العاطلون وحدهم هم الذين يرون الحياة بشيء من البؤس، منهم من يشاهد الشمس في لحظات خاطفة، حين يجبره واجب السهر اليومي على المواصلة، واسألوهم عن ذلك، ومنهم من يعرف الليل والشارع كصديقين حميمين لا يفارقهما إلا بشق الأنفس، أو لمرض يوْقِفُ عن البرنامج الممل القاتل الذي يتبادل فيه النهار والليل كل الأدوار، ويصبحان متشابهين كونهما يعيدان دورتهما بالسيناريو ذاته يوماً بعد يوم، بينما هما مختلفان في التفاصيل والطقوس، لان المحصلة النهائية والناتج الإجمالي أنهم بلا عمل. أحلامهم كما هو برنامجهم اليومي تتشابه وتختلف، تتشابه في رغبة الحصول على مصدر رزق حلال، ودخل معيشي ثابت، وليس شرطاً أن يكون متصاعداً، وتختلف في أرقام المعيشة، فمنهم من تكفيه قطعة خبز، لأنه يراها ترفاً معيشياً وتكفيه حتى يستقيم على الأرجل، فيْمَا جزء آخر يحتاج إلى قطعتين لأن وراءه من سيأكل معه. أن تكون عاطلاً يشبه تماماً أن تكون بلا هوية، وان تقنع ذاتك دوماً بأن تكون أحلامك الصغيرة والكبيرة في ورقة مهملة تحت الوسادة، فهناك تحلق وهناك تهبط. لا أعرف رقماً حقيقياً لعدد العاطلين الذين ينتمون للأسطر الماضية، ولم أحاول أن ابحث، فيكفي أن أشاهد حولي فقط في دائرة مجتمعي الخاص أرقاماً محزنة ومحبطة، وحين التقي بأحد هذه الأرقام أحدثه في كل شيء إلا المستقبل لأنه سيوجعه! وربما يبكيه، وأنا لا أحتمل بل لا أطيق رؤية الدموع على وجه شاب! أحاول أن اطرق ذاكرته وذاكرتي بتفاصيل الماضي، أحشر كل القصص والطموحات في تواريخ سابقة حتى أتفادى نبش الجروح المرتبطة بكلمة"عاطل"، لتنطلق أسئلة من نوع: لماذا لا تزال لدينا أصوات مسؤولة ترفض تقديم إعانة بسيطة لكل عاطل؟ ألا تظن هذه الأصوات أن الحياة قست ذات يوم على أفراد بسطاء ونقلتهم إلى معاناة يومية مع ملف أخضر، وانتظار بألوان قوس قزح؟! ألم تمزق سنوات الانتظار أرواح شباب وفتيات لن يعيد لها شيئاً من بريقها إلا نظرة عطف ووقفة صادقة لكي لا تتسع مساحة التمزق؟ وهنا نحن الخاسر الأول والأخير. يأتي من يقول إن فرص العمل لشبابنا متوافرة، وأنا متأكد تماماً من ذلك، لكن ما أنا متأكد منه أكثر أن هناك فرصاً وظيفية تذهب من تحت الطاولة وتؤخَرْ لزمن لصالح ابن القبيلة، وذوي القربى والنسب والمصلحة المتبادلة، بينما ندفع بالمسكين وابن السبيل والمحتاج والمجتهد لوظائف لا نرضى ولن نقتنع أن يلتحق بها من نحن لأجلهم نحتفي ونحتفظ ونخفي الفرص الوظيفية. لا نتوقف كثيراً عند ما مضى فهو وجع يحتاج إلى حديث متشعب، لكن لنذهب"فقط"للأهم! هل نحن عاجزون عن تقديم مساعدة مالية لكل عاطل عن العمل؟ متى نقتنع بأنهم يعيشون بيننا، ويعانون من أسئلتنا الساخنة، ويموتون غيظاً من تصرفاتنا حين نعاقبهم عندما يبحثون عن رزقهم على رصيف شارع، أو في زاوية قصية من شوارع ملتهبة أو قارسة. لنضع في جيوب العاطلين ريالات بسيطة تجعلهم يتحدثون بأمان، ويتطلعون للأمام حتى لا يسترقون النظرات والريالات من اليمين واليسار، لنقترح لهم اسماً جديداً يخفف قسوة"عاطل". لنمسح دمعة شاب جامعي تزوجت أخته الصغرى، وأصبحت تهدي والدها بين حين وآخر، وتدعم أخاها حين تقرأ في وجهه الاحتياج بعد أن خجل من جيب أبيه، يأتي الأب لحظة غضب من الابن، والزمن، وقسوة العيش، ليقول ليتك كنت"بنتاً". تقديم إعانة بسيطة للعاطلين ليس مستحيلاً، وإن كان هناك من يُصر على الاستحالة، فلنقترح أن تكون الإعانة لمن حاز على شهادة علمية من مؤسسة تعليمية وتخصص كانا مفتوحين، ثم وقف في الطابور ينتظر ولا يدري أيهما يسبق: الوظيفة أم كلمة قاسية كتلك التي قالها الأب الموجوع لأمله الجامعي! [email protected]