هؤلاء الكادحين؟ والأكثر الأهم مسؤولية الدولة التى تركت الناس تعيش فى الفراغ فتحاول ان تسد أوقاتها بضياع الورق؟