شكّل اختراع الطباعة سنة 1440 على يد يوحنا غتنبرغ ثورةً معرفيةً جبارة، قادت العالم إلى إحداث نقلةٍ نوعية في العلوم والمخترعات ونمط الحياة البشرية، وامتدت تلك الثورة لتصل إلى العالم العربي، تحديداً مصر والشام، وكان الأستاذ سمير صبحي أشار في كتابه دهاليز الصحافة إلى بداية الحركة الصحافية في مصر، وتأثيراتها في المجتمع، وتوقف كثيراً عند صحيفة الوقائع المصرية، ونقل للقارئ شيئاً من أخبارها، من ذلك خبر عن تركيب جسرٍ معدني اجتمع لتركيبه لفيف من المهندسين، وحرص المحرر على تفسير معاني كل كلمةٍ، حتى إنه توقف عند كلمة الونش وأخذ يسهب في شرح معناها بكل طرافةٍ وغرابةٍ. فقال واصفاً مشية الونش: فأخذ في السير الهوينا على عجلاته بلا مشقةٍ ولا تعبٍ، متجهاً جهة المكان اللازم لتركيبه عليه من النيل، فعلم من عمليته أنه بواسطة إدارة تلك الآلة وبعض الحبال والرجال المهرة، يستغنى في تركيبه في محله إلخ. ثم توقف الأستاذ سمير عند بعض الأعلام، وكان من ضمنهم المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي صاحب كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار، والذي عني فيه بأخبار مصر وصفات أهلها وأحداثها، كذلك أشاد الأستاذ سمير بالأستاذ أحمد فارس الشدياق وهو لبناني الأصل، عمل في صحيفة الوقائع المصرية، وأشاد كثيراً بالطباعة لدرجة الشغف والكتابة عنها كثيراً، ولم يفت صاحب كتاب الدهاليز الحديث عن الساخر أبي نظارة يعقوب صنوع، والساخر الثائر عبدالله بن النديم الخطيب اللاذع، والساخر الماتع الذي وصفه الأفغاني بقوله: ما رأيت مثل النديم طوال حياتي في توقد الذهن، وصفاء القريحة، وشدة المعارضة، وكانت له ثلاث صحفٍ:"التنكيت والتبكيت"لاذعة ساخرة، و"الطائف"وهي جديدة تدعو للثورة العرابية، و"الأستاذ"كانت تدعو للإصلاح الاجتماعي. والأغرب من هذا كله أن الخديوي إسماعيل أصدر قانوناً يقضي بمعاقبة الموزع إذا تأخر في إيصال الصحيفة إلى الناس، وجلده 300 جلدة! وهذا من غرائب العقوبات، والحمد لله الذي سلم موزعي الصحف من هذا العناء والعنت! ومع هذه الطفرة المعرفية في الصحف الأهلية المصرية التي كانت تصادر أو تغلق لتظهر في اليوم التالي الصحيفة نفسها ولكن باسمٍ آخر، أقول: لعل فيها ما يذكرنا بطفرة الإذاعات الأهلية التي فشت في حقبةٍ من الحقب فوق الأراضي المصرية، حتى إن بعض اللصوص استعملوا بعض الأغاني والإعلانات، كرموزٍ لتنفيذ عملياتهم، قبل أن يقبض عليهم وتتدخل السلطات لإيقاف استنزاف الأثير وتنظيمه بشكلٍ يخدم مصالح الدولة والمستمع.