العدوان الإجرامي الأخير على قطاع غزة، لم ينهِ حال الصمود وإرادة المقاومة، ولن ينهي الصراع مع إسرائيل ولا القضية الفلسطينية، لكن المؤكد أن المستهدف ليس"حماس"ولا مطلقي الصواريخ، بل الشعب الفلسطيني ككل، إذ غالبية الشهداء والجرحي ليسوا مقاتلين في حركة حماس، إن أبناء"حماس"من الشعب وليسوا مقاتلين مرتزقة، وإسرائيل غير صادقة بقولها إنها تستهدف فقط مقاتلي حماس، فالسؤال: هل أبوعلي مصطفى وياسر عرفات والشقاقي كانوا قادة في"حماس"؟ وهل آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحي ومثلهم من الأسرى كلهم من حماس؟ وإن كان المستهدف فقط هي حركة حماس 1987، فهل كانت علاقة إسرائيل بالفلسطينيين قبل هذا التاريخ علاقة سلام وتعايش، أم صراع دامٍ ومرير؟ هل الذين قتلوا في مجازر دير ياسين وقبية وخانيونس وصبرا وشاتيلا وإيمان حجو ومروان فارس ومحمد الدرة وعائلة أبوغالي، وأكثر من خمسة آلاف شهيد خلال انتفاضة الأقصى إلخ، هم من تنظيم حركة حماس؟ إنه صراع وجودي ما بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية، وبالتالي فإن الرد على هذه المجزرة يجب أن يكون رداً وطنياً شمولياً وببعد عربي وإسلامي، ولا ننساق لما تريده إسرائيل بتحويل الصراع لصراع ما بين حماس وإسرائيل، أو بين غزة وإسرائيل. لو أن كل مجزرة ارتكبتها إسرائيل تحسب نصراً لها لسطرنا لها عشرات الانتصارات، ولكن ما قيمة هذه الانتصارات، طوال 60 عاماً، ولم تجبر الشعب الفلسطيني على الاستسلام؟ إن ما تعتبره إسرائيل نصراً هو في الحقيقة هزيمة على المستوى الاستراتيجي، لأنها"انتصارات"عمقت الكراهية بين الشعبين، صحيح أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، ولو وجدت إسرائيل في القيادات الفلسطينية من يرفع الراية البيضاء ويقبل بالشروط الإسرائيلية لحل الصراع، ولكن يجب ألا نذهب بعيداً بالحديث عن النصر، لأن كل طفل أو رجل يستشهد، وكل معطوب وأسير، وكل مؤسسة وبيت يهدم هي خسارة للشعب وإضعاف لمقومات الصمود، وعدم الاستسلام والصمود أمر محمود، ولكنه لا يعتبر لوحده انتصاراً. يجب على القوى السياسية ألا تتحدث عن انتصارات لمجرد أنها بقيت على قيد الحياة، أو أن قوة مقاتليها لم تتعرض للخسارة، فالشعب أهم من القيادات ومن الأحزاب، وإن لم تكن وظيفة القيادة والمقاتلين حماية الشعب ودفع الأذى عنه وتحمل المسؤولية عما يلحقه، فما وظيفتها؟ ومن الخطورة توظيف الدين ولي عنق النصوص المقدسة لتبرير أخطاء وتقاعس السياسيين، نعم سيسجل التاريخ للمقاتلين وللشعب الصامد كل آيات الاحترام والتقدير، ولكن سيسجل على السياسيين وما يستدعي المراجعة والمحاسبة. إذا وضعنا جانباً العواطف والانفعالات والمفاهيم الملتبسة للنصر والهزيمة، ولأنه ليس العدوان الأول ولن يكون الأخير، ولأن هذا هو أخطر عدوان ليس فقط من حيث عدد الضحايا وحجم التدمير، بل أيضاً من حيث إنه يجري في ظل حال انقسام جغرافي وسياسي فلسطيني خطر، فإن الامر يحتاج لمعالجة مغايرة، معالجة لا تؤسس على مجرد وقف المجازر الحالية وحل مشكلة حصار غزة، بل إضافة لذلك تعمل على إعادة الصراع لحقيقته وطبيعته الأولى كصراع وجودي بين الكيان الصهيوني وكل الشعب الفلسطيني، وأن للصراع مع العدوان وللقضية الوطنية ثوابت، على رأسها حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والحق بالمقاومة، والحق بالدولة المستقلة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم التي تم تهجيرهم منها، هذه الثوابت تعني أن المشكلة ليست في غزة فقط، بل أيضاً بالضفة المحتلة والقدس، وأنها معركة لا تخص فلسطينيي الداخل فقط، بل أيضاً الشعب الفلسطيني بالشتات، كما أنها قضية ذات بعد عربي وإسلامي. الانقسام السياسي والجغرافي خلق حالة من التعقيد في الحالة السياسية، ما أتاح لإسرائيل ظروفاً لتسريع تنفيذ هدفها بتدمير المشروع الوطني الفلسطيني، ولتجاوز قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتعترف للفلسطينيين بالحق في الدولة والاستقلال، إن هدف إسرائيل من حملتها العسكرية في غزة ليس منع إطلاق الصواريخ، نعتقد بأن الهدف الإسرائيلي يتجاوز ذلك بكثير، إضافة إلى وقف إطلاق الصواريخ، وفرض هدنة دائمة، ووقف المقاومة، هو تكريس فصل غزة عن الضفة، وزرع بذور فتنة وحرب أهلية مفتوحة في القطاع، حتى تتفرغ إسرائيل للضفة الغربية والقدس استيطاناً وتهويداً، وتلغي عملية السلام المتوقفة أصلاً. إبراهيم أبراش - الرياض Ibrahem [email protected]