أيقظت قصة طفلة عنيزة التي تزوجت مسناً من دون علمها، جدلاً فقهياً نائماً حول شرعية الزواج من البنات القُصّر، وأحقية الأب في إسقاط شرط"رضا المتزوجة/ الطفلة!"قبل إتمام عقد النكاح. وفي حين أعطى عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور يوسف الشبيلي، الضوء الأخضر للأب في تزويج طفلته الصغيرة من دون موافقتها، مستدلاً بزواج النبي عليه الصلاة والسلام بعائشة رضي الله عنها، اعتبر الأستاذ المشارك رئيس الدراسات المدنية في كلية الملك فهد الأمنية عضو مجمع الفقه الإسلامي الدكتور محمد النجيمي، تزويج الأطفال ظلماً وجوراً لا يجوز، لافتاً إلى أن زواج الرسول من عائشة وهي طفلة لا يحتج به، لأنه"كان في مكة قبل نزول التشريع في المدينةالمنورة". واستثنى الدكتور يوسف بن عبدالله الشبيلي، وهو يلقي درساً علمياً عن المستجدات الفقهية في الأسرة في جامع الملك عبدالعزيز في حي المعابدة في مكةالمكرمة، شرط الرضا بالزواج في ثلاث حالات، ذكر في أولاها"تزويج الأب ابنه المجنون أو الصغير المراهق الذي يحتاج إلى الزواج، فقد ذهب جمع جمهور أهل العلم إلى جواز الإجبار في هذه الحالة إذا رأى الأب احتياج ابنه إلى الزواج". وأورد في الحالة الثانية"تزويج الأب ابنته المجنونة أو الصغيرة المجنونة إذا رأى فيها حاجة وميلاً إلى النكاح". أما الحالة الثالثة التي كانت مثاراً للجدل، فأجاز فيها الشبيلي"تزويج الأب ابنته الصغيرة العاقلة التي دون تسع سنوات، مشترطاً أن يكون الولي هو الأب فقط من دون بقية الأولياء، وأن تكون صغيرة أي دون البلوغ، فضلاً عن كونها بكراً"، مستدلاً في ذلك بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها. غير أن هذا الطرح لم يرق للدكتور محمد النجيمي الذي فند قول الشبيلي، وأوضح أن الأخير"نقل كلام الفقهاء، ونحن يعنينا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قال:"تستأمر الثيب، وتستأذن البكر، وإذنها صمتها?". وأضاف أما من احتج بأن الرسول تزوج بعائشة وهي بنت السنوات الست"تلك كانت من خصائص الرسول، كما أن ذلك كان في مكة قبل نزول التشريع في المدينةالمنورة". ووصف عضو المجمع الفقهي زواج الأطفال ب"الظلم والجور"، مشيراً إلى أن الواقع التطبيقي له في المجتمعات الإسلامية ما يثبت ذلك،"وهو يتم لأسباب بعيدة عن مقاصد الزواج مثل رغبة الطفلة في التخلص من زوجة الأب الثانية، أو إتمام صفقة مالية ومصالح دنيوية". وشدد النجيمي على أنه من الواجب"منع هذا الزواج وعدم التسويغ له بأي حال من الأحوال، وأما ما ذكر انه إجماع فهذا إجماع سكوتي وهو مختلف فيه بين الأصوليين". وأضاف"ظهر لدينا فساد عظيم من تزويج الصغيرات، لذا لا يجوز تزويج الصغيرة حتى تبلغ، فإذا بلغت ورشدت، فإنها تخير الزواج من عدمه". واستشهد عضو المجمع الفقهي على بطلان باطل لان الله تعالى يقول:"وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم"، لافتاً إلى أن الله تعالى"جعل سن البلوغ سن انتهاء الصغر، وهذا دليل على أن الفتاة لا تجوّز حتى تبلغ سن البلوغ لأنها قبل ذلك صغيرة، ومن قال خلاف ذلك فإنه يخالف منطوق الآية القرآنية، فلو كان هذا الزواج يصح في سن الصغر لما كان لهذه الغاية معنى". وأشار النجيمي إلى أن أقوال الفقهاء لا تحسم هذه المسائل، بل"تحسمها النصوص النبوية الشريفة الصريحة"، مطالباً ب"وقف مثل هذه الأنواع من الأنكحة في المحاكم السعودية". ولقي هذا الرأي الرافض لتزويج الصغيرات تأييداً من الاختصاصي النفسي الدكتور ناصر العريفي، الذي فصل عدم أهلية البنات في هذه السن فيزيائياً. وقال:"الصغيرات والصغار قبل بلوغ سن الرشد غير مؤهلين لفهم معنى أن يصبحوا أزواجاً أو زوجات، فالزوجة ما زالت طفلة غير مستعدة لأن تكون أماً"جسمانياً أو نفسياً"، وهي في هذه السن بحاجة للرعاية". وأضاف أن"الحاجات النفسية والاجتماعية عند الطفل لم تكتمل، لذا فزواج الأطفال يفرز العديد من الآثار السلبية على مختلف الأصعدة النفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية". يذكر أن رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية تركي السديري انتقد أخيراً تزايد ظاهرة زيجات الأطفال، مؤكداً أنها تمثل شرخاً واضحاً للمواثيق الدولية.