سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يرى أن قصيدة النثر خرساء وتشبه لغة الصم والبكم ... ويؤكد أن العرب ينظرون لنا كخليجيين بعين "عوراء" .سليمان الفليح : كويتيون حاولوا "عزلي" من معاجمهم على طريقة "الميليشيات" المسلحة ... وسعوديون لم يعترفوا بي
على رغم أن المتناقضات تهمة شنيعة، سرعان ما يتقاذفها الخصوم في ما بينهم عندما تدور رحا معركتهم، إلا أن تناقضات سليمان الفليح هي الصفة الجميلة التي تميزه بين أقرانه من المثقفين، فهو الشاعر الشعبي، ولكنه شاعر الفصيح المجيد لكتابته، البدوي المتشبث بأصالته، والعارف بأنواع الإبل والخيل، والمتحضر الفاهم بعمق لدلالات النجوم ومواسم الزراعة والحصاد، المتحدث بمعظم لهجات الجزيرة العربية الشعبية الدارجة، حتى ليخيل لك أنه الشمالي إذا ما تحدث بلسان الشمال والجنوبي إذا ما تحدث بلسان الجنوب، وذو اللسان العربي المبين عندما يبدأ حواره في الشأن الثقافي، ويستدعي الموقف حضور الفصحى ونبذ العامية. الفليح الذي ملأ المشهد الثقافي الخليجي ضجيجاً أدبياً نخبوياً، لم يخف عتبه على بعض الأصدقاء في السعودية والكويت أولئك الذين حاولوا أن يحجموا تجربته حتى التجاهل أو النسيان المتعمد أو العفوي"وأعني بذلك جامعي الموسوعات الشعرية ومعاجم الشعراء والانطولوجيا والذين دأبوا على محاولة تأريخ الحركة الشعرية في المنطقة"، كما أنه يرفض وبشدة"الأستذة"التي يمارسها المثقفون العرب على المثقف الخليجي... فإلى تفاصيل الحوار: بداية من أنت؟ وأين موقعك على الخريطة الثقافية العربية والإقليمية؟ - أنا بلا تواضع أو استجداء للقارئ يعتبرني النقاد صوت الصحراء العربية من المحيط إلى الخليج ونشيدها الأزلي الذي يحمل عطر أزهارها وحفيف أشجارها وظمأ مغاراتها الرهيبة وعويل كثبانها الجرداء ونوح يمائمها الحزينة وبصمات أبلها فوق الرمال وإيقاع حوافر خيلها فوق البطاح وعطش رجالها السمر الذين يرنون دوماً إلى مجاهيم السحاب وأنين ربابهم الذي يقطع نياط القلب... كل هذا في تجربتي الشعرية التي انطلقت منذ أواخر الستينات الميلادية وحتى اليوم. پأما على المستوى الإقليمي فقد حاول بعض الأصدقاء هنا وفي الكويت أن يحجموا هذه التجربة حتى التجاهل أو النسيان المتعمد أو العضوي وعزلي كجزيرة من صمت وسط بحر من الثرثرة، وأعني بذلك جامعي الموسوعات الشعرية ومعاجم الشعراء والانطولوجيا والذين دأبوا على محاولة تأريخ الحركة الشعرية في المنطقة بهذه الطريقة التي لم تكن تعني لي شيئاً في البداية لأنني لا أؤمن بتصنيف أو تجنيس الشعر على الهوية الشخصية كما تفعل الميليشيات المسلحة في لبنان أو العراق...! پوذلك لأنني أؤمن أن الفن بشكل عام والشعر جزء منه هو الذي يزرع الأوطان بعمق ووعي في قلوب الناس وليس العكس وأعني بالضبط أن الإخوة في الكويت اسقطوا اسمي من هذه المعاجم أو التراجم لأنهم لم يعتبروني كويتياً! أما الإخوة هنا في المملكة فقد حسبوني على الثقافة الكويتية! مع أن الثقافة بشكل عام لا تخضع للتقسيم الإقليمي مثل الفن باعتباره أحد روافدها المهمة والذي يندرج الشعر أيضاً تحت تقسيماتها المتعددة وتقسيمات الفن أيضاً. هل يزعجك هذا العزل والتجاهل ؟ أقول إن هذا العزل التجاهلي والإسقاط المتعمد أو العضوي لم يكن يهمني لأنني أثق بالقارئ الذي يحسن الفرز ولا يهمه التصنيف ولكنني كم أحزن حينما يتوجه لي الدارسون والباحثون والمهتمون بدراسة الشعر من طلبة الجامعات ويقولون لي لم نجد عنك شيئاً في الموسوعة السعودية ولا كذلك الموسوعة الكويتية. على أية حال لا يضيرني شخصياً ذلك وبإمكان الباحث أو الدارس اليوم وبفضل التكنولوجيا أن يتوجه إلى موقعي الشخصي على الإنترنت ويجد كل ما يهمه عن الشاعر والشعر والنتاجات المتعددة الأخرى. إضافة إلى خمسة دواوين شعرية تناهبتها المكتبات ولم يبق إلا القليل القليل في معارض دور النشر وهي: الغناء في صحراء الألم، أحزان البدو الرحل، ذئاب الليالي، الرعاة على مشارف الفجر، رسوم متحركة . لذا وما دام الأمر كذلك فهو يحفزني لأن أقول وبكل غرور لا أجد غضاضة في أن معظم شعراء الفصحى والعامية أيضاً في الخليج والجزيرة العربية والذين انطلقت تجربتهم منذ الثمانينات وحتى اليوم يفتخرون بأنهم قد تخرجوا من مدرسة سليمان الفليح، لأنها أقرب المدارس إلى قلوبهم، ولأنها كانت ولا تزال تعبر عما في صدورهم لذا فإنهم في كل مناسبة أو لقاء يتمسكون بذلك مع أن شعراء العامية أكثر وفاء لهذه المدرسة من شعراء الفصحى وزملائي أصحاب الموسوعات. الغذامي و أدونيس ما سر انحيازك للغذامي ضد أدونيس؟ - المسألة ليست انحيازاً فقد كنت منحازاً إلى أدونيس إلى أكثر من عقدين من الزمن حينما كنت ككل جيلي مبهوراً بتجربته الشعرية والكتابية، وقد كنت ضد الغذامي في انتقائيته التي لا تخلو من العلاقات الشخصية في مسألة التناولات النقدية لأعمال مبدعي الثمانينات، ومع دراساته التنظيرية الجادة، ومع فرضه لنفسه باقتدار على قمة الهرم النقدي العربي الذي كان حكراً على أسماء معينة، ومن بلدان معينة، وهذا أمر لطالما آثار بنا الفخر والاعتداد بالقيم الثقافية لنا. أما ما سميته انحيازاً فذلك يدخل في عدم طأطأة الرؤوس إلى الأبد وكأننا ما زلنا تلامذة للآخرين أو أتباعاً لهم، وما علينا سوى أن نهز الرؤوس لما يقولون من دون أن يجرؤ أحدنا حتى على التساؤل المر حول هذا الاحتكار والاحتقار الثقافي الذي يمارسونه علينا، والذي امتد ليطاول حتى القامات الثقافية التي تجاوزتهم بل وتخطتهم للصفوف الأمامية، كما حصل في استخفاف أدونيس بتجربة الغذامي وأهميته الثقافية والنقدية في العالم العربي. أي بمعنى آخر إننا سئمنا من هذه"الأستذة"والفوقية التي يمارسها علينا زملاؤنا وإخواننا المثقفون العرب، وكأنهم يريدون أن نبقى تحت وصايتهم إلى الأبد، لذا فقد آن الأوان أن نقول لهم وبالفم المليان احترمونا نحترمكم وانظروا إلى نتاجنا الإبداعي مثلما تنظرون إلى نتاج أقراننا ومجايلينا في بلدانكم، وهكذا نكون امتداداً حقيقياً لكم كما أنتم امتداد حقيقي لنا، لأن الإبداع لا يخضع للجغرافيا ولا حكاية المركز والأطراف التي قلبتموها رأس على عقب. بما أنك عشت ثقافياً في الساحتين، هل هناك فرق بين الساحة الثقافية الكويتية والساحة السعودية؟ - في أواسط الستينات الميلادية حتى أواسط الثمانينات حيث ازدهار النهضة الكويتية وانفتاح الكويت على العالم وفتح صدرها للعالم كانت الكويت منارة ثقافية وإعلامية، أتاحت في مناخها الصحي آنذاك أن تزدهر في ظل تلك النهضة والمناخ كل الفنون، لذلك أثمرت تلك المرحلة رموزاً ثقافية وإبداعية كويتية وغير كويتية عبر ذلك المناخ. وكانت الثقافة مسألة أساسية وجادة وتصرف عليها الدولة، وأنشأت المجلس الوطني للثقافة والفنون والإبداع، ذلك المجلس الذي كان يحق له انتداب المبدعين من سائر الوزارات والمؤسسات التي يعملون فيها كموظفين وتفرغهم للعمل الثقافي سواء كموظفين في المجلس أو منتدبين مفرغين للإبداع، وكذلك كانت هنالك جمعيات وروابط ثقافية تساند المجلس في التنمية الثقافية، ولكن دور بعض تلك الجهات في احتضان المواهب لم يكن مخلصاً، لاسيما بالنسبة للمبتدئين، والسبب في هذا القصور يعود إلى أن مجالس الإدارة في تلك الأمكنة حولتها إلى"نواد"خاصة لها ولمن يدور في فلكها ? اجتماعياً ? وفكريا. لذلك كانت مراكز طاردة لا حاضنة، وهذا ما شكل على الصعيد الأدبي خصوصاً للشعر الفصيح انتكاسة ذريعة، ونمو الشعر النبطي الذي تسيد المشهد الفني وذلك حصل للمسرح بعد رحيل صقر الرشود، وتحوُّل المسارح إلى قاعات للهرج والتهريج والتركيز على المحصلة المادية قبل الثقافية وبالطبع انسحب ذلك على كل فروع الثقافة - الرواية، القصة، الفن التشكيلي، الندوات الفكرية، السينما"فيلم واحد فقط"بس يا بحر - وبالطبع حينما تراجع الإبداع الكويتي في أواسط الثمانينات كانت هنالك ? على صعيد الشعر تحديداً ? إرهاصات حديثة تتململ في المملكة قبل هذا التاريخ، ثم استطاعت هذه الأصوات المدهشة - الجادة - أن تتخطى حدودها وتتواصل بالثقافة العربية وأصبحت المملكة آنذاك محط أنظار المثقفين العرب. ولعلي أشير هنا أمانة للتاريخ إلى تلك الأصوات المبدعة مثل عبدالله الصيخان، عبدالكريم العودة، محمد جبر الحربي، محمد الثبيتي، سعد الحميدين، علي الدميني، محمد العلي، محمد الدميني، محمد عبيد الحربي، جارالله الحميد، عبدالله الزيد، فوزية أبو خالد، غيداء المنفى، خديجة العمري، أشجان هندي... وغيرهم وغيرهن. يظهر من كتاباتك انك لا تنحاز للفصيح ضد الشعبي أو العكس، ما السبب في ذلك؟ - أنا أنحاز للشعر الجيد سواء أكان تقليدياً أو تفعيلياً، أو نثرياً قديماً أو حديثاً، فصيحاً أو شعبياً، المهم أن يكون شعراً حقيقياً ومؤثراً، ودعني أبوح لك بأنني أحفظ عن ظهر قلب الكثير والكثير من القصائد العالمية المترجمة لشعراء يكتبون بالإنكليزية أو الفرنسية أو الصينية تماماً كما أحفظ القصائد النبطية التراثية التي يقولها أهلي البدو، لأنني أؤمن أن الشعر لغة الإنسان مثلما هي الموسيقي، إذ لا يمكن أن نفصل الاثنين عن بعضهما البعض. القصيدة .. خرساء حكم الشاعر العربي المعروف احمد حجازي على قصيدة النثر بأنها قصيدة خرساء ما قولك في ذلك؟ - أنا معه في ذلك مع أنني أكتب قصيدة النثر فهي خرساء حقاً تشبه الكهرباء الساكنة وتعتمد في بنائها على الإيماءات والإشارات والجمل المبتورة والمعاني المختزلة، وهي بالفعل مثل لغة الصم والبكم، تعتمد في إيصالها للمتلقي على مقدرة المرسل على الإفهام ومقدرة المتلقي على الفهم. وهذا برأيي لا يعيبها فهي بالأساس كاللوحة التشكيلية كل يفهمها بحسب ما تعني له أو توحي إليه كما أن استيعابها وموسيقاها الخافتة جداً بحاجة إلى ثقافة عميقة وإحساس مرهف، هذا إذا كانت قصيدة نثر حقيقية لا يكتبها جاهل أو متجاهل لذكاء وحس القارئ ويعمد إلى"رصف"المفردات المتناثرة من دون انتظام أو تواشيح أو تناغم، وهذا برأيي الخاص هو سبب عزوف القارئ حتى عن اعتبارها شعراً ولو كان أخرس، كما قال حجازي وهو من رواد القصيدة الحديثة ويعرف تماماً ما يقول. وبالمناسبة فإن"أدعياء"كتابة قصيدة النثر والذين يعتمدون على"الخلطبيطة المفرداتية"أساؤوا للقصيدة الحرة بل وللشعر الحديث بشكل فادح، لأن القارئ العادي يعتقد أن ما يكتبون هو"عين الحداثة"لذلك هو معذور بالانصراف عن الشعر الحديث والاتجاه إلى قصيدة النبط. وفي هذا الصدد اسمحوا لي أن ألفت نظر القارئ لمن يكتبون قصيدة النثر الحقيقية في الوطن العربي - بحسب رأيي المتواضع - وهم محمد الماغوط، نزيه أبوعفش، سيف الرحبي، أمجد ناصر، صقر عليش، أحمد راشد ثاني، ظبية خميس، حبيب الصايغ، رياض الحسين، عادل محمود، عبدالكريم كاصد، يوسف عبدالعزيز، أحمد الملا ومجموعة شباب الشرقية، وغيرهم بالطبع ممن لا أتذكرهم الآن. قد نتفق على أن الشعر العربي المعاصر في الخليج أخذ مكانة في الصفوف الأولى إن لم يتجاوز كثيراً من التجارب العربية الأخرى، لكن هل تعتقد أنت بأنه وصل فعلاً إلى المتلقي العربي؟ وما السبب؟ - لقد عانينا كثيراً حينما كنا نرسل قصائدنا إلى المجلات الثقافية التي تصدر في الوطن العربي، لأنهم يستكثرون علينا ? كنفطيين ? هكذا ? صفة الإبداع لذلك كنا نقيم معهم علاقات مباشرة لقبولنا، وكم كان يستفزنا اندهاشهم من مشاركاتنا في المناسبات والمهرجانات الشعرية، هذا ان لم يتهمونا بشراء تلك القصائد، بالطبع كان ذلك قبلاً، أما حينما عرفونا جيداً وعرفناهم عن قرب كمنافسين، اكتشفنا أن الكثير منهم لمّعتهم العلاقات الشخصية، واكتشفنا هشاشتهم الثقافية وخواءهم الإبداعي الموهوم، وأصبحنا ننتقد أعمالهم في صحافتنا الخليجية ? الكويتية تحديداً، والتي كانت تصلهم في بلادهم، وبهذه المناسبة أغلقوا في وجوهنا منبرين مهمين تعود ملكيتهما لنا، ولهما من الانتشار ما ليس لمطبوعاتهم، وأعني بذلك صحيفتي"الحياة"و"الشرق الأوسط"، إذ كان الإخوة المشرفون على الصفحات الثقافية في هاتين الصحيفتين ينشرون لأصدقائهم وأقربائهم ومعارفهم وأبناء بلدانهم، ولا تعنيهم إبداعاتنا ولا شؤوننا الثقافية في المنطقة، ولو نشر خبر صغير في تلك الصفحات. لكنني اليوم وأنا أحرص على قراءة"الحياة"، أحس بأن صفحتها الثقافية اتجهت إلينا، وهذا أمر يحمد عليه، شريطة ألا نغلق الأبواب في وجه إبداعات الإخوة العرب، لأن الثقافة العربية كل لا يتجزأ ويكمل كل جزء الآخر ولا يقبل التصنيف أو الإقليمية الضيقة التي كانوا يمارسونها علينا كحكاية"المركز والأطراف"، لأننا في الواقع نحن المركز الديني واللغوي والتاريخي إذا ما تحدثنا من مفهوم الثقافة العربية الأصيلة، التي يكتبونها باللغة العربية الأم. الكتابة الصحفية ما سر انتقالك من الكتابة في صحيفة"الرياض"إلى الكتابة في صحيفة"الجزيرة"؟ وما الفرق الجوهري بين المطبوعتين؟ - لقد"فنشني"تركي السديري من صحيفة"الرياض". وهذا حق له كرئيس تحرير، ولكن حقي عليه أن أعرف الأسباب، ولكنني أدرك غيرة وحساسية أبي عبدالله لو يجري أي كاتب لديه ولو حواراً تلفزيونياً أو لقاء في أية وسيلة إعلامية، أو يكون له نشاط إعلامي آخر وقد خسر بسبب هذه الحساسية الكثير من الأقلام المبدعة التي تحبه وتقدر مواقفه السابقة، وأنا أحتفظ له بالكثير من التقدير والمواقف الطيبة. لكنني الآن مرتاح في صحيفة"الجزيرة"، وأحظى بكل التقدير من رئيس تحريرها خالد المالك، الذي يتميز بأنه يقبل مناقشة الكاتب في ما يشطبه أو يلغيه، فإما يقنع الكاتب أو يقنعه الكاتب، وهذه ميزة رائعة تحسب لأبي بشار. ولكن بهذه المناسبة ولأنني عملت كاتباً صحافياً ولأربعة عقود في صحف كثيرة، فاسمح لي أن أقول ان أسوأ مهنة في العالم العربي لا تضبطها عقود أو عهود أو جهود هي مهنة الكاتب، سواء أكان صحافياً متفرغاً أو كاتباً متعاوناً، إذ بمقدور رئيس التحرير أن يطرده بكلمة واحدة ومن دون إبداء الأسباب، ولا تحمي حقوقه أية جهة في الدولة. المثقف الخليجي يعيش صراعاً داخلياً انفصامياً على خطين مختلفين خط التفكير للوطن، وخط التفكير للخليج. في رأيك لماذا لم يستطع المثقف الخليجي حتى الآن أن يفكر بطريقة شموليّة ليوحد هذين الخطين؟ - هذا سؤال لم يكتمل لأنك لم تضف أيضاً خط التفكير في القضايا العربية، التي شغلتنا كثيراً كمثقفين عن قضايانا الوطنية والإقليمية، والتي أخلصنا لها أكثر من إخلاصنا إلى قضايا أوطاننا، وهذه حقيقة صارخة مفجعة لم ندرك خطأها إلا حينما احتلت الكويت. وأصبح من كنا نناصر قضاياهم أعداء لنا وأصدقاء لمن كان يعاديهم، فاليسار العربي وقف مع الاحتلال والإخوان المسلمون وقفوا مع الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية وقفت مع الاحتلال على رغم التناقض العقائدي والأيدلوجي مع النظام العراقي آنذاك، وهذا أمر يعجز العقل"العاقل"عن تفسيره إلا من منطلق الرؤية الشعبية البسيطة التي تنطلق من البيت القائل: قل العداوة قد ترجى أماتتها...إلا عداوة من عاداك عن حسد وبالطبع هذا الكلام يجيب على أننا كنا وما زلنا نفكر بطريقة شمولية لا تقتصر على أوطاننا وإقليمنا بل تشمل العالم كله، ولكنني الآن وأقولها ? بشكل فردي وعن قناعة عميقة - إن اهتمام المثقف السعودي أو الخليجي بشكل عام بإصلاح شارع يصل بين قرية وأخرى أو إنارة هجرة في البيداء يجب أن يأتي من الأولويات لديه قبل اهتمامه بقضايا الآخرين الذين لم يولوا قضاياه الكبرى كاحتلال الكويت أية أهمية تذكر بل وقفوا ضدها. لقد توحّد الخليج في فترة الأزمة الكويتيّة، وكان السبب في توحيده هو الوقوف لأجل صد هجمة على المنطقة، ما تقويمك خلال ما يجري في المرحلة الأخيرة من تلويحات وإشارات للخطر من بعض دول الجوار؟ ألا ترى أنها فترة مهمة للمّ الصف الخليجي ليس في الخطاب السياسي وحسب، وإنما في توحيد الهم الاجتماعي والثقافي أيضاً؟ - يجب ألا نأمن أحداً، أما كان صدام رمزاً عروبياً للدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي وللخليج خصوصاً، وأما كان المواطن الخليجي يهتف له، وأما كانت صوره الشخصية تعلق في بعض ديوانيات سكان الخليج بدلاً من صور الأمراء الذين يحكمون تلك البلدان فما الذي حصل بعد ذلك؟! إذن يجب علينا أن نستعد دوماً"للعداء"حتى من الصديق فكيف بالعدو التاريخي، وعلينا ألا نجامل أحداً في ذلك. المركز والاطراف غالباً ما يعيش الخليجي الهمّ العربي بشكل استتباعيّ، ويعرف الخليجي عن دور المركز العربي ومشكلاتها أكثر مما يعرفه ويعيشه من مشكلات دولة خليجية مجاورة، كيف يمكن بنظرك حل هذه المعضلة المعرفية التي تنسحب أيضاً على الوحدة الاجتماعية للوطن الخليجي الكبير؟ - أولاً أنا ضد الفهم المغلوط والمفروض والمعكوس لمقولة المركز والأطراف والتي روج لها بعض المثقفين العرب"الهامشيين على الأطراف"والذين يعتقدون أن أوطانهم هي المراكز وأوطاننا هي الأطراف. فمن المنطق أن تعتبر الجزيرة العربية"وطننا"هي المركز الإسلامي والعربي واللغوي، لأنها هي منطلق هذه الأساسيات الثلاثة التي ترتكز عليها الحضارة العربية، وقد خرج كل من"يُسمى عربي"من هذه الجزيرة ليلتحم بالحضارات الأخرى من خلال استيطانه في مناطق الأنهار، ويتأثر بتلك الحضارات تحت ظل حكم جاء من الجزيرة"الدولة الأموية والعباسية"مثلاً، ذلك الحكم الزاهر الذي تواصل مع الحضارات المجاورة. أي بمعنى آخر أن كل مثقف عربي سواء كان مسلماً أو مسيحياً ويكتب باللغة العربية هو نتاج هجرة الأطراف العربية من المركز الأم الجزيرة العربية، لذا فإن الجزيرة العربية هي المركز الأم والدول العربية هي الأطراف التي خرجت من المركز الأساس. يرى بعض المثقفين الخليجيين أن العالم العربي لا يحمل الهم الخليجي إلا باعتباره منطقة لاستقبال العمالة العربية وتوظيفها، في حين أن الخليج يحمل هم القضايا ويشارك فيها بقوّة، بل ويقدم المبادرات التاريخية ويتصدى للحلول لفك الحروب والنزاعات العربية العربية. ما السبب في وجود هذا الاهتمام من جانب واحد في نظرك؟ - ثمة مثل لدى أهل الصحراء يقول:"فلان كالثومة مأكولة مذمومة"وثمة مثل آخر لدى أهل البحر يقول:"فلان مثل العومة مأكولة مذمومة"والعومة هي نوع من الأسماك التي يأكلها البحارة ويذمونها في ما بعد. هكذا ينظر لنا الإخوة العرب، وللأسف الشديد فنحن على رغم إخلاصنا الطبيعي للعروبة والاخوة ووحدة الدم وفتح أبواب بلادنا على مصراعيها للعامل والمهندس والطبيب والمدرس والموظف العربي، بل كانت الكويت في الستينات الميلادية تضع على كراساتها المدرسية وطوابعها جملة رائعة هي"الكويت بلاد العرب"، وبالفعل كانت الكويت تستقبل العرب بشكل كثيف، وكانوا يتسيدون المراكز العليا أكثر من الكويتيين أنفسهم، وكذلك الأمر في المملكة والإمارات وقطر. وقد تعرفنا من خلال هذا الاستقطاب على العديد من الرموز العربية المضيئة التي كانت تقدر هذا الدور القومي العظيم، أما بالنسبة إلى الدور السياسي الكبير الذي تقوم به الدول الخليجية بشأن القضايا العربية والتي تأتي على رأسها المملكة بقيادة مليكنا الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز فإنني أقول إنه لولا جهوده العظيمة في الحؤول دون أن تتصرف الدول الكبرى ضد بعض الدول العربية فإن الأمور ستصبح كارثية ومحزنة تماماً كما حدث للعراق. أما لماذا يكون هذا التوجه النبيل من جانب واحد فهذا أمر يخضع للسلوكيات السياسية في تلك البلدان والنظر إلينا بعين"حولاء"لا حول ولا قوة إلا بالله!! "قرفت" من تصفيق النخبة ومدّعي الفهم منذ زمن لم يكتب سليمان الفليح قصيدة شعرية، فهل يفعل ذلك عن عمد؟... يجيب بقوله:" دعني أكون صريحاً معك ومع نفسي، إنني أحياناً أتعمد إجهاض القصيدة قبل أن يكتمل نموها في الحاضنة الشعرية أو لحظة التوهج لأقدمها خداجاً في مساحة المقالة اليومية، ولكن إذا ولدت ولادة طبيعية وليست هنالك حاجة ملحة لوأدها أو إجهاضها أو"تخديجها"فإنها بذلك تنجو وتفرض نفسها على رغم أنفي. لذا أصارحك القول إن قارئ المقالة أصبح يهمني اليوم أكثر من قارئ القصيدة، وأعني بالذات القصيدة الحديثة التي يكتبها جيلي والتي أبعدت الشعر الفصيح عن الجمهور، لما فيها من لغة خوفية خاصة كأنها تتجه إلى النخبة، وأنا صراحة ?"قرفت"- من تصفيق النخبة التي تدعي الفهم لا! ووجدت أن القارئ البسيط الذي أعبّر في المقالة عن همومه هو أكثر محبة وصدقاً معي من النخبوي الذي لا يخلو من أمراض الثقافة كالغيرة والاستعلاء والطاؤوسية، لذا فأنا بحاجة إلى قارئ يضمني لا قارئاً يصفق لي. ولكنني على أية حال وإخلاصاً للقصيدة الحقيقية المكتملة التي تفرض عليّ وجودها فإنني احتفظ بالكثير من القصائد التي لم تنشر بعد، لحدتها وصرامتها وصدقها من دون أية"حذلقات"لغوية". ويرمي الفليح باللائمة لعدم إصداره مجموعة شعرية جديدة على الحزن والكسل... شارحاً الأمر:" لقد حزنت حينما علمت أن ناشري الأول الصديق يحيى الربيعان أفلست دار نشره وباع كتبها بأثمان بخسة لولا تدخل الدولة في الكويت التي اشترت كتبه وأعادتها إليه، وكذلك انتقل المدير العام لمؤسسة سعاد الصباح للنشر الصديق خالد فطمة إلى رحمة الله قبل أيام، أما مؤسسة قرطاس التي نشرت لي الديوانين الأخيرين فاعتقد أنها لم تنهض بشكل قوي لنتاجاتها الجادة والمميزة. صحيح لقد تحدثت والإخوة أعضاء النادي الأدبي في"الشرقية"بشأن طبع مجموعة جديدة، ولكنني لم أقدم لهم المسودات حتى الآن بسبب كسلي الشديد، لذلك اسمح لي هنا أن أحييهم على بادرتهم النبيلة، وسأرسل لهم المجموعة بكل افتخار بهم وبناديهم الجاد، وبالمناسبة اسمح لي أن أحيي النادي الأدبي في الجوف الذي استهل موسمه الثقافي الأول بأمسية لي أقيمت على إيقاعات فرشاة الرسم لمجموعة من الفنانين التشكيليين الذين قدموا لي لوحتين خاصتين مستوحتين من الأمسية للفنانين عبود العلي وهند العبدان، وأنا اعتز بهذه الهدية الرائعة منهما". يهمني أن أكون المركز وتتصل بي الأطراف لا يهتم سليمان الفليح بوصول صوته إلى المركز العربي عبر دور النشر العربية المعروفة ما يهمه بالدرجة الأولى"تأصيل وتعميق تأثير صوتي في المنطق أولاً، لأنني أعرف تأثير هذا الصوت وتقديره، أما بالنسبة إلى تلك الدول فلها موقف مشبوه في ما يخص النتاج الخليجي، إذ إنها تهتم بالنتاج الفضائحي والإباحي والشتائمي الذي يتفق مع طواياهم". ويضيف:"أتذكر جيداً أن أحدهم وهو بالتحديد محمدية صاحب دار العودة والتي كانت في السبعينات محط آمال المبدعين في النشر قد طلب مني ديوان"رسوم متحركة"لنشره في دار العودة، وقد فرحت بذلك ولكنه حينما قال لي كم تدفع تأكدت أن أصفعه لأنني أعرف أن شعراء كبار نجلهم مثل محمود درويش وسعدي يوسف واملي نصر الله، وإسماعيل فهد إسماعيل كانوا يطاردونه من أجل حقوقهم المادية كلما وصلوا إلى بيروت، وكان يعطيهم النزر القليل الذي لا يكفي عشاء أحدهم في بيروت لليلة واحدة، وكذلك تفعل كل دور النشر الكبيرة بالاسم"الصغيرة"بالتعامل، لذا فأنا من هذا المنطلق يهمني أن يصل صوتي إلى القارئ الخليجي الذي يعرف تفاصيل هذا الصوت ومن ثم لا بأس أن يتعداه للقارئ العربي". ويوضح:"أنا لدي تجربة طويلة في كيفية الإيصال والاتصال وأعرف أن معارض الكتاب التي تقام في الدول العربية والتي تحمل النتاج الخليجي بمقدورها ممارسة هذا الدور، نظراً إلى أسعار النتاجات المنخفضة والمرتفعة القيمة والتي يقبل عليها القارئ العربي البسيط. إذن يبقى القول إذ إن ليس لدي عقدة المركز، ويهمني أن أكون المركز وتتصل بي الأطراف وأن أردد ما قلت في الإجابة للسؤال البداية أنني أقول كل ذلك بلا تواضع أو استجداء للقارئ!!".