«ليس لديّ ما أقوله لك سوى إنني أحبك»، هذه العبارة التي كتبها الروائي الفرنسي ليون بلوا لخطيبته جان مولبيش هي عنوان معرض مقام حالياً في «متحف الرسائل والمخطوطات» في باريس، وهو معرض يضم مجموعة نادرة من رسائل العشق التي كتبتها شخصيات معروفة وتمثّل شهادة على الدور الذي لعبته الرسائل كأداة تواصل بين العشّاق قبل أن تحل محلها اليوم العبارات التي يسجلونها على هواتفهم المحمولة أو على بريدهم الإلكتروني. يعتمد المعرض على نماذج نادرة من هذه الرسائل المكتوبة بأيدي أصحابها والتي تكشف عن وجوه جديدة لهم، ومنها رسائل ليون بلوا إلى خطيبته الدنماركية جوان مولبيش قبل أن تصبح زوجته. وكانت هذه الرسائل قد صدرت في كتاب عام 2010، وقد كتبت بين عامي 1889 وعام 1890، وبينّت كيف أنّ بلوا الذي اشتهر في الأوساط الأدبية بشخصيته المتوترة، العصبية والصدامية، كان أيضاً إنساناً في منتهى الحساسية والشفافية، وهو أحب جوان، التي صارت تعرف في ما بعد بجان، حباً جنونياً فكتب لها قائلاً: «أتمنى أن أنزع قلبي من صدري لأعطيكِ إياه. أنا مجنون بحبّك». من ليون بلوا إلى فكتور هوغو وجولييت دروي. ومن المعروف أنّ هوغو التقى بجولييت عام 1833، وكانت حينها ممثلة مسرحية في السابعة والعشرين من عمرها. ومنذ اللقاء الأول وقع في حبها وظلت عشيقته حتى وفاتها. وقد برهنت على تفانيها الكامل له رغم معاناتها من غيرته وحبّه للتملك، إذ كان يريدها أن تكرّس كل حياتها له، وأن تقوم بنسخ كتاباته وتتحمّل طباعه المتقلّبة وبقائه متزوجاً وخياناته المتكرّرة مع نساء أخريات. تطالعنا في المعرض نماذج من هذه الرسائل التي تفوق العشرين ألف رسالة، أي أنّ جولييت كانت تكتب له بمعدل رسالة كل يوم بين عام 1833 وعام 1883، عام وفاتها. وفي كل رسالة كانت تكرّر حبها له، وهو حبّ استمر حوالى خمسين عاماً وكان له تأثير أكيد في نتاج الأديب. وكان قد استوحى منها شخصية كوزيت في روايته «البؤساء»، لأنّ جولييت كانت يتيمة الأبوين وعانت كثيراً في طفولتها وشبابها قبل امتهانها التمثيل وقبل أن تلتقي به. تقول في إحدى رسائلها: «فضيلتي أنّني أحبّك. جسدي ودمي وقلبي وحياتي وروحي كلها معاً مأخوذة بحبّك». لا تنحصر الرسائل المعروضة بالشخصيات الأدبيّة، بل تطاول أيضاً الشخصيّات السياسيّة ومنها القيصر الأسكندر الثاني الذي حكم روسيا من عام 1855 حتى وفاته عام 1881 والذي ارتبط بعلاقة عاطفية مع كاترينا دولغوروكا. كان في الثامنة والأربعين من عمره وكانت هي في العشرين. أعجب بها على الفور فتجاوبت معه على رغم أنه كان متزوّجاً وأباً لثمانية أطفال. ظلّ عاشقاً لها حتى وفاته، وكتب لها بالفرنسية رسائل عبّر فيها عن تعلّقه الشديد بها، قائلاً لها إنه ينسى العالم كله بين ذراعيها وإنه لها مدى الحياة. أنجبت له أربعة أطفال وكان ينوي بالفعل الزواج منها رسمياً بعد وفاة زوجته، لكنه اغتيل عام 1881 فأجبرت على ترك روسيا وهاجرت إلى مدينة «نيس» في جنوبفرنسا حيث توفيت عام 1922. إذا كانت معظم الرسائل المعروضة موجهة إلى شخصيات حقيقيّة ومعروفة، فإننا نعثر في المعرض على رسائل كتبها الأديب الفرنسي أنطوان دو سانت إيكزوبري إلى امرأة مجهولة لا نعرف حتى اليوم من كانت بالفعل. ويشير المعرض إلى أنّ هذه المرأة المجهولة الاسم كان قد التقى بها الكاتب عام 1943، أي قبل عام واحد من وفاته وكان قد تجاوز الأربعين بينما كانت هي في الثالثة والعشرين وتعمل في مؤسسة «الصليب الأحمر». كتب لها الكثير من الرسائل وخاطبها بلسان أميره الصغير الذي صدر كتابه عنه لأول مرة عام 1943 في نيويورك. حاول إغواءها بشتى الوسائل، لكنها لم تستجب له مفضّلة الصمت واللامبالاة. وتبقى هذه الرسائل الموجّهة لتلك الشابة المجهولة شهادة هامة تختصر جانباً من طباع من كتبها ومن مزاجه في الفترة التي سبقت تحطّم طائرته واختفائه في البحر. أخيراً، تستوقفنا في المعرض هذه العبارة لفرناندو بيسوا: «رسائل الحب، إذا كان الحبّ موجوداً، لا بد أن تكون مضحكة، غير أنّ المضحكين فعلاً، في نهاية المطاف، هم الذين لا يكتبون أبداً رسائل حبّ».