يقدّم كتاب"رسائل حب جولييت دراوت لفيكتور هوغو"- ترجمته من الفرنسية إلى الإنكليزية ثيودوا ديفدسون بدايات القرن الماضي تحديداً 1914 - الأديب الفرنسي الكبير صاحب رائعة"البؤساء"و"أحدب نوتردام"الشاعر فيكتور هوغو على الهامش، وفي خانة التلقي من خلال متن حوى أدباً راقياً وحميمياً في آن، وضم مئات الرسائل اليومية التي بعثتها حبيبته الممثلة جولييت دراوت. كانت بدأت في كتابتها بعد تعرفها عليه عام 1833 ووقوعها في غرامه بعد علاقتها المربكة مع النحات الفرنسي جيمس برادير الذي رفض زواجها بسبب اختلافهما الطبقي. ولأن تقاليد المجتمع الفرنسي منعت زواجهما بحكم أنه متزوج قبل أن يعرفها فإن غيرة هوغو الشديدة ورغبته في نقلها من واقعها الفارغ، اضطرها الى أن تتخلى عن التمثيل والمسرح متنكرة لمديح المجتمع والمدينة، في سبيل عشقها الأبدي له وبقائها معه وأسرته حتى وفاتها مضحية بإخلاص منقطع النظير بمستقبلها الباهر ومفنية شبابها النضر. وكانت غيرة هوغو أجبرتها أن تبقى وحيدة في غرفة صغيرة، مع خادمة وكتب لا حصرَ لها وما كان لها وهي في وحدتها وفراغها الطويل أن تحتمل ذلك لولا حبها العظيم له، وهو ما أخرج هذه الرسائل للنور، فكتبت بشكل مكثف ويومي رسائل غاية في الرقة لهوغو، كانت تبدأها دائماً بعبارة:"عزيزي توتو"وهو اسم التحبب الذي كانت تستخدمه جولييت عند نداء حبيبها هوغو. تقول ديفدسون في مقدم ترجمتها ان ما حرض جولييت على كتابة هذه الرسائل الكثيرة رد هوغو، عندما شكت له وحدتها وساعات الانتظار الطويلة، اذ قال مواسياً ومحرضاً:"اكتبي لي اكتبي لي كل شيء يمكنُ أن يخطرَ على بالِك، كلَ شيء يمكنُ أن يخفقَ له قلبُك". وكما ظهر في رسائل هوغو لجوليت معلومات عن الحقبة التاريخية التي عاشها والتي أثرت في تحديد مواقفه إزاء أحداث مهمة، فإن في رسائل جولييت جانباً شفيفاً وحميمياً ولغة بوح مغلفة بالمرح أحياناً والمعاتبة أحياناً أخرى، عدّها كثيرون أرق ما كتب من رسائل الحب في الأدب الفرنسي. من رسائلها الأولى:"عزيزي توتو. عدتُ للتوِ حزينةً ومكتئبة. أنا أتألم، أبكي، أُعوِل بصوتٍ عالٍ وأئنُ من تحتِ أنفاسي إلى اللهِ وإليك. أتمنى أن أموتَ كي أضعَ نهايةً لكل هذا العذاب وهذه الخيبة وهذا الحزن. يبدو أنَّ سعادتي تلاشت على الحقيقة بتلاشي الطقس الجيد. إنّ من الحماقةِ أن أتوقعَ قدوم أحدهما مرةً أخرى. الفصلُ متأخرٌ جداً لرجوعِ الطقس الجيد أو الأيام السعيدة. أيها المغفلُ المسكين، تقولُ انّ من الأحرى أن أتوجعَ بحسرةٍ على ضياعِ بهجةِ كل يومٍ ماضٍ، من السهلِ أن يُرى أنهُ لم يتأت عليك أن تنتظرَ كي تحظى بامتيازِ أن تُحِبَ وأن تُحَبَّ حتى بلوغك السادسة والعشرين. أنتَ يا شاعر، يا من كتبتَ les feuilles dautomne * في جوٍ من الحبِ وضحكِ الأطفال، وعيون لازوردية وسوداء، وخصلِ بنيةٍ وذهبية، سعادة بكاملِ المقاييس! ليسَ لديكَ سببٌ كي تلاحظَ كيفَ أنّ يوماً واحداً من الكآبةِ والمطرِ مثل هذا، يمكنُ أن يجعلَ أكثرَ الأوراقِ خضرةً تذبلُ وتقعُ على الأرض. من أجل هذا لا تستطيعُ أن تعرفَ كيفَ يمكنُ لأربعٍ وعشرينَ ساعةٍ منزوعةِ البهجة أن تهمّش ثقةَ الشخصِ بنفسِه وأن تحطّم قوته المذخورة للمستقبل. من الواضحِ أنكَ لا تفعلُ، إذ انكَ تتساءلُ حينما أبكي، تكادُ تنزعجُ بسببِ حزني. لذلك، هل ترى أنكَ لا تلاحظُ مقدار التضحية التي أبذلها لك. بالتأكيد لدي كل الحقِ كي أندم على حبي لك بهذا الشكل الجارف، عندما أرى حبي غير مطلوبٍ وغيرِ مرحبٍ به، أوه، نعم، أنا أحبك، إنها حقيقة! أحبكَ رغماً عني، رغماً عنك، رغماً عن كل هذا العالم، رغماً عن الإله، رغماً عن حتى الشيطان الذي يحاول أن يُدخل نفسه بالأمر. أحبك، أحبك، أحبك، سعيدةً أو غيرَ سعيدة، فرحةً أو ترِحة.أحبك! افعل بي ما تشاء، رغمَ ذلك سأحبك. * أوراقُ الخريف: من أوائل دواوين فيكتور هوغو الشعرية.