مع صدور التعيينات الملكية السامية في المملكة العربية السعودية يوم أمس، التي تقضي بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء، وهيكلة القضاة، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وديوان المظالم والمحاكم في البلاد، وكذلك تعيين وزراء معظمهم من الشباب على هرم وزارات حيوية ومهمة في البلاد مثل التربية والتعليم، الإعلام، الصحة، والعدل، وهيئة حقوق الإنسان، وإعادة تشكيل مجلس الشورى. فإن كل ذلك يعد في واقع الأمر نقلة نوعية متميزة في فترة حكم خادم الحرمين الشريفين، تضاف إلى سجله التاريخي الحافل بالإصلاحات والمنجزات الحضارية. حرص خادم الحرمين الشريفين منذ توليه ولاية العهد وحتى توليه حكم البلاد السير بها نحو التقدم الدائم عبر إصلاح جميع الأنظمة الإدارية والسياسية التقليدية، التي كانت البلاد تسير عليها في المراحل السابقة لحكمه، وتواكب متطلبات تلك المراحل التاريخية. وقد أدرك خادم الحرمين بأن معظم تلك الأنظمة الإدارية التقليدية"البيروقراطية"لم تعد تصلح للاستمرار على الوتيرة والنهج نفسهما، كونها لا تخدم المصلحة العامة للمواطنين والمقيمين، على أرض هذه البلاد. كنت مع قلة من بعض الزملاء والزميلات من الكتاب الإعلاميين عندما نادينا كثيراً وطالبنا عبر أقلامنا التي تخط مقالاتنا الصحافية بضرورة الالتفات إلى متطلبات المرحلة التاريخية الراهنة التي تستوجب، مع وجود قائد متميز للبلاد مثل خادم الحرمين الشريفين الذي يقود حكومة رشيدة وحكيمة، ضرورة الاهتمام بكل ما يتطلبه العمل للإصلاح الإداري في مؤسسات الدولة الرسمية، من أجل نقلها من مرحلة"البيروقراطية البائدة"إلى مرحلة التكنولوجيا التقنية التي تديرها عقول براغماتية تساير متطلبات هذه المرحلة التاريخية بكل سماتها الإدارية العصرية الحديثة. إن الإصلاح كمطلب حيوي ومهم لمؤسسات الدولة الحكومية كافة ما هو في واقع الأمر إلا تمهيد لنقل الدولة إلى مرحلة التغيير ثم التحديث الذي ينشده المواطن السعودي، خصوصاً إذا ما كانت عملية الإصلاح الإداري، الذي تتطلع إليه القيادة السعودية جراء هذه التغييرات المهمة، ينتظر منها أن تترك آثاراً على قدر عظيم من الأهمية بالنسبة لمؤسسات البلاد التي طالها التغيير من أجل المصلحة العامة. إذا ما نظرنا إلى بعض الشخصيات الوزارية الجديدة وما يتمتعون به من مستوى علمي رفيع، وكذلك ما يتمتعون به من طموح وحماس كونهم ينتمون إلى جيل الشباب السعودي الواعد، فإن المتوقع منهم هو تقديم الكثير في مجال الإصلاح والتغيير، ثم تحديث وزاراتهم ببرامج ووسائل عصرية وتقنية متقدمة، ستغيرها بالتأكيد وتنقلها من وضعها التقليدي إلى وضع جديد بكل ما يرتبط به من نظم عصرية وتحديثية، الأمر الذي سينعكس مباشرة على نوعية الخدمات التي تقدم للمواطن السعودي في الفترة الراهنة والمستقبلية. قد تكون آمال المواطن السعودي كبيرة وعظيمة من أجل أن يلحظ تأثير تلك التغييرات الوزارية، خصوصاً الشبابية منها، على متطلباته الحياتية، إلا أنه من الضروري أن ندرك بأن الانتقال من مرحلة إلى أخرى لن يكون سريعاً وفجائياً، وإنما عبر عمليات تطويرية طويلة المدى، وتتم على مراحل متعددة قد يتخلل بعضها حدوث انتكاسات مرحلية طبيعية. إن عالم اليوم يسير سريعاً ويسابق الزمن ولا ينتظر أحداً، وهذا بالتحديد ما تتطلبه تحديات العولمة بكل أشكالها وأنماطها، لذلك فإن المجتمع السعودي لا بد له من تلمس دائم لعمليات الإصلاح ثم التغيير ليصل إلى التحديث المتواصل، طالما أنه ليس هناك أفق محددة للعملية التحديثية، في الوقت نفسه الذي يظل معناها منحصراً في نمط من الحياة المشتركة الذي نأمل جميعاً بأن يمثل الإعلام السعودي خلال المراحل المقبلة أحد العوامل المحددة لتغيير الكثير من المواقف وأنماط التفكير والسلوك التقليدي السائد. وربما نلمس في بعض هذه الشخصيات القيادية الجديدة ملامح طموحة للعمل تصلح ثم تضيف الجديد وتبدع فيه، وتفعل قبل أن تقول، وتركز إنجازاتها على تحقيق جزء من أهداف برامجها التي تطمح إلى البروز والنجاح من خلالها، فتدخل التاريخ رغماً عنّا كمؤرخين، لتثبت لنا بأن المناصب القيادية العليا في البلاد ما هي إلا وسيلة لغاية أعظم وهي التغلب على التقليدية والبيروقراطية المتفشية في مؤسسات الدولة الرسمية من خلال سعيها لبذل الجهود الدائمة التي تتوخى تجديد البنيات والمؤسسات الرسمية القائمين كوزراء جدد على هرمها وتطويرها بشكل تحديثي مستمر. * أكاديمية متخصصة في التاريخ المعاصر [email protected]