أطلت علينا إيران، ومن رحم القتل والتشريد لأبناء الشعب العربي الفلسطيني في غزة، ومن قبله في جنوبلبنان في حرب 2006، بخطاب إعلامي وسياسي متناقض، ولكنه في الحقيقة قد ينطلي على البسطاء في منطقتنا العربية، حيث تردد طهران فيه ان بعض العرب، سواء حكاماً او نخباً وشعوباً، هم من ضحى بالقضايا المصيرية العربية ومنها قضية غزة الأخيرة. ويقوم الخطاب الإيراني بكيل التهم بالعمالة والخيانة للعرب، ويظهر طهران وكأنها من تحارب ويُقتل أبناؤها في غزة، ولكن السؤال الذي يُلح علينا في هذا السياق هو موقف إيران الحقيقي البعيد عمّا ينشر في الصحف الرسمية الإيرانية، وما يقال في خطب المساجد من حشد وتأييد دعائي للفلسطينيين في قطاع غزة، حيث ان إيران تدفع ببعض القوى المتعطشة لاستلام السلطة في فلسطين إلى حروب طائشة لا هدف لها سوى تمزيق وحدة الصف الوطني الفلسطيني، الذي من دونه لن تتحقق أهداف الشعب الفلسطيني المشروعة. إن المرحوم ياسر عرفات استطاع خلال قيادته الطويلة للنضال الفلسطيني ان يُبعد القوى الفلسطينية عن المشاكل العربية والإقليمية وقد نجح إلى حد ما، إما إيران فإنها تعيد المحاولة للسيطرة على بعض القوى الفلسطينية لتمرير أهدافها الخفية في المنطقة، وللأسف فإن بعض القوى في الشارع العربي تصدق هذا الخطاب الإيراني المزيف. إيران التي تدعي أنها الدولة المدافعة عن الحقوق العربية والمقدسات الإسلامية لم تحرك أياً من قواتها وصواريخها لمساندة الشعب الفلسطيني المذبوح في غزة، بل ان حزب الله الحليف الآخر لطهران سارع للتبرؤ من الصواريخ التي أطلقت على شمال إسرائيل خلال الهجوم على غزة، إن إيران تتاجر بصور الأطفال الممزقة أشلاؤهم لتصفية حساباتها مع دول عربية لا يمكن التعريض بمواقفها التاريخية تجاه نصرة القضية الفلسطينية، حيث قدمت تلك الدول التضحيات العظيمة في سبيل الدفاع عن القضايا القومية العربية، ولا يمكن اتهامها بالتخاذل بسبب أنها وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل واستردت أراضيها، وركزت على التنمية والرخاء لشعوبها. لقد لفت نظري حضور الرئيس الإيراني لقمة ما أطلق عليه"قمة غزة"، حيث مثل ذلك الحضور الإيراني اختراقاً للصف العربي وهو يعلن عن بداية صراع فعلي في المنطقة، حيث ان طهران تسعي للسيطرة والتحكم في المنطقة كقوة إقليمية، وهي تعمل لتحقيق هذه الأهداف بالمزايدة على قضايانا المصيرية العربية، فقط للتذكير ولمعرفة طموحات إيران الفعلية في منطقتنا يمكن الرجوع إلى التهديدات والوعود التي كان يطلقها القادة الإيرانيون من عسكريين ومدنيين، عندما تأزم الموقف بين إيران وأميركا العام الماضي حول الملف النووي الإيراني، التي أعلن الجانب الإيراني انه في حال تعرضه لضربات عسكرية من الغرب او إسرائيل فإنه صراحة سيستهدف منابع النفط والمنشآت الصناعية في دول الخليج العربي، إضافة إلى التهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية، بل ان بعض المسؤولين الإيرانيين ورؤساء تحرير الصحف الرسمية يظهرون علينا بأقاويل تؤكد أطماعهم في بعض دول المنطقة.لقد أحسن احد القادة الفلسطينيين في تعليقه على خطاب احمدي نجاد في"قمة غزة"، حيث قال إننا فقط نسمع دروساً مجانية في الوطنية من نجاد، وتساءل المسؤول الفلسطيني أين هي آلاف الصواريخ العابرة للقارات التي يتغنى بها النظام الإيراني؟ لماذا لا يطلقها على إسرائيل إذا كان جاداً في دفاعه عن القضية الفلسطينية؟ في هذا السياق ذكرتنا دولة الإمارات العربية المتحدة بعدم حضورها"قمة غزة"بالأرض العربية المحتلة في شرق الخليج العربي، التي تحتلها إيران منذ أيام نظام الشاه، ومن ثم أتت الثورة الإسلامية المباركة واستمرت في احتلالها للجزر العربية في الخليج، بل إن النظام الجمهوري في طهران اظهر تشدداً في شأن التفاوض حول إعادة الجزر العربية المحتلة أكثر من ذي قبل، بل ان إيران تظهر أطماعاً وتدخلات لا تخفى على أحد بالجارة العراق العربية، فهي تلعب على التناقضات السياسية في العراق، وتعمل على نشر الفوضى حتى يتسنى لها تحقيق مصالحها القومية الضيقة. [email protected]